أكد رئيس حزب
البناء والتنمية،
طارق الزمر، أن "الدعوة للمصالحة من قبل النظام
المصري الحالي وأبواقه ليست بريئة، بما في ذلك ما تم النص عليه في خارطة طريقه، فهذا النظام جاء للحكم وفق أجندة فاسدة ومخطط تخريبي وعمليات خداع كبرى لكل الأطراف الداخلية والخارجية".
وقال في مقابلة مع "
عربي 21": "تأتي الدعوة للمصالحة عن طريق عرابيه في إطار استراتيجية تفكيك جبهة الخصوم، وخاصة قبل المناسبات الكبرى مثل 25 يناير وإعطاء إشارات خارجية بأنه حريص على لم الشمل وتحقيق الاستقرار، بينما خصومه هم من يرفضون، خاصة أنه بصدد اتفاق واسع النطاق مع صندوق النقد الدولي".
وأضاف "الزمر": "بينما يحرص النظام في الحقيقة -بالأساس- على قلوب وجيوب داعمي تخريبه للمجتمع المصري وتفكيكه لأوصال الدولة المصرية، وهو ما يستلزم استمرار البلاد في أتون صراع لا يبقى ولا يذر، فإن هؤلاء الداعمين هم الأعداء الأصليون لمصر، والذين يرون ضرورة تقزيم دورها عن طريق استمرار إغراقها في الأزمات والمشكلات".
واستدرك بقوله إنه "من باب الأمانة الوطنية والوعي الشامل بمقتضيات التحديات التي فرضها هذا النظام على مصر والمنطقة، فيجب أن نلاحظ أن الأزمة التي أسسها ويحرص على توسيعها يوميا أصبحت أزمة عميقة وضاربة في عمق التكوينات المصرية السياسية والاجتماعية، كما أنها تلقي بظلالها على مستقبل بلادنا بشكل خطير، واستطاعت أن تقتحم بيوتنا بشكل تدميري وغير مسبوق، ولهذا فإنها تستدعي رؤية متكاملة تتعامل مع كل أبعادها تعاملا رشيدا وعلى كافة المستويات".
وأوضح أن رؤية حزب "البناء والتنمية" التي وصفها بـ"الداعية بشكل مستمر لحل الأزمة المصرية" تستند لأسس وقواعد الحوار السياسي الشامل والعادل وعلى أرضية أهداف يناير.
وفي 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، طرح "البناء والتنمية" رؤيته لمعالجة جذور الأزمة المصرية، لافتا إلى أنها تعتمد على حزمة من الإجراءات، من أھمھا إطلاق الحريات باتخاذ العديد من الإجراءات على رأسها إلغاء قانون التظاهر وكافة القوانين المقيدة للحريات، والإفراج عن كافة سجناء الرأي.
واقترح الحزب الدعوة إلى "مؤتمر وطني جامع يشمل كل مكونات الوطن ولا يقصي أحدا ويھدف إلى تحقيق
المصالحة الوطنية وتطبيق العدالة الانتقالية والانتصاف لذوي الحقوق منذ ثورة يناير وحتى الآن"، داعيا لوضع أسس واضحة لرؤية اقتصادية تحقق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية في آن واحد، مع تعزيز آليات مكافحة الفساد.
وأضاف "الزمر" أنه "إن بدا هذا الطرح لدى البعض أنه يختزل الصراع في بعض أبعاده، وذلك بالمقارنة بإجراءات النظام الدموية والتخريبية الشاملة، إلا أنه في نظرنا ضروري ومكون أساسي من الخطاب السياسي الرشيد، فهو غير موجه لعناصر الإقصاء والفساد في بلادنا، بل موجه للنبلاء والشرفاء وأصحاب الضمير الحي والغيرة الوطنية في كل بقعة من بقاع الوطن".
وتابع بأنه "في ذات الوقت يحاصر النظام غير المؤهل للتعاطي الرشيد مع مشكلات البلاد والذى لا يمتلك أي رؤية سياسية ولا يرغب في تخفيض التوترات داخل مجتمعنا، ولهذا حرصنا على هذا الخطاب والتأكيد عليه مرارا باسم الحزب ومنذ الأيام الأولى للانقلاب، كما أننا حرصنا على تضمينه للوثائق الـتأسيسية للكيانات التي نعمل من خلالها وخاصة التحالف الوطني لدعم الشرعية".
واستطرد قائلا إن "الأزمة المصرية، كما أنها تستلزم الحراك الجماهيري الذي يسعى لتحقيق أو استكمال أهداف يناير، فإنها تستدعي فتح آفاق الحلول السياسية والتأكيد على المصالحة المجتمعية والحفاظ على الدولة المصرية التي لا يحرص عليها النظام الحالي بأي شكل من الأشكال".
وذكّر بأن "الدعوة للمخرج السياسي للأزمة لا تعني -كما يتصور البعض- الإقرار أو الموافقة على مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي التي يسعى النظام لتكريسها، بل هي إحدى السبل اللازمة لمحاصرتها وتعويق عمليات تنميتها وتعميمها".
ونوه رئيس حزب "البناء والتنمية" إلى أن
الجمعية الوطنية للشعب المصري، التي يعتزم معارضون مصريون تأسيسها خلال الفترة المقبلة، في طور التحضير، "ما يعني أنها لم تتأسس بعد، بل إننا يجب أن نسعى لتأسيسها معا، وهذا في نظري شرط أساسي لتوقع نجاحها".
وأكد أن "الكيانات الجامعة التي تتعامل مع أزمة بعمق أزمتنا وتستهدف اصطفافا واسعا يشمل كل الأطياف السياسية والمجتمعية المصرية، كالذي نستهدفه، يجب ألا تهبط بالباراشوت أو أن تسكن الأبراج العاجية، بل إنه يلزم لنجاحها أن يقوم على تأسيسها المختلفون أيديولوجيا وسياسيا طالما أن هدفهم واحد، وهو تفكيك منظومة الاستبداد وهزيمة كل أشكال القمع والقهر في بلادنا وتحرير الإنسان وتحقيق رفاهيته، وهو ما أسميه في جملة واحدة (تحقيق أهداف يناير)".
وقال: "لهذا، فالهيئة التحضيرية للجمعية الوطنية المصرية هي في الحقيقة مجرد خطوة تحضيرية دعا إليها عدد هام من رموز ثورة يناير وعلى أرضيتها ونحو تحقيق أهدافها، ويبقى أن يتفاعل معها كافة الأطراف المعنيين بثورة يناير وأن يشاركوا في تأسيس الجمعية الوطنية التي تسعى لإيجاد أكبر مساحة توافق يمكنها أن تزحزح الأوضاع الكارثية الحالية التي تمر بها بلادنا".
وذكر أن "المجموعة التحضيرية تمثل أيديولوجيات ومناهج فكرية مختلفة وغير متطابقة في مواقفها السياسية، وهو مؤشر إيجابي هام للإمكانيات الهائلة للتوافق المتوافرة في تربتنا، وهو ما يؤهل لاستيعاب كل الخلافات والتناقضات في ساحتنا السياسية لصالح أجندة الوطن وأهداف ثورة يناير".
وفي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تم الإعلان عن تدشين الهيئة التحضيرية للجمعية الوطنية المصرية، بتوقيع ممثلين عنها، من بينهم: أيمن نور، وإيهاب شيحة، وثروت نافع، وحاتم عزام، وسيف عبد الفتاح، وطارق الزمر، ومحمد كمال، ومحمد محسوب.
وشدّد "الزمر" على أن الجمعية المزمعة ليست كيانا بديلا لأي كيان قائم ولا تسعى لمنافسته، بل لإيجاد حالة جديدة تضخ دماء جديدة في عروق الكيانات القائمة، وتوفق بين كل فرقاء يناير، وتستفيد من تنوعهم ومن مواقفهم المختلفة لصالح مشروع رئيس هو مشروع استكمال أهداف يناير وإعادة ترميم الوطن وإنهاء الاستبداد في مصر إلى غير رجعة.
واستطرد "الزمر" قائلا إن "الجمعية مفتوحة أمام الجميع وتعتبر كل رفقاء يناير رفقاءها على الدرب، وتسعى لأن تكون البيت الكبير الذي يستوعب كل الأطراف وكل الخلافات التي يمكن حسمها على أرضية يناير ووفق مبادئها وتقاليدها".
وأردف بأنه "يجب أن يكون معلوما أن مفتاح نجاح هذا المشروع مرتبط بقدرته على التعامل مع كل الأطراف التي يعنيها إخراج البلاد من أزمتها وفتح كل الأبواب أمام الجميع لبناء المظلة الوطنية الجامعة القادرة على تجاوز التعقيدات والانقسامات التي يشهدها الواقع الحالي، والتي لا يمكن بدونها تصور مستقبل آمن لمجتمعنا أو بناء دولة تعبر عنا جميعا وتستوعب كل تنوعاتنا دون إقصاء لأحد أو تهميش لتيار، فكل ذلك قد أصبح شرطا رئيسا لنهضة لبلادنا وتوقع مستقبل أفضل لأبنائنا".
وبسؤاله عما إذا كان يمارس دوره في قيادة الحزب من الخارج بشكل طبيعي، أجاب: "بالطبع لا يمكن لأي رئيس لأي حزب سياسي أن يقوم بالواجبات الملقاة على كاهله وهو بعيد عن الحياة الكاملة واللصيقة بكل مؤسسات الحزب وكل هياكله، فضلا عن معايشة مشكلاته والظروف المحيطة التي يتعرض لها".
وأشار إلى أن الحزب السياسي بمثابة كائن حي يتعامل مع المستجدات، ويتفاعل مع الظروف والأحوال اليومية لقادته ومرؤوسيه، ويتعامل مع طموحات المجتمع ومشكلات الجماهير، وهو ما لا يمكن أن تلبيه أي قيادة لأي حزب عبر الحدود.
وقال: "لهذا عرضت استقالتي على زملائي بالحزب بعد اضطراري للسفر خارج مصر بسبب الملاحقات الأمنية التي طالتني منذ اليوم الثاني للانقلاب مع أول قائمة استهدفها، ولما لم يتم قبولها، فقد تم التوصل إلى صيغة تمكن قادة الحزب من القيام بواجباتهم عبر استحداث منصب القائم بأعمال رئيس الحزب".
وأضاف: "لقد وضعت أمر استقالتي بيد إخواني بالحزب يفعّلونها متى يشاؤون، وذلك حتى لا أكون سببا في تعطيل انطلاق الحزب وقيامه بمهامه بسبب العقبات التي وضعها النظام أمامي وما زال حريصا عليها، ولهذا أيضا لا أنتوي الترشح مرة أخرى في انتخابات الحزب القادمة التي لم يبق عليها سوى عدة أشهر".
وأردف قائلا إن "هناك أسبابا كثيرة توجب في نظري أن تُختصر المدد الرئاسية على كافة المستويات في الحزب أو الدولة لفترة واحدة، وذلك لتجديد الدماء والخروج من أسر التقاليد التي كرستها النُظم الفاسدة التي تحكمنا منذ أكثر من 60 عاما.. علما بأني غير آسف على اضطراري لمغادرة البلاد بعد أسابيع قليلة من الانتخابات العامة للحزب، لأن الأعداد الكبيرة من القيادات بالحزب والكفاءات المتنوعة قامت بالعبء الواجب عليها خير قيام وأثبتت وعيا متميزا بالأزمة التي تمر بها البلاد".
واختتم بقوله: "حقيقة أرى أن دوري العملي والتنظيمي قد اكتمل أو انتهى بالمشاركة في تأسيس حزب البناء والتنمية الذي أرى أنه بلور رؤيتنا السياسية التي كان جيلي يلح عليها منذ السبعينيات، وأصبح يمتلك الآن هيكلا قياديا واسعا قادرا على استكمال المسيرة ومواجهة التحديات".