بثت قناة الجزيرة الفضائية في كانون الثاني/ يناير الماضي؛ تسريبا لمكالمة تلفونية بين ما يعتقد أنه القائد الحوثي (يوسف المداني)، وشخص آخر شارك في مقتل الأسير الشهيد حميد القشيبي، تضمنت المكالمة اللحظات الأخيرة للشهيد الأسير العميد حميد القشيبي ومرافقيه وهو في قبضة مليشيات الحوثي، وكشفت المكالمة أن الأسير العميد حميد القشيبي ومرافقية قد تم قتلهم بدم بارد بعد أن وقع في الأسر، انتقاما لدم المتمرد حسين الحوثي، وكان واضحا من خلال المكالمة أن العميد الأسير القشيبي وقع في الأسر بعد سقوط اللواء 310 وكان عاجزا عن الحركة إلا بالعكاز، وتم نقله إلى غرفه قبل أن يدور بينه وبين قاتليه حوار خاطف انتهى الى قتل الأسير القشيبي والأسرى المرافقين له، وهم مجردون من السلاح. بصورة بشعة كما تبين المكالمه أن من اشترك في قتل الأسرى عدد قيادات وأفراد المليشيات يصل عددهم إلى ثمانية، وأن هناك من خطط وأشرف وأمر بالقتل.
الشهيدالقشيبي.. أسير الحرب
يُعرف أسير الحرب بأنه مقاتل شرعي وقع في يدي عدوه عاجزا عن القتال أو مستسلما. ويشمل مصطلح "مقاتل شرعي" جنديا في جيش أو عضوا مقاتلا في مليشيات. والقانون الدولي يعد كل شخص يقع في يد العدو بسبب عسكري لا بسبب جريمة ارتكبها؛ أسيرا، وهذه قاعده عامة من قواعد القانون الدولي تستوجب منح حق الأسر للشخص الذي يتمتع بصفة المقاتل وحجبه عن الشخص الذي لا يتمتع بهذه الصفه، كما أن اتفاقية جنيف الثالثة، المادة الرابعة، عرّفت أسرى الحرب بأنهم الأشخاص الذين يعقون في قبضة العدو وينتمون إلى أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، وكذالك المليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة، وهو توصيف ينطبق على حالة الأسير الشهيد العميد حميد القشيبي ورفاقه الذين وقعوا في قبضة المليشيات الحوثية، مستسلمين عاجزين عن القتال، بسبب واقعة عسكرية هي معركة الدفاع عن عمران واللواء 310.
كيف عومل أسير الحرب حميد القشيبي؟
تلزم المعاهدات الدولية أن يلقى أسير الحرب، كالشهيد حميد القشيبي ورفاقه، معاملة إنسانية كريمة منذ القبض عليهم حتى الإفراج عنهم وعودتهم إلى أهليهم. وتحظر المعاهدات الدولية تعذيب أسير الحرب أو إساءة معاملته بما يخالف اتفاقيات جنيف التي منحت أسرى الحرب طائفة واسعة من أنماط الحماية.
وفيما يتعلق بالمعاملة غير الإنسانية والمهينة، فقد نصت (اتفاقية جنيف الثالثة) على سبيل المثال لا الحصر؛ على حق الأسرى في الحصول على طعام وشراب، وأن يزودوا بملابس لائقة ونظيفة، كما يُسمح لهم تسلم معونات سواء، كانت طعاماً أو دواءً أو ثياباً. كما اشترطت المادة 26 من الاتفاقية احترام عادات وتقاليد أسرى الحرب، فمثلا لا يمكن إجبار أسرى مسلمين على أكل طعام يحرمه دينهم.
أما المادة الثانية والسبعون من الاتفاقية ذاتها؛ فقد ضمنت للأسرى إرسال رسائل إلى وطنهم وتسلمها منه. أما في حال عدم احترام أسير الحرب لقوانين المعسكر، فإن اتفاقية جنيف تتضمن عدة بنود بخصوص معاقبتة على أسس عادلة وإنسانية، حتى اذا حاول أسير الحرب الهرب فلا يجوز استعمال السلاح ضده إلا كوسيلة أخيرة بعد إنذارات متكررة قبل استخدمها، كما تنص على ذلك المادة الثانية والأربعين. وهي كلها حقوق حُرم منها الأسير الجريح الشهيد حميد القشيبي، بحسب المكالمة المسربة، بل إن المكالمة أكدت تعرضه لتعذيب نفسي وربما جسدي، كما كشف تقرير الطبيب الشرعي الذي شرح جثة الشهيد القشيبي قبل اغتياله بصوره وحشية، الأمر الذي يؤكد أننا أما جريمة حرب مكتملة الأركان وفقا للقانون الدولي، كما سنوضح.
ما هي جريمة الحرب؟
جماعة الحوثي ارتكبت بحق الأسير الشهيد حميد القشيبي جريمة حرب مكتملة الأركان، فما هي جريمة الحرب في القانون الدولي؟ عرف ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية لسنة 1945 جرائم الحرب بأنها "
انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم، قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم، قتل رهائن، سلب ملكية خاصة، والتدمير غير الضروري عسكريا". كما ان ميثاق روما للمحكمة الجنايات الدولية عرّف جريمة الحرب بأنها "الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف 1949 أو أي انتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي"، وأهم الخروقات التي حددتها المادة (8) القتل العمد. كما بيّن الميثاق أن من بين المقصود بالانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي؛ قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً، ويكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع، الأمر الذي يثبت لنا أن مليشيات الحوثي المسلحة بقيادة عبد الملك الحوثي، وقياداته الميدانية وأفرادا من المقاتلين قد ارتكبوا جريمة حرب بمقتل الأسير العميد حميد القشيبي ورفاقه الذين ألقوا سلاحهم مختارين وسلموا أنفسهم كمقاتلين لمليشيات الحوثي، الأمر الذي يستوجب من المجتمع الدولي التحقيق في جريمة مقتل الأسير القشيبي ورفاقه ومحاكمة مرتكبيها، وفقا لميثاق روما الخاص بمحكمة الجنايات الدولية.
خيارات العدالة القضائية
بعد أن تُكشف اركان الجريمة الكاملة التي ارتكبتها مليشيات الحوثي بحق اسير الحرب العميد حميد القشيبي ورفاقه، تصبح الكرة الآن في ملعب الحكومة
اليمنية والمجتمع الدولي لفتح تحقيق جنائي جاد على كافة المستويات.
أولا على المستوى الوطني
يستوجب على اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان؛ الشروع الفوري والمباشر في التحقيق من صحة في الوقائع التي وردت في المكالمة المسربة في قناة الجزيرة حول مقتل الأسير العميد حميد القشيبي ومرافقية باعتبارة جريمة حرب وانتهاكا صريحا للقوانين والاتفاقيات الدولية، وجمع الأدلة حتى تثبت صحتها من خلال تحليل ما ورد في حينه تقرير الطبيب الشرعي، والاستماع لبعض الشهود، وذالك استنادا للسلطة المخوله لها بموجب القرار الجمهوري رقم 140 لسنة 2012م المعدل بالقرار الجمهوري رقم 13 لسنة 2015م؛ الذي نصت المادة رقم (3) منه على "تكون مهمة اللجنة الوطنية التحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني منذ عام 2011م، وتملك في سبيل تحقيق هذه المهمة الصلاحيات والسلطات التالية: 6- اتخاذ الإجراءات اللازمة للاطلاع أو الحصول على كافة الأدلة والبراهين والمعلومات التي تم جمعها المتعلقة بأي انتهاكات لحقوق الإنسان منذ يناير 2011م"، حيث أن محاكمة منتهكي حقوق الإنسان أمام القضاء الوطني هو الوضع المثالي، فمن الأيسر إثبات وقوع الجرائم في البلد الذي ارتكبت فيه، حيث يوجد الضحايا والشهود والشركاء والأدلة، كما أن العدالة التي تأخذ مجراها في البلد نفسه تتيح للضحايا النهوض بأكبر دور ممكن، وربما كانت لها أكبر دلالة لهم. فإذا عجز القضاء الوطني أو انعدم وجوده، كما هو الوضع في الحالة اليمنية، فيتم اللجوء الي القضاء الدولي.
ثانيا: على المستوى الدولي
على الحكومة اليمنية والنشطاء التحرك العاجل للضغط في سبيل فتح تحقيق دولي في جريمة حرب تشكل انتهاك جسيم للقانون الدولي واتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب، والعمل من أجل ذالك في اتجاهات ومسارات متعددة.
- تقديم ملف متكامل الوقائع والشروط يحتوي علي معلومات كافية وأدلة قانونية معتبرة إلى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية؛ الذي يخولة ميثاق روما تحريك أي دعوى جنائية في قضايا انتهاك جسيم للقانون الدولي، متى توافرت لدية معلومات وأدلة كافيه وفقا للمادة (13).
- التنسيق بين الحكومة اليمنية الشرعية ودولة عضو، أي موقّعة على اتفاقية روما كجيبوتي أو الأردن مثلا، لإحالة ملف جريمة مقتل الأسير العميد القشيبي ورفقائة كجريمة حرب، وتشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كونها من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة.
- العمل بالطرق الدبلوماسية من خلال مجلس الأمن لإحالة ملف قتلت الأسير العميد القشيبي ورفاقه إلى المدّعي العام لدى المحكمة بموجب الفصل السابع من الميثاق؛ الذي ما زال اليمن واقعه تحت الفصل السابع بموجب القرار الدولي رقم ( 2140) لسنة 2014م والقرار (2216) لسنة 2015م.
ثالثا: القضاء ذو الاختصاص الدولي
لجوء الحكومة اليمنية أو ناشطين ومنظمات حقوقية إلى مكاتب المحاماة الخاصة لتحريك قضية مقتل الأسير الشهيد القشيبي ورفاقه، وغيرها من القضايا، ضد مجرمي الحرب من قادة المليشيات وقوات صالح أمام المحاكم المحلية، خاصة محاكم الدول التي تسمح قوانينها بالنظر في قضايا انتهاك حقوق الإنسان في أوروبا وغيرها، عملا بمبدأ الولاية العالمية. وباعتقادي أن مثل هذه الخطوة ستكون مهمة ومتقدمة باتجاه تضييق كشف حقيقة هذه الجماعات والتضيق على تحركاتها، وهو خيار يستند إلى التزامات الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف - وفقا لتفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمادة رقم 1 المشتركة في اتفاقات جنيف الأربعة - بالتحقيق في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم التعذيب المرتكبة في أي مكان بالعالم، من دون الاشتراط بأن يكون الضحايا أو مرتكبو الجرائم من حاملي جنسية الدولة التي تحرك الدعاوى القضائية في محاكمها المحلية.
خاتمة
لن يتوقف ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في اليمن إلا إذا أدرك أولئك الذين لا يتورعون عن ارتكابها، سواء أكانوا من الزعماء السياسيين للمليشيات أو القادة الميدانيين أو المقاتلين، أنهم لن يتمكنوا من الاختباء بعد الآن، وهم لن يرتدعوا إلا إذا أيقنوا أن القصاص القانوني لا بد أن يدركهم يوماً ما، وفي مكان ما، ولن تستطيع قوة ردعهم إلا إذا كانت هناك محكمة الجنايات الدولية أو المحاكم الوطنية للبلدان التي قد يدخلونها، أو قد يستدعون للحضور إليها، ويخضعون لولايتها القضائية.
وهذه الزاوية العملية هي التي تجعل عالمية الاختصاص القضائي أهم سمات الجريمة المرتكبة ضد الإنسانية؛ فهي جريمة تبلغ من الخطورة حداً جعل القانون الدولي يمنح كل محكمة، في أي مكان كانت، سلطة محاكمة مرتكبها ومعاقبته، بغض النظر عن مكان ارتكابها وجنسية المجرم أو المجني عليهم؛ وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية وجادة.