تساءل المعلق توماس فريدمان في مقال له، نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، عن السبب الذي يدعو الولايات المتحدة إلى قتال
تنظيم الدولة.
ويبدأ فريدمان مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بالحديث عن مظاهر الارتباك داخل الإدارة الأمريكية، ويقول إن "سياسة فريق الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب الخارجية كانت مشتتة وفي كل مكان حول ما يمكن عمله في
سوريا: الإطاحة بالنظام، أو تكثيف الدعم للمعارضة، أو الرد على أي هجوم جديد ضد المدنيين الأبرياء، وعندما يتم الضغط عليهم فإن هناك فكرة واحدة يبدو أنهم اتفقوا جميعا عليها: هزيمة تنظيم الدولة، كما وضحها وزير الخارجية ريكس تيلرسون"، ويضيف: "حسنا، دعني أطرح سؤالا آخر يضيف لحالة الارتباك: لماذا؟".
ويتساءل الكاتب عن السبب الذي يجعل هدف الولايات الآن هو هزيمة تنظيم الدولة في سوريا؟ وهو لا يجادل بأن تنظيم الدولة مقيت ويجب اقتلاعه من أساسه، ويستدرك قائلا: "لكن، هل من مصلحتنا التركيز على هزيمة تنظيم الدولة الآن؟".
ويقول فريدمان: "إننا لا نتحدث عن تنظيم دولة واحد بل تنظيمين، فهناك تنظيم الدولة الافتراضي، وهو تنظيم شيطاني وحشي وهلامي، ويقوم بنشر أيديولوجيته من خلال الإنترنت، وله أتباع في أنحاء أوروبا والعالم الإسلامي كله، وبحسب رأيي، فإن تنظيم الدولة هذا هو التهديد الرئيسي علينا؛ لأنه يجد طرقا وبذكاء لتقوية الجهادية السنية، التي تلهم وتعطي إذنا للمسلمين الذين يشعرون بالإهانة، ويعيشون على أطراف المجتمع من لندن إلى باريس والقاهرة، ليستعيدوا كرامتهم من خلال اجتذاب العناوين الصارخة لقتلهم الأبرياء".
ويشير الكاتب إلى أن "تنظيم الدولة الثاني هو (المناطقي)، الذي لا يزال يسيطر على بعض الجيوب في غرب العراق ومناطق واسعة من سوريا، ويهدف لهزيمة نظام بشار
الأسد وداعميه الروس والإيرانيين وحزب الله، بالإضافة إلى هزيمة النظام المؤيد لإيران الشيعية في العراق، ولاستبدال النظامين بخلافة".
ويتحدث فريدمان عن تحديات تواجه الإدارة الأمريكية، "الأول: لن يذهب تنظيم الدولة الافتراضي، الذي يملك عقدا ونقاطا في أنحاء العالم كلها، حتى لو تمت هزيمة تنظيم الدولة المناطقي، وأعتقد أن تنظيم الدولة الافتراضي سينشر سمومه أكثر حتى يخفي الحقيقة، وهي أنه خسر مناطق الخلافة لأعدائه الألداء في إيران، ولحزب الله اللبناني، والنظام الشيعي في العراق، والنظام المؤيد لإيران في سوريا، وللروس، ولا ننس ذكر أمريكا".
ويبين الكاتب أن "التحدي الثاني: هدف الولايات المتحدة في سوريا هو خلق نوع من الضغط على الأسد وروسيا وإيران وحزب الله؛ لإجبارهم على التفاوض حول صيغة للمشاركة في الحكم مع السنة، وإحدى الطرق لخلق هذا الضغط هي بناء مناطق حظر جوي حول محافظة إدلب، التي يتجمع فيها الكثير من معارضي نظام الأسد، والتي استهدفها النظام السوري بالسلاح الكيماوي الأسبوع الماضي، إلا أن الكونغرس والرأي العام الأمريكي قلقان بشأن هذا الأمر".
ويتساءل فريدمان: "فما هو الحل إذا؟"، ويجيب قائلا: "يمكننا زيادة الدعم العسكري للجماعات المعارضة للأسد، ومنحها ما يكفي من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات لممارسة الضغط على الروس والإيرانيين وحزب الله وعلى المروحيات السورية، ونجعلهم ينزفون دما بدرجة تدفعهم للتفاوض، ولا أعارض هذا الأمر".
ويعاود الكاتب التساؤل مرة أخرى، قائلا: "وماذا يمكننا عمله أيضا؟ يمكننا التوقف عن قتال تنظيم الدولة (المناطقي)، والتركيز بشكل كامل على قتال إيران وحزب الله والأسد وروسيا، فبعد هذا كله فإنهم الذين توسعوا فوق طاقتهم في سوريا ولسنا نحن، وبهذه الطريقة ستجبر الولايات المتحدة هذه الأطراف للقتال على جبهتين، ضد المعارضة المعتدلة من جهة، وضد تنظيم الدولة من جهة أخرى".
ويقول فريدمان: "لو هزمنا تنظيم الدولة المناطقي الآن، فإننا سنخفف الضغط عن الأسد وروسيا وإيران وحزب الله، وسنسمح لهم بتخصيص كل ما لديهم من طاقات لسحق آخر معقل للمعارضة في إدلب، لا التشارك معهم في السلطة".
ويضيف الكاتب: "لا أفهم الأمر، يعرض الرئيس ترامب هزيمة تنظيم الدولة في سوريا (مجانا)، وبعد ذلك سيتجه نحو تقوية الجماعات المعتدلة المعارضة للأسد، لماذا؟".
ويتساءل فريدمان ساخرا: "متى كانت آخر مرة قدم فيها ترامب شيئا بالمجان؟ ومتى كانت آخر مرة عرض فيها رجل العقارات أن ينظف مكب نفايات سامة مجانا، قبل أن يتفاوض مع صاحبه على ثمن ملعب الغولف بجانبه؟".
ويقول الكاتب: "يجب أن يكون ترامب هذه المرة هو ترامب الساخر، الذي لا يمكن التكهن بأفعاله، فتنظيم الدولة يعد الآن التهديد الأكبر لإيران وحزب الله وروسيا والمليشيات الشيعية؛ لأن تنظيم الدولة هو مجموعة إرهابية سنية تلعب بدرجة القذارة ذاتها التي تلعب فيها كل من
روسيا وإيران".
ويلفت فريدمان إلى أنه "في الوقت الذي يرغب فيه ترامب بهزيمة تنظيم الدولة في العراق، إلا أنه يجب ألا يفعل هذا مجانا في سوريا وليس الآن، ففي سوريا عليه أن يترك تنظيم الدولة صداعا للأسد وإيران وحزب الله وروسيا، بالطريقة ذاتها التي شجعنا فيها المجاهدين على إنهاك الروس في أفغانستان".
ويعلق الكاتب قائلا: "نعم، على المدى البعيد نريد سحق تنظيم الدولة في كل مكان، لكن الطريقة لسحقه ومواصلة هزيمته هو أن يكون المعتدلون السنة إلى جانبنا في سوريا والعراق، بحيث يكونون قادرين ومستعدين على استبداله، ولن يظهر هؤلاء إلا إذا كانت هناك عملية مشاركة حقيقية للسلطة، ولن يحدث هذا إلا في حالة شعر الروس وحزب الله وإيران بالضغط ليشاركوا في السلطة".
ويتساءل فريدمان عن نشاط ترامب على "تويتر"، حيث تختفي تغريداته عندما نحتاجها، ويقول: "يجب أن يريسل تغريداته كل يوم بهذه الرسالة: أصبحت روسيا وإيران وحزب الله حماة للنظام السوري الذي يستخدم الغاز السام ضد الأطفال، الأطفال! روسيا وإيران وحزب الله، المساعدون على استخدام السام، إنه أمر محزن".
ويقول الكاتب: "علينا ألا نتركهم بعيدا عن المشكلات، ونحن بحاجة إلى جعلهم يتحملون ما قرروا عمله، وهو مساعدة النظام السوري على استخدام الغاز السام، صدق أو لا تصدق فهم لا يحبون أن نصفهم بهذه الطريقة، ويجب على ترامب استخدام تغريداته العالمية بطريقة استراتيجية، ولم يلعب باراك أوباما هذه الورقة، ويجب على ترامب أن يطرق هذا الباب كل يوم ويبني نفوذا له".
ويخلص فريدمان إلى القول: "سوريا ليست دائرة حياكة، فكل واحد هناك يلعب بقذارة وبخداع وبلا رحمة، أين ترامب عندما نحتاجه؟".