نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب ديكلان وولش، يتحدث فيه عن الفكرة التي تتداولها الإدارة الأمريكية، بشأن منع تنظيم الإخوان المسلمين، وتصنيف جماعة عمرها 86 عاما إرهابية، مشيرا إلى أن تداعيات هذا القرار، لو تم اتخاذه، ستكون كبيرة على الدول الشريكة والحليفة للولايات المتحدة في المنطقة.
ويقول الكاتب: "في المغرب ستكون الموازنة السياسية حساسة، وفي الأردن لن يتمكن الدبلوماسيون الأمريكيون من مقابلة المعارضة، أما في تونس فسيتم تجريم حزب سياسي ينظر إليه على أنه نموذج للديمقراطية في مرحلة ما بعد الربيع العربي".
ويضيف وولش أن "من بين المبادرات التي أثارت قلق العالم العربي، لا يوجد واحدة لديها احتمال زعزعة الاستقرار الداخلي للدول الحليفة في المنطقة مثل تلك المقترحة لتجريم حركة لها ملايين الأتباع".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن الباحث في مجموعة الأزمات الدولية والمقيم في المغرب، الذي فاز فيه حزب إسلامي في الحكم، إيساندر العمراني، قوله: "سيكون تأثير القرار عظيما"، مضيفا أنه "قد يزعزع الاستقرار في الدول التي يمكن فيها أن تتشجع القوى المعادية للإسلاميين، وسيزيد من الاستقطاب".
وتشير الصحيفة إلى أن فكرة تصنيف الجماعة تم طرحها من مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، الذين لم يقدموا تفاصيل حولها، مستدركة بأن القرار سيترك أثره على جماعة أنشئت قبل عقود، وانتشرت على شكل شبكة في عدد من الدول، ونبذت العنف منذ عقود.
ويبين الكاتب أنه بالنسبة لترامب، فإن الحديث عن التصنيف هو جزء من وعوده الانتخابية لمواجهة التطرف أمام جمهوره الذي لا يفرق بين الإسلاميين، بل يعد المسلمين كلهم إرهابيين، لافتا إلى أن أثر القرارات التي اتخذها ترامب في منطقة الشرق الأوسط على سكان المنطقة تجعل الكثيرين يرون في النقاش حول الإخوان المسلمين نذير شيء في المستقبل.
ويورد التقرير نقلا عن الأكاديمي
المصري في جامعة جورج تاون عماد شاهين، قوله إن "إدارة أوباما أبعدتنا عن صدام الحضارات، وها هو ترامب يجرنا بشكل أعمق إليه".
وتقول الصحيفة: "ليس الجميع غاضبين حول الفكرة، فهناك شخص واحد سيعبر عن سعادته بأي قرار من ترامب، اسمه عبد الفتاح
السيسي، الجنرال السابق، الذي يقوم منذ الإطاحة بمحمد مرسي في عام 2013، بحملة قمع ضد الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن السعودية والإمارات ستدعمان القرار".
ويستدرك وولش بأن الخبراء في الدول التي تشارك فيها الأحزاب السياسية المرتبطة بالإخوان في السلطة، يخشون من أن يترك أي قرار تداعيات على السياسة المحلية، وعلى الدبلوماسية الأمريكية، والكفاح بشكل عام ضد التطرف "الإسلامي".
ويلفت التقرير إلى أنه في الأردن، الذي يعد حليفا مهما في القتال ضد تنظيم الدولة، فإن الإسلاميين يشكلون كتلة برلمانية، وإن كانت صغيرة، مشيرا إلى أنه بموجب القرار، فإنه يجب عدم التعاون مع حركة النهضة، التي خرجت منتصرة في الانتخابات التونسية بعد عام 2011، وقدمت نموذجا معتدلا في الحكم، أما رئيس الوزراء المغربي الإسلامي فإنه سيصبح مجرما، ويقول السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالدد فيرستين: "سترمي الكثير من الأطفال في مياه الحمام".
وتذكر الصحيفة أن الزخم الأولي للتصنيف تباطأت وتيرته، خاصة أن وثيقة تعود إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" سربت وحذرت من عزل الإخوان المسلمين، لأنه سيعزز من قوة الجماعات الجهادية، بالإضافة إلى أن هناك من يشكك في قدرة الإدارة الأمريكية على تصنيف الجماعة من ناحية قانونية.
ويعلق الكاتب قائلا إن اقتراح تصنيف الجماعة يؤكد تبني ترامب للسيسي، الذي تعرض لانتقادات دولية بسبب سجله الصارخ في حقوق الإنسان، إلا أن ترامب وصفه بـ"الرجل الرائع"، وأشار إلى أن هناك "كيمياء" بينهما، لافتا إلى أن الرجلين تحدثا منذ لقائهما في نيويورك خريف العام الماضي عدة مرات، وكان السيسي أول من قدم التهنئة لترامب على فوزه في الانتخابات في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بالإضافة إلى أن هناك زيارة يحضر لها السيسي إلى واشنطن، حيث تريد مصر من الولايات المتحدة استئناف دعمها العسكري لها، الذي جمده أوباما عام 2015، بحيث تستطيع شراء مقاتلات "أف-16" ودبابات "أم1 إي1 أبراهامز".
ويجد التقرير أنه "علاوة على ذلك، فإن مصافحة مع ترامب في البيت الأبيض، ستعطي السيسي علامة الشرعية، خاصة أن إدارة أوباما حاولت إبعاده قدر الإمكان، في الوقت الذي يقبع فيه عشرات الآلاف من معارضي السيسي في السجون المصرية، ويعذبون وينتهكون بشكل روتيني، كما تقول تقارير منظمات حقوق الإنسان".
وترى الصحيفة أن "استقبال ترامب للسيسي سيعطي صورة عن رئيس أمريكي لا يتسامح، ويتعامل مع الديكتاتوريين والملكيات، بل يرغب بالتعاون معهم، بشكل يذكر بالأتوقراطيين الذين تحالفت معهم الولايات المتحدة مثل شاه إيران، ويقول فريستين، الذي يعمل الآن في معهد الشرق الأوسط: (من السهل القول إنك تدعم أصدقاءك، إلا أن الأنظمة الشمولية عادة ما تكون هشة، واعتقدنا أنه بإمكاننا دعم الشاه حتى ركب الطيارة وغادر البلاد، والآن ماذا لدينا؟ فنحن منذ 40 عاما لم نقم علاقة مع إيران)".
وينوه وولش إلى أن الإخوان المسلمين يؤكدون أن إدارة ترامب لا تملك الصورة الصحيحة عنهم، حيث قال المتحدث باسم الإخوان المسلمين جهاد الحداد، في رسالة سربت من سجن عالي السرية، إن جماعته ارتكبت أخطاء في العام الذي قضته في الحكم، مشيرا إلى أنها تعلمت دروسا قاسية من الربيع العربي، واعترف بأن الإخوان فشلوا في التعرف على حجم المعارضة الشعبية لمرسي بسبب قراراته في الحكم، وأضاف: "مظاهر القصور كثيرة والعنف ليس واحدا منها"، مؤكدا أن الجماعة نبذته منذ عقود.
ويعلق الكاتب قائلا إن "جماعات مرتبطة بالإخوان ارتكبت أعمال عنف، مثل الفرع الفلسطيني للجماعة، بالإضافة إلى أن عددا من الشبان الغاضبين من قمع السيسي ارتكبوا أعمال عنف، وهذا لا يجعل الملايين الذين يدعمون الإخوان وأيديولوجيتهم السياسية إرهابيين".
وينقل التقرير عن الخبير في الجماعات الإسلامية مختار عوض، قوله إنه من الأفضل تضييق مدى التنصيف، لكنه يعتقد أن "من الأفضل المواجهة من خلال الأفكار".
وتذهب الصحيفة إلى أن "النقاش حول الإخوان قد يكون أحد الدروس المبكرة للإدارة وكيفية التعامل مع الشرق الأوسط، فالإخوان، وإن لم يكونوا مقبولين للإدارة ولا أفكارهم، ربما كانوا أحد العوامل التي ستجبر الإدارة على القبول بها".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول مايكل وحيد حنا، من مؤسسة القرن الأمريكي: "نتعامل مع الإخوان ونحن نعرف أنهم لاعبون إشكاليون لكنهم واقع"، ويضيف حنا: "الخيار- تجاهلهم أو قمعهم- سيؤدي إلى مكان سيئ".