أكد أحمد بن شمسي، مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن
رايتس ووتش، أن
انتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها
مصر منذ 3 تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن في تزايد بشكل واضح وخطير، وأنها تعد من أسوأ الأوضاع التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث، من حيث حجم الانتهاكات ونوعها وكمها.
ورأى، في حوار خاص مع "عربي21"، أن الاتهامات المتكررة التي يوجهها النظام المصري للمنظمات الحقوقية هي محاولة للالتفاف على الانتهاكات، ودليل على عجزه عن الرد على الانتهاكات بشكل جدي، خاصة أن "مصر لا تهتم بالرد؛ لأنه لا توجد رغبة حقيقية في وقف الانتهاكات أو كبح جماح الأجهزة الأمنية"، كما قال.
وكشف بن شمسي عن أن عدد المدنيين الذين تعرضوا لمحاكمات عسكرية في مصر تجاوز ثمانية آلاف، الأمر الذي اعتبره "انتهاكا خطيرا للغاية لحقوق الإنسان، وتقويضا آخر مستمرا لمنظومة القضاء المصري؛ فالمحاكم العسكرية ليست مستقلة، ولا يجوز لها محاكمة المدنيين".
ولفت إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجه المنظمات الحقوقية هي عدم رغبة الحكومة المصرية في التعاون معهم، خاصة بعد تقريرهم حول مذبحة رابعة.
وفيما يلي نص المقابلة:
* كيف ترون وضع حقوق الإنسان في مصر إجمالا حاليا؟
- كما ذكرنا من قبل في العديد من التقارير، هو واحد من أسوأ الأوضاع التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث من حيث حجم ونوع وكم الانتهاكات.
* كيف تقارن وضع مصر الحقوقي بالدول الأخرى؟
- نحن لا نفضل كثيرا المقارنات. احترام أو انتهاك حقوق الإنسان مسألة قانونية، والقانون لا يوجد فيه انتهاك جيد وآخر سيئ. كل الانتهاكات سيئة، لكن ربما يمكن القول إن هناك دولا استطاعت أن تحافظ بشكل أكبر على حظوظها في تعزيز عملية التحول الديموقراطي وتداول الحكم وحقوق الإنسان ومساحة العمل في المجتمع المدني، وبالتالي شهدت انتهاكات أقل كثيرا من مصر. من تلك الدول مثلا تونس، لكن برغم ذلك، هناك بالطبع دول الوضع فيها أكثر سوءا، مثل سوريا. لكن مرة أخرى، المقارنات شديدة العمومية لا نفضلها، وقد تكون مضللة أحيانا وغير صائبة قانونيا.
* هل الانتهاكات التي قمتم برصدها وتوثيقها هي أقل بكثير من الانتهاكات الفعلية والحقيقية؟
- بالتأكيد، نحن كمنظمة لدينا طاقة محددة، ولدينا أفراد معدودون يعملون على تغطية الانتهاكات في العشرات من الدول حول العالم، وبالتالي سواء تعلق الأمر بمصر أو بغيرها، ليست لدينا القدرة على تغطية كل شيء. هذا أمر مؤسف؛ لأننا نتمنى لو استطعنا مساعدة كل مظلوم والتحدث عن كل قضية وكل انتهاك، لكن في النهاية هذه هي طبيعة العمل. ونتمنى أن يكون عملنا مكملا لمشهد تعمل فيه العشرات من المنظمات المصرية والدولية الأخرى التي تفضح الانتهاكات.
* ما هي أبرز الصعوبات التي تواجه عملكم في مصر؟
- من أبرز الصعوبات التي نواجهها هي عدم رغبة الحكومة المصرية في التعاون معنا، خاصة بعد تقريرنا حول مذبحة رابعة. هذا أمر مؤسف للغاية؛ لأننا صرحاء في رغبتنا بالتعاون مع أي حكومة، كما أن سياستنا تحتم مشاركة نتائج أبحاثنا الأولية مع الحكومات المعنية قبل نشر التقرير، ونعطي فرصة كاملة وكافية لكل الجهات الحكومية للرد على نتائج البحث الأولية، ونحرص على أن نعكس وجهة النظر الرسمية. لكن للأسف نجد أن الحكومة المصرية تضيّق على عملنا وعمل المنظمات الحقوقية كلها، وترفض بشكل منهجي التعاون معها، رغم أهمية ذلك وفائدته لمصلحة المجموع والمجتمع المصري ككل.
* كيف ترون الاتهامات المتكررة التي يوجهها لكم النظام المصري؟
- تلك الاتهامات محاولة للالتفاف حول الانتهاكات التي نوثقها بدلا من الرد على تقاريرنا. لكن الحكومات الدكتاتورية مثل الحكومة المصرية لا تهتم أصلا بتفنيد الأدلة الواردة، وتكتفي بنشر بروباجندا تفيد بأن حقوق الإنسان منتج غربي، وبأنه لدينا أجندة خفية.. إلخ. قد يشير هذا إلى عجز الحكومة عن الرد على الانتهاكات بشكل جدي. وبالمناسبة، الكثير من تلك الانتهاكات تظهر كذلك في تقارير الأمم المتحددة، مثل تقرير المراجعة الدورية، وتقارير وبيانات اللجان والمقررين الخواص المعنيين بشؤون معينة، مثل التعذيب أو الاختفاء القسري. فهل أيضا كل هؤلاء يعملون ضد مصر أو بأجندة خفية؟ مصر لا تهتم بالرد؛ لأنه لا توجد رغبة حقيقية في وقف الانتهاكات أو كبح جماح الأجهزة الأمنية.
* هل هذه الانتهاكات في تزايد أم تناقص منذ 3 تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن؟
- هي في تزايد بشكل واضح وخطير. ورصدنا ذلك في تقارير عديدة.
* هل يلعب القضاء والإعلام المصري دورا في الانتهاكات التي تحدث بمصر؟
- رصدنا في مواضع عدة كيف صدرت عن بعض القضاة أحكام معيبة، وكيف تخللت محاكمة النشطاء والمعارضين عيوب خطيرة تخل بالمبادئ الدولية المستقرة لقواعد المحاكمة العادلة. وفي هذا الصدد، صدر تقرير كامل من منظمة متخصصة في الشأن القضائي وواحدة من أعرق المنظمات الحقوقية في العالم (اللجنة الدولية للحقوقيين) عن كيف تحول القضاء المصري لأداة للقمع، وكيف فقد الكثير من استقلاليته.
أما بخصوص الإعلام، فهناك تحريض على العنف في إعلام كل الأطراف في مصر، سواء حكومية أو معارضة، وهو أمر خطير للغاية، وقد حاولنا أن نبدأ مشروعا بحثيا بهذا الخصوص، لكنه لم يكتمل حتى الآن.
* هل وثقتم انتهاكات بعينها ارتكبها المعارضون السياسيون؟
- هناك تحريض على العنف قد يجرّمه القانون في إعلام المعارضة السياسية. أما بخصوص تعريف "الانتهاك" كما هو في القانون الدولي، فهو ما تقوم به الحكومات. الحكومات هي التي تقوم بانتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك المجموعات المسلحة حين يكون توصيف الوضع على الأرض قانونيا "نزاعا مسلحا"، كما هو في سوريا وليبيا مثلا، فهؤلاء قد يقومون بالانتهاكات. أما الخروقات التي تقع من الأفراد المنتمين للمعارضة فهي تسمى "جرائم" وفقا للقانون وليس انتهاكات، طالما لم يرق تصنيف الوضع على الأرض إلى "نزاع مسلح"، وبالتالي فهذه الخروقات والجرائم تقع في الغالب خارج نطاق تخصصنا كمنظمة معنية بتوثيق الانتهاكات، وليس جرائم الأفراد والمجموعات الإجرامية.
* تمت محاكمة 7400 مدني في محاكم عسكرية مصرية.. فكيف تنظرون لمثل هذه المحاكمات؟
- العدد زاد عن ذلك مؤخرا، ومنذ صدور تقريرنا بشأن المحاكمات العسكرية، نعتقد أن العدد فاق ثمانية آلاف الآن. محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية هي انتهاك خطير للغاية لحقوق الإنسان، وتقويض آخر مستمر لمنظومة القضاء في مصر. المحاكم العسكرية ليست مستقلة، ولا يجوز لها محاكمة المدنيين.
* طالبتم البرلمان المصري المؤيد لنظام السيسي بإصدار قانون للعدالة الانتقالية ينص على تحقيق جديد ومحايد في وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين.. فهل تعتقدون أن هذا البرلمان قد يصدر قانونا عادلا ومحايدا؟
- نحن نتحدث مع كل الجهات الحكومية، ونوجه خطابنا لكل المسؤولين، على أمل أن يتم إنفاذ القانون وتحقيق العدالة. دعني أرد إليك السؤال: ماذا يُفترض منا أن نفعل؟ أن نيأس ونتوقف عن مطالبة تنفيذ الحقوق؟ بالطبع لن نفعل.
* في 26 تموز/ يوليو 2013، طالب السيسي الشعب المصري بمنحه تفويضا لمواجهة ما أسماه "الإرهاب"، لكن يبدو أن الإرهاب في مصر أصبح واقعا وظاهرة خاصة في سيناء وغيرها.. فمن المسؤول عن ذلك برأيك؟
نحن كمنظمة حقوقية لا نطلق أحكام سياسية أو تحليلات عن سبب انتشار تلك الظاهرة أو غيرها، رغم، وبالتأكيد، أن سياسات حكومية معينة قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل بدلا من علاجها. نحن نقول دائما إن الالتزام بالقانون هو أكبر ضمانة للقضاء على خطر الإرهاب المسلح، والحفاظ على الحريات وحقوق المواطنين هو الضمانة الأكبر لكسب العقول والقلوب في أي معركة ضد مجموعات تعمل خارج القانون.