نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا لوزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في
مصر عمرو
دراج، يعلق فيه على حزمة
المساعدات التي اتفق
صندوق النقد الدولي مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي عليها.
ويقول دراج في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن صندوق النقد الدولي أعلن عن اتفاق مبدئي مع النظام المصري، لتقديمه ثاني أكبر حزمة مساعدات في تاريخ القروض الدولية، مشيرا إلى أنها أكبر بثلاثة أضعاف من تلك التي قدمت لمصر في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، القصيرة.
ويضيف الكاتب أن "مصر بدأت المفاوضات أولا مع صندوق النقد الدولي بعد عام 2011 بفترة قصيرة، إلا أن الرفض الذي قوبلت فيه من قطاع واسع من المصريين أدى إلى وقفها، ومن ثم استؤنفت المفاوضات في ظل رئاسة مرسي؛ بهدف الحصول على قرض يساعد على تقوية موقع
الاقتصاد المصري، ويشجع على وصول حقنات من الرأسمال الأجنبي، سواء على شكل مساعدات أم استثمارات، وكان حجم الحزمة التي تم التفاوض عليها هو 4.7 مليار دولار أمريكي".
ويشير المقال إلى أن "الحكومة المصرية رفضت مطالب صندوق النقد الدولي الأولية؛ خوفا من تركها آثارا على الطبقتين الدنيا والمتوسطة المصريتين، وعليه فقد تقدمت الحكومة المصرية بخطة بديلة؛ من أجل تخفيف آُثارها على المصريين الفقراء، وفي الوقت ذاته لتستجيب لمطلبين رئيسين، هما: تخفيض العجز في الميزانية، الذي بلغ في حينه 9.5% من الدخل القومي العام، وإعادة ترتيب حزمة الدعم الحكومي.
وطورت الحكومة آلية لإيصال الطعام والدعم على الوقود للمستخدمين، لا للموزعين وتجار الجملة، ما يخفف من مستويات التبذير والفساد.
ويذكر دراج أن "البنك الدولي تراجع في حزيران/ يونيو 2013 عن المفاوضات؛ بذريعة عدم وجود دعم كاف من المعارضة لحزمة صندوق النقد الدولي، وطالب برفع ضريبة البيع بنسبة 12.5، وهو ما لم يكن مقبولا من الحكومة المصرية؛ نظرا لأثره السلبي على أصحاب العائلات من ذوي الدخل المنخفض، وطالب صندوق النقد الدولي بمطالب جديدة، وهي إنهاء نظام الدعم، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وتعويم الجنيه المصري".
ويرى الكاتب أنه "في ضوء التدهور الكبير الذي حصل للاقتصاد المصري في ظل حكومة السيسي، فإن تغيرات من هذ النوع ستؤثر بالتأكيد في غالبية المصريين، الذين تحصل نسبة 95% منهم على 14 دولارا في اليوم، وهناك أكثر من ربع السكان يحصلون على 1.5 دولار في اليوم".
ويستدرك دراج قائلا إنه "مع ذلك، فإن السؤال المهم الذي طرحه قطاع كبير من المجتمع هو عما إذا كانت هذه الرزمة ستؤدي إلى تحسين وضع الاقتصاد المصري، وللإجابة عن هذا السؤال فما على كل فرد إلا أن يتساءل: لماذا يعاني الاقتصاد المصري من حالة احتضار؟".
ويلفت الكاتب إلى أن "مستوى الاحتياطي الأجنبي كان في عهد محمد مرسي 16 مليار دولار، وتم تبادل الجنيه المصري بمعدل ستة جنيهات مقابل الدولار، ولم تكن هناك فجوة ما بين معدلات سعر الصرف بين السوق الرسمية والسوق السوداء، وحقق الاقتصاد مكاسب متواضعة، وكان معدل التضخم مقبولا بنسبة 6.9%".
ويقول دراج: "أما اليوم، وبعد ثلاثة أعوام من الانقلاب العنيف في عام 2013، فإن معدل الاحتياطي الأجنبي وصل إلى 15.5 مليار دولارـ إلا أن الرقم الذي تم التوصل إليه من خلال ودائع للحكومة ستدفعها بعد عامين إلى خمسة أعوام، وتضاعفت نسبة التضخم إلى 14%، وهي نسبة عالية منذ سبعة أعوام، وفقد الجنيه المصري نصف قيمته، ويباع بقيمة 13 جنيها للدولار الأمريكي، وهناك نقص حاد في العملة الصعبة".
وينوه الكاتب إلى أن "سعر صرف الحكومة الرسمي هو 8.75 جنيه للدولار، والفجوة كبيرة ما بين السوق الرسمية والسوق السوداء، أي بمعدل 50% من قيمته، وارتفع الدين الأجنبي إلى 53.7 مليار دولار، وتصل نسبة الدين المحلي والأجنبي إلى 100% من الدخل القومي العام، بإضافة 30 مليار دولار جديدة في حزمة البنك الدولي، التي تحتاج إلى ستة مليارات دولار سنويا لإنجاح المشروع الذي يراد تحقيقه، وتقتطع الخدمة على الدين في الوقت الحالي 31.5% من الميزانية، وستزيد مع قرض إضافي".
ويقول دراج إنه "للمفارقة، لم يعد صندوق النقد الدولي يطالب بإجماع اجتماعي وسياسي ليوافق على حزمة المساعدات، إلا أن حالة الاحتضار، التي يعاني منها الاقتصاد المصري، لا تجيب عن سؤال: لماذا وصل إلى هذه الحالة البائسة؟".
ويجد دراج أن "هناك عدة أسباب رئيسة توضح الوضع الحالي للاقتصاد، ولن يؤدي أي منها إلى التحسن نتيجة لصفقة البنك الدولي، أولها
الفساد الذي يميل إليه النظام، فقد أعلن مدير الجهاز المركزي للمحاسبات، أو المحاسب الحكومي العام الموالي، أن قيمة ما تمت خسارته بسبب الفساد هو 600 مليون جنيه مصري (67 مليار دولار) خلال الأعوام الأربعة الماضية، وتم طرده مباشرة، وتقديمه للمحاكمة لتشويه صورة مصر، فالفساد ليس عرضا عن الحياة السياسية المصرية، فهو جزء بنيوي من النظام، ويعتمد عليه من أجل بقائه، ويقوم بدفع المال لمن يدعمهم، سواء كانوا من شلته، أم شبه رأسماليين، أم قوى أمنية، أم من أصحاب المصالح المتضاربة".
ويبين الكاتب أن "السبب الثاني هو غياب الرؤية الاقتصادية للبلد، حيث سيطر الجيش على الحياة الاقتصادية، بشكل أدى إلى خنق القطاع الخاص، وركز على مشاريع كبيرة (ميغا)، تذكر بالعهد السوفييتي البائد، موهما نفسه بأن الدعاية والنمو هما في الحقيقة شيء واحد".
ويذهب الكاتب إلى أن "السبب الثالث والأخير هو النظام القمعي والوحشي الاستقصائي، الذي منع المعارضة السلمية الشرعية لسياساته وممارساته، وشجع النشاط الإرهابي، الذي يهدد المصالح الحيوية، مثل السياحة، وقناة السويس".
وبحسب دراج فإن "صندوق النقد الدولي غير مهتم بهذه الأسباب البنيوية، التي يعاني منها الاقتصاد، ومن الواضح أن جزءا كبيرا من الأموال التي تقدم لمساعدة الاقتصاد المصري سيذهب إلى جيوب من هم في السلطة، وسيذهب جزء آخر لتغطية العجز القصير المدى في الميزانية العامة، بما في ذلك الخدمة على الدين، وستكون آثار هذه الحزمة على المصريين مدمرة، وستؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار، وانهيار المجتمع".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "مصر تلقت خلال السنوات الثلاث الماضية 50 مليار دولار من رعاتها دول الخليج، وفي ضوء الحاجة السنوية لشراء المواد الأساسية المستوردة، التي زادت على 80 مليار دولار، وبمصادر دخل محدودة؛ بسبب انهيار صناعة السياحة، ونقص الاستثمار الأجنبي، فحتى لو حصلت مصر على 30 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، فلن يكون هذا إلا مجرد تبذير".