التقى رئيس
البرلمان،
عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن
السويحلي في العاصمة الإيطالية روما بمبادرة من أطراف عربية ودولية بهدف جسر المسافة بين الأجسام التي نشأت عن الاتفاق السياسي لكنها لم تكن جسرا بين السلطة والشعب، وبين الساسة والمواطنين، فكان أن زاد الوضع السياسي والأمني والاقتصادي تأزما.
اللقاء كما ورد في بيان الطرفين كان إيجابيا، ووقع تفاهم بينهما بشكل كبير حول المسائل العالقة والتي جعلت من الاتفاق الهش أكثر هشاشة، حتى أن روح التفاؤل انتقلت إلى من لا يعارضون الاتفاق وينتظرون فرجا قريبا للوضع الاقتصادي المتردي وهم الشريحة الأكبر من الليبيين.
عاد رئيس البرلمان، عقيلة صالح، من لقائه مع السويحلي ليتحدث إلى أنصار البرلمان والجيش على استحياء وباعتذار.
عاد وتحدث إليهم لا بخطاب صاحب الرؤية التوافقية أو الثقة المطلقة في موقفه التصالحي وخياره السلمي الذين يمكن أن ينهي أو يخفف من معاناة المواطن، بل عاد بجريرة المخطئ الذي يطلب الصفح. إذ لا يمكن ولا يعقل لمن يريد الوفاق والمصالحة أن يخاطب أنصاره بعد عودته من لقاء خصومه بالسلبية والدونية التي تحدث بها رئيس البرلمان.
صالح أعلن بثقة أنه لم يكن الداعي للقاء بل هم من طلبوا لقاءه، وبالتالي فإن موقفه أقوى، وليس ملزما بأي نتيجة قد تتبادر إلى الإذهان من اللقاء!!
بل ذهب صالح في ضرب مساعي لملمة المتبعثر من وفاق الليبيين ونسف فرصة التقارب بقوله إنهم لم يحققوا (أي الخصوم) من الاجتماع أي شيء، وهذا منطق المدفوع إلى لقاء يرفضه، وليس خطاب من يبحث بحرص عن أي بادرة لانهاء الانقسام والدفع بعجلة الاقتصاد والامن والسياسة إلى الأمام بعيدا عن المأزق الراهن.
من الطبيعي أن يطمئن السياسي أنصاره، لكن القادة السياسيون هم من يحملون معهم الأنصار إلى رؤيتهم التصالحية ومقاربتهم الوفاقية بالحكمة، واليقين بصوابية الخيار، والإقناع، مما يعني القناعة المسبقة واليقين المطلق بأن ما يقوم به هو الأفضل لليبيا والليبيين، وبالتالي لا يتأثر بالدعاية السلبية.
لكن أسلوب الطمأنة وبديل الاقناع لا ينبغي أن يكون على حساب الأسس التي تقوم عليها المصالحة ويتأسس عليها الوفاق الحقيقي.
فهل يعقل أن يتجشم التوانسة والطليان عناء الجمع بين عقيلة صالح والسويحلي باعتبار أن الثاني مواطن عادي، وليس بصفته الاعتبارية كرئيس للمجلس الأعلى للدولة وهو الجسم الذي ضم أغلبية أعضاء المؤتمر الذي دخلوا في مقاربة الصخيرات؟!
واضح وضوح الشمس أن الفكرة قائمة على تفعيل حراك يجمع الأجسام التي انبثقت عن اتفاق الصخيرات والتقريب بينها بشكل يحلحل الأزمة السياسية ويكسر الجمود المخيم على المسار الانتقالي، وعقيلة صالح قَبِل الدعوة على هذا الأساس ويبدو أنه عندما واجهة موجة معارضة تراجع والتحدث بالذي قاله في مقابلاته التلفزيونية والتي ينسف مضمونها اللقاء ويلغم مقاربة التقريب بين الفرقاء.
أجزم بأن قطاعا واسعا من الليبيين تفاءل خيرا باللقاء، بغض النظر عن مشروعيته ومشروعية من يمثلونه، وذلك للوضع المتردي الذي يعيشونه، فهم يبحثون عن أي بارقة أمل تخرجهم من هذا الوضع المأساوي، وقد عبر عقيلة صالح نفسه عن هذه المعاناة والحاجة للتقارب لإنهائها أثناء اللقاء، فكيف ينقلب على مواقفه ويطلق تصريحاته الجزافية بعد عودته من روما.
وأجزم أيضا أن عقلية كهذه، وسياسيا كصالح لا يمكن أن يقدم دفعة للوفاق الحقيقي والشامل الذي ينشده شرائح واسعة من الليبين.
الوفاق والمصالحة يقومان على استعداد نفسي ومقاربة فكرية واضحة ومترسخة في أذهان ووجدان القيادة السياسية، فإن لم تكن كذلك فهي أقرب إلى التعاطي البرغماتي الهزيل الذي يزيد الطينة بلة، ولا يضيف للمشهد إلا مزيدا من العبث والتأزيم.
واجه السويحلي موجة غضب وسخرية حارة داخل جبهة طرابلس أكثر حدة مما واجهه عقيلة صالح من أنصاره، وشارك السويحلي في لعبة شد الحبل، لكنه لم يكن عالي الصوت، ولم يجنح لخطاب التبرير أو التنكر للقاء روما، ولم يستفزه قول عقيلة صالح إن السويحلي عرض التوقيع على ورقة بياض في إشارة لتسليمه التام للطرف الآخر، وقد كانت هذه النقطة أحد أهم أسباب سخط المعارضين للقاء في المنطقة الغربية، لكن تصريحه بأن أي إجراءات يتخذها البرلمان لتغيير محافظ ليبيا المركزي ستبوء بالفشل يختصر الموقف، ويوجز الرد.