قضايا وآراء

هل تشهد قمة عمان مبادرة عربية جديدة لصالح فلسطين؟

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
في الأسبوع الأخير من آذار/ مارس، يجتمع القادة العرب في عمان في القمة السنوية. ويزداد قلقنا مع كل قمة، وتمنينا في كل مرة أن تكون الأخيرة، بعد أن بلغ الحال بالعالم العربي إلى هذا المستوى.

أما قمة هذا العام، فالقلق عليها ومنها أكبر، في ضوء ثلاثة تطورات: التطور الأول هو ما كشفت عنه إسرائيل من لقاءات سرية مع قيادات مصر والأردن، والثاني هو الحديث المتواتر حول تشكيل ناتو عربي لمحاربة إيران، من مصر والأردن وإسرائيل، تنضم إليها فيما بعد السعودية والإمارات، والثالث هو الحديث المتواتر من إسرائيل منذ أيلول/ سبتمبر 2014 حول البديل السيناوي لدولة فلسطينية، ثم شدد ترامب ونتانياهو على حل الدولة الواحدة، ما يعزز الاعتقاد بصحة الرواية الإسرائيلية.

ومع كل احترامي للدول العربية جميعا شعوبا وحكاما، فإن السؤال الملح: هل القمة سوف تتصدى لهذا المخطط أم سوف تبحث في واجباتها لتحقيق السلام الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية، خاصة أن الأمين العام للجامعة العربية السابق متعاطف مع الحل الإسرائيلي، والأمين العام الجديد موقفه معروف من إسرائيل والثورات العربية التي قامت بها الشعوب، فهل هذه القمة سوف تتخذ مسارات لدعم الحقوق الفلسطينية أم المخطط الإسرائيلي الأمريكي؟

عندما قامت الجامعة العربية في 22 آذار/ مارس 1945 كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت في الخمود، وكانت الآمال معلقة على عالم جديد تتصدره الأمم المتحدة بكل القيم التي عصفت بها ألسنة اللهب وأطماع الساسة في حربين عالميتين لا يفصل بينهما سوى عقدين من الزمان بالكاد، فكان العالم قد صمم على أن تتقدم الشعوب لإنشاء عالم خال من الحروب والويلات، وتستقل فيه الأمم عن الاستعمار والعبودية والعنصرية، وتزينه منظومة حقوق الإنسان التي تأخرت ثلاثة أعوام منذ إبرام ميثاق الأمم المتحدة.

في هذه الظروف نشأت الجامعة العربية، وكانت نذر استعمار فلسطين تلوح في الأفق؛ لأن مقومات إسرائيل كانت قد اكتملت منذ مؤتمر السلام في فرساي عام 1919، وتشكيل الوكالة اليهودية التي وضعت نظام الانتداب على فلسطين بناء على اتفاق شهير بين الأمير فيصل بن الحسين الذي فر مع والده وأخوته من الحجاز، والذي كان لا يزال يجتر أوهام الدولة العربية الواحدة، وعلى رأسها والده الذي أعدت بريطانيا عدتها مع ابن سعود لضم الحجاز إلى إمارته المتمددة.

كان الاتفاق كاملا مع حاييم وايزمان، رئيس الوكالة اليهودية، يقضي بالتعاون بين العرب واليهود على الاستقرار في فلسطين، وتشجيع الهجرة اليهودية إليها، وتنفيذ وعد بلفور.

هكذا بدأت القضية الفلسطينية باتفاق شهير، وهكذا بدأت الجامعة العربية بمبادرة بريطانية لكي تتحدث بريطانيا العظمى مع كيان واحد تسيطر هي على كل أعضائه وتحتل أراضيها، وفي عام 1948 كان المخطط قد اكتمل لإعلان قيام دولة إسرائيل على أكثر من نصف أراضي فلسطين.

وعندما انعقدت قمة نواكشوط العربية في تموز/ يوليو 2016 كانت مناسبة للتأمل في مسيرة العرب، وفي مسيرة إسرائيل وطريق الأشواك الذي سار فيه الفلسطينيون، وألحت علينا أسئلة تدعو إلى الألم ولا تحتاج إلى إجابات، ولكننا نكتب في الواقع للأجيال التي ستقرأ تاريخ الأسئلة بأقلام كتاب السلطة في العالم العربي الذين ينتمون إلى أمة عربية خالدة، ولكن بعض حكامها تآمروا عليها تحت أستار مختلفة.

فنقارن بين قمة أنشاص الأولى في مصر عام 1946 برئاسة الملك فاروق التي رصدت تقدم العصابات الصهيونية في فلسطين وبين قمة نواكشوط، حيث صار العرب أعرابا ممزقة لا يجمعها رابط، ومن ثم لم تعد جامعتهم تصلح غطاء لسترهم، بل أصبحت وكرا لمؤامراتهم، ولم نسمع حتى الآن حاكما شجاعا يكشف سترهم، ويؤكد لهم أنهم يختانون أنفسهم.

خلال العقود من الرابع في القرن الماضي إلى العقد الثاني من الألفية الجديدة، كانت إسرائيل نبتا شيطانيا زرع في أرض طاهرة، وكان الجسد العربي حينذاك يدرك أن هذا النبت هو سرطان، وأن الحياة لا تتسع إلا للجسد العربي بالنظر إلى منطقة ممتدة وشعوب قديمة وإرادة صلبة لقهر هذا الكائن الذي انقض على جزء من الجسد، فإذا الجسد اليوم يستسلم للسرطان وتتصور بعض أعضائه أن التحالف مع السرطان وقاية لها من شروره، بعد أن اخترق الغرب طبقته الحاكمة، وتمكن من أن يسقط الصخرة التي كادت أن تقضي على السرطان في مهده، وهي مصر، فسقطت بعدها كل القلاع العربية بدرس مرير تجاهله الحكام العرب، وهو أن تعايش السرطان مع الجسد يكون مؤقتا، وينتهي الأمر إما بأن تفقد المناعات العربية مقاومتها ويقضي السرطان عليها، وهذا ما حدث على مستوى القيادات العربية، وإما أن تفتك هذه المناعات بالسرطان في معركة ضارية تخرجه إلى الأبد من دائرة المناعة العربية، وهي بلا شك الشعوب العربية التي صارت ترى بوضوح بعد أن تعرضت لعقود من التشويش. 

فماذا تنتظر هذه الشعوب من حكام أصبحوا صرعى السرطان الصهيوني، وتخلوا بالضرورة عن الشق الفلسطيني في المعادلة، رغم أنهم لا زالوا يكررون بشكل ممل ساذج نفس المقولة، وهي أن فلسطين قضية العرب الأولى، كانت في الماضي لالتماس الشرعية لوجودها فأصبح التفريط في فلسطين قربى هذه النظم لواشنطن وإسرائيل بعد أن أخمدوا الموجة الأولى من ثورات الشعوب التي أوشكت أن تطوي تاريخهم؟

فكيف تحولت إسرائيل عن كونها كائنا مزروعا في غير تربته، ضمن مؤامرة دولية واضحة أسست في البداية لشرعيتين في إسرائيل، الأولى هي شرعية القوة والإرهاب والإبادة، والثانية هي شرعية قرار التقسيم المناقض تماما لميثاق المنظمة الدولية؟! وكيف تجاوز قطار الزمن هذا القرار؟ وكيف تحول العرب إلى التسابق على احتضان إسرائيل وتدليلها بعد أن سحقتهم وقضت على آدميتهم تحت ستار المبادرة العربية التي ولدت ميتة؟ وكيف دبت الروح في هذه المبادرة فجأة، لكي تكون قميص عثمان للقضاء تماما على عروبة العرب، وإعلان الانضواء وراء إسرائيل بحجة أنها تحمي الأمن القومي العربي الذي تهدده إيران، وهي التي تساند المقاومة العربية بعد أن تخلى العرب عنها، بل وطلب وزير خارجية السعودية تجريد هذه المقاومة من السلاح، كما أعلنت مجلس التعاون والجامعة أن حزب الله، وهو الوحيد الذي تخشاه إسرائيل، في المنطقة منظمة إرهابية يتم إعداد المؤامرات ضده بالتعاون مع إسرائيل؟! وكيف جرأت النظم العربية، بعد الهزة الشعبية الأولى السلمية عام 2011، على التقارب مع السرطان بحجة حماية الأمن القومي العربي، وهي تعلم أن هناك رابطة آثمة بينها وبين السرطان لتدمير الأوطان العربية والتنكيل بالشعوب العربية؟! ومن الذي يدافع عن الأقصى الجريح، العرب أم إيران؟ وكيف تحول العرب صاغرين إلى رعايا لإسرائيل ويرتكبون الفاحشة وهم يشهدون؟! وكيف استكانت الجيوش العربية ويشعر جنرالاتها بالفخر وهم المهزومون في جميع المواجهات مع إسرائيل، وصاروا يكدسون السلاح ويسعون إلى إنشاء قوة عربية موحدة، وكأنها ستحرر الأقصى المبارك، بينما صارت النظم لينة هينة مع إسرائيل ومتوحشة على شعوبها؟ وكيف أخرج هذا الكيان العرب بإرادتهم إلى خارج التاريخ وصارت إسرائيل هي الوكيل الحصري لواشنطن في المنطقة، منذ أن قالت كونداليزا رايس صراحة أن من رضي عنه "شارون" رضي عنه البيت الأبيض، وهي القاعدة الذهبية لبقاء الحكام العرب في السلطة حتى الآن كما تقول إسرائيل؟!

لهذا السبب تمنيت ألا يجتمع هؤلاء القوم بأي وقت وفي أي مكان؛ لأن في اجتماعهم المزيد من القلق على ما تبقى من مصالح عربية. فماذا ينتظر من اجتماع أصحاب السمو والفخامة والسيادة مع أمين عام الجامعة العربية الذي يجاهر بكراهيته لثورات الشعوب العربية، وكان طرفا في المؤامرة على غزة عام 2008 ويجاهر بذلك؟ هل تأمل الشعوب العربية خيرا من هؤلاء بعد أن أصبح موعد القمة ومكانها سببا للاضطراب في كل العواصم العربية؟

التحدي أمامهم وأرجو مخلصا أن يخيبوا توقعاتي، وأن تدب فيهم النخوة العربية. أخشى أن يشبه هذا المؤتمر مؤتمر فيينا عام 1815 الذي تضافرت فيه العروش الأوروبية على الثورة الفرنسية.

على كل حال، الخيار أمامكم، إما التمسك بالوجود العربي والفلسطيني وتشجيع الإصلاح السياسي في النظم العربية، أو مساندة المشروع الصهيوني وإحباط الشعوب العربية، ما يزيد أسباب الغليان والانفجار الحتمي، ودعك من داعش الصهيونية والغطاء للقهر العربي والتمدد الصهيوني.

ستظل الأمة العربية خالدة، وسوف تقرر الشعوب مصيرها، وتأتي بمن هو يليق بشرف هذه الأمة الذي مرغوه في التراب.
التعليقات (1)
اضرب كف على كف
الثلاثاء، 07-03-2017 03:04 م
الله ىرحم فلسطىن فى عصر البجاحه وابراز النواىا