ما يحدث لأمتنا أمر تشيب له الولدان، وفتن تجعل الحليم حيران، كيف لا وقد اختلط الحابل بالنابل، فضاعت الحقيقة، وأُلبِسَ على الناس أمرهم، وطغى الباطل حتى ساد، فظهرت المفاسد، وقُدّمَ الطالح على الصالح. وإنه لمن المؤسف حقاً أنه وكلما ازداد تطرف وإجرام أشياع إيران، وتغولها في دماء المسلمين السنة وحرماتهم، ازداد انبطاح واستسلام بعض الفصائل المحسوبة على السنة، فنراها تنخرط في مشاريع شيطنة الآخر، والتخلص من الفصائل الواحدة تلو الآخرى، إلى أن تجد نفسها تواجه نفس المصير، فهذا هو المخطط الذي يجري تنفيذه باسم محاربة التطرف والإرهاب والغلو.
المليشيات الشيعية تحرق وتمثل بالجثث، وتشرح الأجساد، وتأكل القلوب والأكباد! لا بأس، فهذا ليس إرهاباً طالما أن الضحية مسلم سني!
بعد فك الحصار عن الشطر المحاصر من مدينة حلب، وقبل ظهور هدنة وتفاهمات كيري - لافروف، دار حديث عن إمكانية نشوء كيان سوري مسلح يضم أغلب الفصائل الكبرى العاملة في
سوريا، لكن هذا الحديث ما لبث أن اختفى مع الهدنة والتفاهمات الأمريكية - الروسية، لتبدأ بعدها انتكاسة أعادت حصار المدينة ومحاولة احتلالها، ترافق هذا مع انطلاق عملية درع الفرات، التي بدأتها تركيا بمشاركة بعض الفصائل السورية، وبدعم محدود من طيران التحالف الدولي.
في هذا الوقت تحديداً، وبمشاركة بعض الفصائل مثل "حركة أبناء الشام" و"أجناد القوقاز" و"جيش العزة"، كانت هناك معركة جديدة تنطلق في محافظة حماة، سميت غزوة "الشهيد مروان حديد" بطلها فصيل صغير بعدده وعدته، قوي بعقيدته، التي أسهمت في اكتساح وتحرير قرى الريف الحموي، وصولا إلى حاضنة النظام في المحافظة، فكانت الانتصارات مبشرة وأحيت الأمل بنصر يمسح ذكرى الإخفاقات المريرة، لتقوم الولايات المتحدة بتصنيف "
جند الأقصى" كجماعة إرهابية؟
في هذه الأثناء تقوم حركة
أحرار الشام بإرسال مجموعات قتالية، للمشاركة في معارك حماة، رغم انشغالها بمعارك ريف حلب الجنوبي ودرع الفرات في ريفها الشمالي، لكننا وسريعاً جداً، وجدنا أنفسنا أمام فتنة عظيمة، كادت أن تحرق الأخضر واليابس، فتنة سببها الظاهر اعتقال الحركة لمجموعة من الجند، قيل إنها خلية تتبع
تنظيم الدولة الإسلامية، ما دفع الجند للرد باعتقال مسؤول الحواجز ومطالبة الحركة بالإفراج عن المجموعة، ليتصاعد الخلاف ويتحول خلال ساعات إلى مواجهات مسلحة شاملة، ترافقت مع تجييش للشارع، وحملة دعشنة وتخوين بحق الجند، بل ومطالبات بالقضاء عليها واجتثاثها. وبالفعل فقد أصدر ثمانية عشر فصيلاً مسلحاً، بياناً أعلنوا فيه وقوفهم إلى جانب الحركة، واستعدادهم للمشاركة في قتال الجند، ليتبعه بيان لرجال دين وشرعيين، يدعم موقف الحركة ضد الجند، الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول توقيت وهدف هذا الإشكال المفتعل.
قبل معارك حماة، لم يكن الكثير من الناس يعلم بوجود فصيل مسلح اسمه جند الأقصى، وهذا أمر طبيعي، مرده لاعتكاف الجند في مناطق تواجده، واعتزاله الحرب الفصائلية التي تدور رحاها منذ سنين، إضافة إلى عدم اهتمام الجند بالجانب الإعلامي، رغم مشاركتهم الفاعلة في الكثير من المعارك، التي لم يسمع عنها معظم الناس، فقد كان الصيت حينها لغرف العمليات والفصائل الأكبر. بعض الفصائل المحلية الصغيرة شاركت وبقوة إلى جانب الأحرار في معارك ريف حلب الجنوبي.
جند الأقصى ليست محسوبة على جهات خارجية، وتتدبر أمورها من التبرعات الفردية لأنصارها، إضافة لما تحصل عليه من غنائم، لكنها شاركت كأي فصيل كبير، فاستلمت المحاور، وسدت العجز والفراغ الحاصل على العديد من الجبهات، وساهمت في معارك إدلب، وكان لها دور كبير في معارك "جسر الشغور"، ومعسكري "المسطومة" و"القرميد"، وكذلك في معارك "الغاب"، وقاتلت في بداية التدخل الروسي الذي كان في أوج زخمه، فتصدت لتقدم مليشيات الأسد وإيران في ريف حلب الجنوبي، بل ونجحت أواخر العام الماضي بتحرير قرى "سكيك" و"عطشان"، في ريف حماة الشمالي، وهي عمليات نوعية، خاصة وأنها جاءت في ظل الإخفاقات الكثيرة المتمثلة بسقوط العديد من المناطق المحررة بيد الأسد والمليشيات الشيعية، من درعا إلى مطار كويرس وريف حلب الجنوبي، وصولاً إلى جبلي الأكراد والتركمان، في ريف اللاذقية.
من النجاحات التي تسجل للجند أيضاً، عملية تحريرمدينة "مورك" الهامة، ودورها في استعادة شيء من زمام المبادرة، من يد نظام الأسد والمليشيات الشيعية التي كانت تتقدم بغطاء جوي روسي، بهدف الوصول إلى مدينتي "الفوعة" و"كفريا" الشيعيتين، إضافة لتدعيم خط دفاع النظام عن بوابة حلب الجنوبية، وذلك لقطع الطريق على أية محاولات مستقبلية لفك الحصار عن الشطر الشرقي المحرر من المدينة.
كل المؤشرات الميدانية كانت تؤكد انحصار حلب قادم، وهو ما حدث بالفعل، فكان لجند الأقصى وبمشاركة من "جبهة النصرة" حينها، مساهمة في إفشال أحد أهم أهداف التقدم الشيعي في ريف حلب الجنوبي، والمتمثل بالوصول للفوعة وكفريا، فنجح كل من الجبهة وجند الأقصى في أول تحرير لبلدة "العيس"، هذا التحرير الذي لم يستمر طويلاً بسبب شدة القصف الهمجي الروسي، لتقوم فصائل المعارضة بمحاولة اقتحام بلدة "خان طومان" الاستراتيجية، لكنها فشلت على الرغم من توفر السلاح والعتاد، لتنجح جبهة النصرة بتحرير بلدة "العيس"، في حين قام "الجند" وبالتعاون مع "الحزب التركستاني" بتحرير "خان طومان"، لكن بعد تقديم أكثر من 75 شهيدا، وهذه حقائق معروفة، لا ينازع ولا يجادل فيها منصف.
بعد تمكن النظام من إطباق الحصار على مدينة حلب، قامت جند الأقصى بالحشد والتجهيز العسكري في ريف حلب الجنوبي، وتحديدا من ناحية "جبل عزان" القريب من "الشيخ سعيد"، لكن حركة أحرار الشام رفضت تواجدهم ومنعتهم من القيام بأي عمل عسكري، الأمر الذي دفع الجند للاستدارة باتجاه محافظة حماة، والإعداد لمعركة تخفف الضغط عن حلب.
أعلن الجند عن انطلاق معركة "الشهيد مروان حديد"، دون مشاركة من الفصائل الكبرى، التي تذرعت بحجة عدم التخطيط الجيد للمعركة، لكن الجند تمكن من التقدم، حتى بات على مشارف حماة المدينة، وبدأ التحضير والتجهيز للسيطرة على "جبل زين العابدين" الاستراتيجي الذي إن تم تحريره، فإن المدينة تصبح في حكم الساقطة عسكريا.
تقدم الجند السريع والخاطف هذا، مثّل مصدر قلق للعديد من الفصائل، حتى وإن لم يكن هذا القلق معلناً، فهكذا تقدم أثار حتى مخاوف جبهة
فتح الشام، وذلك بحكم قربه من مناطق تنظيم الدولة، الأمر الذي دعا الجبهة لفتح معارك "الشعثة" و"الطليسية" القريبتين من مناطق التنظيم.
في رمضان الفائت، حدث توتر بين جبهة فتح الشام من جهة وبين الجند وبعض الكتائب المحلية من جهة أخرى، فتم الاتفاق على عدم تواجد الجند شرق أوتوستراد دمشق - حلب، ومناطق قصر ابن وردان.
تشكل منطقة أبو دالي في ريف حماة، منطقة تبادل وسمسرة تجارية، بين مناطق النظام والمعارضة، حيث تفرض الضرائب والرسوم على عبور وتبادل المواد في الاتجاهين، أما المستفيد الأكبر منها فهو شبيح النظام "أحمد الدرويش" المسيطر على المنطقة، والذي أصبح إقطاعياً كبيراً، إضافة لوجود فصائل مسلحة تستفيد من هذه العمليات، وليس من مصلحتها أن تفتح معركة حماة، لأنها ستقطع مصادررزقهم وثرواتهم، بعض التفاصيل تشيب من هولها الولدان.
لهذا فإن فتح الجند لمعركة الريف الحموي، وتقدمهم فيه على عكس ما كان متوقعاً، أزعج الكثيرين داخليا وخارجيا، حيث أَملَ البعض أن تكون هذه المعركة فخاً يقضي عليهم، لكن ما حدث هو العكس، فقد سطع نجم الجند وقويت شوكتهم، خاصة مع اغتنام الكثير من السلاح والعتاد، إضافة لالتحاق المئات من المنشقين عن الفصائل الأخرى بهم.
بعض الأطراف الخارجية قرأت هذا التقدم على أنه خطر عظيم، يهدد بخلط الأوراق وسحب البساط من تحت الكثير من الفصائل، وذلك لسببين هامين:
الأول: رفض الجند للانخراط في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يعني من وجهة نظرهم، إمكانية التقاء الجند مع التنظيم ونشوء تنسيق أو تعاون ما بينهما.
الثاني: أن الجند لا تعترف بأي تفاهم أو تسويات سياسية، لهذا فإن الجند - برأيهم - مراهق لا أهل له يضبطونه، كما هو الحال مع معظم الفصائل.
ما حدث بين الأحرار والجند، أكبر من مجرد اعتقال شخص أو مجموعة أشخاص، ولا علاقة له بما يشاع عن داعشية وغلو جند الأقصى، الذين لو كانوا كذلك لقاتلوا إلى جانب التنظيم، أو لانضموا إليه فور انشقاقهم عن جبهة فتح الشام، التي بدورها كانت قد انشقت عن تنظيم الدولة الإسلامية.
جند الأقصى وحتى لحظة الحرب عليها؛ كانت تنسق وتخوض معارك ريف حماة، مع فصائل تعتبر مرتدة من وجهة نظر تنظيم الدولة الإسلامية! لهذا فإن أي حديث عن أن الجند مبايعون لتنظيم الدولة، هي اتهامات باطلة ولا أساس لها من الصحة، لكنه التَخوّف من استقطاب الجند لكل من ينشق عن الفصائل الأخرى، ولا ننسى أن ظهور الجند بالأساس، نجم عن توحيد المنشقين عن "النصرة" و"الدولة"، في العام 2014، واندماج مجموعتي "أبو عبد العزيز القطري" و"أبو مصعب جعبور". ومن هنا ولدت تسمية "جند الأقصى".
أهم أسباب الحرب على جند الأقصى:
أولاً: قيادات الجند وكثير من عناصرها تنتمي لنفس المناطق التي تنتمي لها قيادات الأحرار، وهناك تنافس قديم بين تلك المناطق، وقد ظهر جليا إبان ظهور التشكيلات العسكرية الفصائلية واصطفافاتها التي تأثرت كثيرا بالتنافس الاجتماعي والمناطقي، "لواء داود" مثلا من"سرمين"، وكذلك قيادات الجند التي تواجه تنافساً اجتماعياً وفكرياً مع كل من "تفتناز" و"بنش" معقل الأحرار، التي تعتبر إدلب منطقة نفوذ رئيسية لها، وتسعى لفرض سيطرتها الكاملة عليها.
من هنا يمكننا ملاحظة أسباب إصرار النظام على حشر كافة الفصائل السورية، وحتى المهجرة من مناطق أخرى في إدلب، وذلك على أمل أن يدفعها ذلك للاقتتال، وتصفية بعضها البعض، أو القضاء عليها لاحقاً.
ثانياً: بعض التشكيلات التي انشقت عن حركة أحرار الشام ذهبت باتجاه جند الأقصى، وخاصة في حماة، إضافة لما سرب عن نية أحد أكبر ألوية الحركة، الانشقاق عنها والانضمام للجند، وكذلك في منطقة "الحص" جنوب حلب.
ثالثاً: عدم وجود الجند ضمن تشكيلة جيش الفتح الأخيرة كان بضغط من الأحرار، وذلك لسببين، الأول: إرضاء المجتمع الدولي هروباً من تصنيفاته. والثاني: عدم الرغبة في وجود منافس مناطقي بسبب الشرخ الاجتماعي الحاصل بين سرمين وكل من بنش وتفتناز، فجاءت الحرب على الجند استكمالاً لهذا التوجه.
رابعاً: ظهور الأحرار بمظهرالشرطي المحلي، وتقديم نفسها على أنها الأكثر جدية وجاذبية وقدرة على محاربة تنظيم الدولة، وكل المحسوبين عليه، وهو ما يمنحها امتيازات كبيرة، خاصة على الصعيد الدولي والإقليمي، على اعتبار أنها حركة منظمة ومعتدلة، الأمر الذي سيسمح بالاعتماد عليها في أي تسويات قادمة.
خامساً: أرادت حركة أحرار الشام أن تبعث برسالة للداخل السوري، وخاصة لجبهة فتح الشام، بأنه وبعد انحسار رقعة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، فإن الجهادية السلفية لم تعد صاحبة الصولة والجولة على الساحة، وأنه آن الأوان لتدجينها وتطويعها، وبما يتوافق مع المتطلبات الدولية والإقليمية.
خلاف الجند والأحرار صب في صالح فتح الشام، بطريقة أو بأخرى، خاصة وأنه قد أفضى إلى انضمام الجند للجبهة، بعد أن كان منافسا صاعدا لها وللأحرار على حد سواء، فهو الفصيل الذي استقطب مئات المنشقين عن الجبهة والأحرار.
كيف استفادت فتح الشام من الأحداث وباتت ممثلة التيار الجهادي السلفي المعتدل؟
- الجبهة تعتبر نفسها زعيمة الجهادية السلفية في الشام بنسختها المعتدلة، وبالتالي فإنها قد لا ترغب بوجود منافسين أقوياء، يمكن أن يشكلوا خطراً يفوق خطر المنهج المضاد، وانضمام الجند لها أنهى فكرة وجود تيار جهادي ثالث، فإما هي أو تنظيم الدولة.
- انضمام الجند عزز قدرات الجبهة القتالية من حيث العدد والعدة، وهي بهذا تكون قد استعادت كل الذين انشقوا عنها سابقا، إضافة لأعداد أخرى انشقت عن الأحرار وغيرهم، فكسبت أكثر من 1600 من المقاتلين الأشداء، الذين يتمتعون بعقيدة جهادية قوية، إضافة لأسلحة ثقيلة ونوعية، كان الجند قد غنمها من معركة حماة.
- أسهم في تخلص الجبهة من عقدة الجند، كونها لم تكن معادية لتنظيم الدولة، وبالتالي ربما تغض النظر عن تحركاته في المنطقة.
- توسع نطاق سيطرة الجبهة ونفوذها ومناطق تواجدها، خاصة في أرياف حماة وإدلب وكل مكان تواجد فيه الجند.
- انقسمت الساحة الجهادية في الشام تماما بين الجبهة وتنظيم الدولة، وبات الفرز والاستقطاب أكثر وضوحاً، وبهذا فإن الجبهة، ومع فك ارتباطها بالقاعدة، وإذا ما استثنينا تنظيم الدولة الإسلامية المُحارب من قبل الجميع، فإنها أصبحت الوحيدة وربما الأقوى على الساحة، ما يرشحها لاستقطاب المزيد من الفصائل وخاصة المحلية منها.
- قويت شوكة الجبهة، وبات من الصعب بل من المستحيل، على أي فصيل مهما بلغت قوته، أن يفكر في الحرب عليها. وهذا الأمر يفسر المعلومات المسربة عن قرب اتحاد أو إندماج "الأحرار" و"الزنكي" و"فيلق الشام" في تشكيل واحد.
لم تنته الأزمة بعد، وقد تولد مجموعة أزمات، مالم يتم نزع فتيلها، وقد تؤدي لا سمح الله إلى مواجهة شاملة بين التيارين "الثوري" و"الجهادي"، ولن تنتهي إلا وقد حيّدت أحد التيارين، ولكن بعد أن تكون قد حصدت المئات وربما الآلاف من أرواح المجاهدين والثوار، لا لشيء إلا تنافسا على السلطة والنفوذ تنفيذا لإملاءات الخارج لنيل الحظوة عنده. فهل نحن حقا نملك ترف الخضوع لإملاءات جهات لم تقدم لنا سوى الفرقة والتشرذم، ودعمت نظام الأسد، وسمحت باحتلال روسي - إيراني لأرض باركها الله من فوق سبع سماوات؟
"جند الأقصى" ليست ملائكة منزلين، ولها أخطاؤها وتجاوزاتها، لكن سيسجل لها التاريخ أنها الأكثر التزاماً بالجهاد وتورعاً في الدم الحرام، فاعتزلت القتال الفصائلي منذ بدايته، ولم تتلوث يد عناصرها بدماء المجاهدين، من أي طرف كان، بل تعاونت ونسقت مع كافة الفصائل، وخاضت معاركهم ضد مليشيات الأسد وإيران، وهو ما دفع البعض لدعشنتها، وسيسجل للجند أنها قد وأدت فتنة عظيمة بمبايعتها لجبهة فتح الشام، رغم قدرتها على المواجهة، فثبتوا على موقفكم هذا ولا تنجروا للفتنة، فإن الله مظهر الحق وناصر كل مظلوم.
من المؤسف أنه وفي الوقت الذي فرحنا فيه بوأد الفتنة بين الأحرار والجند، وإطلاق الجند سراح عناصر الحركة الأسرى، ظهر علينا قائد حركة أحرار الشام، بكلمة مصورة، معلناً استئصال و"تطهير الثورة" من أرجاس الجند، وكأن عملاء "الموك" و"الموم" والشرق والغرب هم الأطهار؟ لقد تحدث ولسان حاله كمن خاصم فحقد ففجر، ثم أرعد وأزبد، وهدد وتوعد، ولكن من؟ ليس مليشيات الأسد وإيران، بل إخوة العقيدة والدم والسلاح هم الذين توعدهم بالملاحقة والاعتقال، وواصفاً إياهم بأبشع وأشنع الألقاب، مستخدماً عبارات من قبيل "أنجاس، أرجاس، أشرار،عصابة، جهالات، غلاة، دواعش، جراثيم"، أليست هي نفس العبارات التي استخدمها بشار وشبيحته بحق معارضيه من الشعب السوري؟!
كم كنا نتمنى لو أن الخطاب قد كان أكثر ليناً وتسامحاً، لكان قدم حسن النية، فأسس لمرحلة جديدة بين إخوة العقيدة والسلاح، لكنها الحكمة والحنكة خانتك، وأخشى أنك ربما ستردد يوماً مقولة: "أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأَبيض". فهل يُلام بشار والآخرون على ما يفعلونه بنا بعد هذا؟ ألا هل بلغت اللهم فاشهد!!