نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتب جيفري ستيسي، قال فيه إن قليلا من الناس توقعوا أن تقوم أمريكا بالرد على الهجوم الكيماوي الذي قام به رئيس النظام السوري بشار
الأسد في خان شيخون، بضربة عسكرية مباشرة، لكن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب قام بذلك.
ويقول ستيسي: "من الواضح أن ذلك الرد كان دون تخطيط استراتيجي أو نتيجة مرغوبة للحرب التي تستعر الآن منذ سبع سنوات في
سوريا، وليس واضحا الآن ما إذا كان سيتبع تلك الضربة فعل آخر، أم إن أمريكا سترد بالأسلوب ذاته على هجوم كيماوي مستقبلي. ونتيجة عدم اليقين هذا فإن نهاية الحرب لن تكون قريبة".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "ضرب مطار الشعيرات، الذي تضمن إطلاق 59 صاروخ (توماهوك)، جاء بعد أن تتبع الجيش الأمريكي الطائرات السورية التي نفذت الهجوم على البلدة التي يسيطر عليها الثوار في محافظة إدلب الشمالية، وعادت إلى تلك القاعدة، وكان رد الفعل السوري والروسي، وهو الداعم الرئيسي لنظام الأسد، منتقدا للغاية".
ويعلق سيتسي قائلا إنه "في الوقت ذاته فإن ميزان القوى على الأرض في سوريا لم يتغير، عدا عن كون الأسد حصل على محفز جديد ليثبت أنه قادر تماما على ضرب معارضيه، ومع أنه أصبح هناك ما يردعه عن القيام بهجوم كيماوي جديد، إلا أن النظام يحتاج ليثبت أنه لا يزال مسيطرا، وغالبا فإن النظام يعتقد بأن الهجمات بالأسلحة التقليدية لن تؤدي إلى رد فعل قوي من إدارة ترامب، ولذلك يتوقع سقوط المزيد من البراميل المتفجرة على رؤوس الشعب السوري، ما دام من غير الواضح إن كانت أمريكا ستضرب القوات السورية، أو تعود إلى الدبلوماسية، أو تعود إلى ما كان الحال عليه سابقا".
ويعتقد الكاتب أنه "حتى إذا كانت الضربة العسكرية رادعا أكبر، فإنه تم إلغاء أثرها مباشرة بفشل إدارة ترامب في توضيح استراتيجية معينة بنت عليها تلك الضربة، فمثلا لو حددت إدارة ترامب معيارا لتوجيه ضربات لاحقة، وأوحت باستعدادها لجهود دبلوماسية لإعادة الهدنة على مستوى سوريا، وضغطت على
روسيا لإخضاع الأسد، فإن الأثر الردعي للضربة سيكون مضاعفا، وفي غياب الخطط الاستراتيجية الواضحة، وكون المسؤولين الروس اعتبروا الهجوم مجرد ردة فعل عابرة، فإنه يتوقع أن يكون قد تم ردع نظام الأسد نوعا ما، لكن ليس لفترة طويلة، والأهم من ذلك هو أن روسيا لم يتم ردعها تماما عن استخدام الأسلحة التقليدية ضد قوات المعارضة والمدنيين على حد سواء".
ويرى سيتسي أن "المقامرة الأمريكية في ضوء عدم إحداث تغيير حقيقي على الأرض لنظام الأسد ستؤثر سلبا على الحملة ضد تنظيم الدولة، بدءا بروسيا، وربما تنتقل إلى تركيا، فروسيا، التي تدعم الأسد، انتقدت الضربة بشدة، ونقل متحدث باسم الكرملين عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلانه بأن الضربة كانت (صفعة كبيرة) للعلاقات الروسية الأمريكية، وجاءت الضربة بعد انتقادات لاذعة لروسيا من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، وبعد أن تسببت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بأزمة كبيرة في العلاقة مع روسيا، ولهذا توقف التعاون بين البلدين تجنبا للصدام، حيث ألغت روسيا تعاونها في تنسيق الطيران فوق سوريا، بالإضافة إلى أنها ألغت التعاون الدبلوماسي فيما يتعلق بسوريا، ولا يوجد هناك ما يشير إلى أن تيلرسون سيستغل زيارته لموسكو للضغط على روسيا في الشأن السوري".
ويبين الكاتب أن "تركيا، التي كانت دائما تؤيد تحركا أمريكيا ضد الأسد، وطالبت كثيرا بالتحرك، إلا أن حليف الناتو هذا تحالف مع روسيا، وقام بإجراء مناورات مع الجانب الروسي، وخفف من معارضته للأسد مقابل السماح له باستهداف الأكراد داخل سوريا، بالإضافة إلى أن تركيا غاضبة من أمريكا لدعمها للأكراد داخل سوريا، ورفضها تسليم الزعيم السياسي والديني التركي فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة الصيف الماضي، وهددت تركيا حديثا بمنع أمريكا من استخدام قاعدة إنجرليك الجوية، وهي القاعدة الأهم في توجيه الضربات لتنظيم الدولة".
ويلفت سيتسي إلى أنه "في الوقت ذاته سينتهي التعاون بين قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها أمريكا، والنظام السوري في الحرب ضد تنظيم الدولة، حيث قام الطرفان في الشهرين الأخيرين بالتنسيق ضد تنظيم الدولة في شمال سوريا في هذا الصراع المعقد، وإنهاء هذا التعاون هو إحدى الوسائل الملموسة لنظام الأسد لمعاقبة أمريكا على هجومها ضد القاعدة الجوية".
ويفيد الكاتب بأنه "بالنسبة للاعبين الآخرين في المنطقة، فإن قطر والسعودية رحبتا بالضربة، وكانت الحكومة السعودية من أوائل الحكومات التي أيدت التحرك، ولطالما طالبت السعودية أمريكا بتفاعل أكبر في سوريا، وقد تشجع الضربة فكرة إنشاء (ناتو الخليج)، وهي مبادرة يقودها السنة تقوم على بناء تحالف عسكري بين دول الخليج، الأمر الذي انتقده المعارضون للفكرة؛ بكون هذا الناتو سيكون عبارة عن نمر ورقي، وكان يتوقع من دول الخليج تعويض ما تسحبه أمريكا من الدعم من قوات المعارضة السورية".
ويقول سيتسي: "أما إيران، فإنها شجبت الهجوم، وحذرت من أنه سيقوي الإرهاب، ويزيد من تعقيد الوضع في سوريا والمنطقة، وليس هناك طريقة ناجعة لردع إيران عن الاستمرار، وربما زيادة دعمها لنظام الأسد وقواته".
ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من إشكالية الهجوم، إلا أنه من الصعب الإنكار بأن عملا ما ضد الأسد هو مبرر، فنظامه مسؤول عن حرب وحشية ضد مقاتلي المعارضة السورية، وعن سقوط مئات آلاف المدنيين، بالإضافة إلى أنه تآمر مع روسيا لاستخدام اللاجئين سلاحا ضد أوروبا لتفقد استقرارها، ولو قام ترامب بالضغط على روسيا بعد الهجوم لإعادة الأسد إلى طاولة المفاوضات لربما كان تحركه مثمرا، وعلى أمريكا، مثلا أن تهدد روسيا بضربات إضافية إن قاوم النظام الضغط، لكن مثل هذا الالتزام لا يبدوا مرجحا؛ لأن إدارة ترامب قالت قبل أقل من أسبوع بأنها لا تسعى إلى الإطاحة بنظام الأسد".
ويؤكد سيتسي أن "هذا الهجوم كان يهدف منه صرف أنظار الإعلام والعامة عن الجدل الدائر بخصوص علاقة ترامب المحتملة بروسيا، حيث قام النظام السوري بهجمات كيماوية أخرى وخلال رئاسة ترامب ولم تحرك أي منها ترامب للقيام بعمل ضد الأسد، وتم تخطيط الهجوم الصاروخي ليجعل إدارة ترامب تبدو ضعيفة، فلو تحركت أمريكا وحلفاؤها ضد الأسد عام 2013 لكنا ربما تجنبنا استقواء تنظيم الدولة، والفوائد التي جنتها روسيا، وزعزعة الاستقرار في أوروبا، والثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري، وكان بإمكان الرئيس السابق باراك أوباما ونظيريه البريطاني والفرنسي مساعدة الجيش السوري الحر لإسقاط الأسد دون صعوبة في وقتها".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "إلى الآن تقول الإدارة بأنه لا تغير في سياستها تجاه سوريا، لكن إن لم تقم الولايات المتحدة باتباع الضربة بإجراءات أخرى فلن تتغير استراتيجيات روسيا ولا سوريا ولا استراتيجية أي عدو أو صديق في المنطقة، وأثبت استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية بأنه اختبار كبير لسياسة ترامب الخارجية، وواضح أنه لم ينجح فيه، وتبدو الضربة لسوريا سياسية أكثر منها استراتيجية، ولهذا السبب ليس من المتوقع أن تتحقق مصالح الولايات المتحدة في سوريا، أو أن توصل الحرب إلى نهاية أقرب".