لماذا سلمت السعودية "سقطرى" اليمنية لقوات المجلس الانتقالي؟

سيطرت قوات تابعة للمجلس الغنتقالي الجنوبي المدعوم من قبل دولة الإمارات العربية العضو في التحالف العربي الذي تقوده السعودية على جزيرة سقطرى. وقال محافظ محافظة أرخبيل سقطرى رمزي محروس تعليقاً على سقوط الجزيرة: "تعرضنا ومعنا أهالي سقطرى لخذلان وصمت مريب ممن ننتظر منهم النصرة والمؤازرة والوقوف معنا" (في إشارة للقوات السعودية)، بمعنى أن السعودية سهلت وساهمت بصورة أساسية في سقوط عاصمة المحافظة مدينة حديبو بيد قوات المجلس الانتقالي، وهي المناط بها حماية الجزيرة من قبل قوات الواجب السعودية المتكونة من قرابة 1000 جندي سعودي. 

سيناريو متكرر 

تصريحات رمزي محروس محافظ محافظة أرخبيل سقطرى، ليست التصريحات الأولى التي أطلقها مسؤول يمني كبير، يحمل السعودية مسؤولية الفوضى والتمكين لقوات المجلس الانتقالي من السيطرة على مؤسسات الدولة، ففي آب (أغسطس) من العام 2019، ظهر وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري عقب سقوط العاصمة المؤقته عدن، يحمل السعودية مسؤولية سقوط عدن، والغدر بالقوات الحكومية.

تقاسم تركة الرجل المريض
 
يبدو من خلال متابعة الأحداث أن التسريبات التي تتحدث عن وجود اتفاق مكتوب بين طرفي التحالف الفاعلين، على تقسيم تركة الرجل المريض "إن صح التعبير"، يقضي بحصول السعودية على مناطق نفوذ ذات امتداد جغرافي للسعودية وتساهم في حماية المصالح السعودية النفطية على الحد الجنوبي وأهمها مأرب والجوف وحضرموت الصحراء والمهرة، وهو ما يفسر انسحاب القوات الإماراتية من مناطق نهم بصنعاء في العام الماضي، وإشراف السعودية على محافظتي حضرموت والمهرة من خلال الدفع بقوات عسكرية كبيرة إليهما برغم عدم وجود أية مواجهة مع جماعة الحوثي. في المقابل تتمكن الإمارات من مناطق الاقتصادي الأزرق، الموانئ الساحلية ابتداء من المخا في تعز على ساحل البحر الأحمر، مرورا بمدينة عدن ذات الأهمية الاستراتيجية، وميناء بلحاف النفطي في شبوة، وميناء المكلا والضبة في حضر موت الساحل، وجزيرة سقطرى؛ حيث تعمل السعودية مع الإمارات جنبا إلى جنب في تنفيذ هذا الاتفاق بدرجه عالية من التنسيق والتعاون كما رأينا في عدن وسقطرى، بل هناك من يرى أن قصف الجيش التابع للحكومة الشرعية على أبواب عدن في آب (أغسطس) 2019 كان بعلم السعودية، حيث رأت الإمارات أن تقدم الجيش الحكومي نحو عدن تهديد لمصالحها المتفق عليها.

اختلاف التحالف وحدوده

أي تحالف لا بد أن يحتوى اختلافا في وجهات النظر، بالنسبة للمصالح والإدارة تقدير يعتمد على الأطراف، لكن الاختلاف السعودي والاماراتي لا يصل حد القطيعة والتضحية بالآخر، حيث تجمعهم ثلاثة عوامل جوهرية للبقاء ولو عند الحد الأدنى من التوحد والاتفاق: أولها نظام الحكم الجمهوري الديمقراطي والتعددي في اليمن ومخرجات مؤتمر الحوار، ثم ثورة فبراير حيث إنهم لا يستسيغون وجود دولة يمنية تعمل على تطبيق أهداف ثورة فبراير ومخرجات الحوار اليمنية، والثالث الخشية من وجود حكومة يمنية قوية مستقلة في هذه البقعة الجغرافية قد تلفت الأنظار نحوها وتشكل تهديدا اقتصاديا واستراتيجيا محتملا. 

لم يعد أمام الحكومة الشرعية خيارات كثيرة، حيث أن الأمور تتجه نحو سناريوهات قاتمة، أهمها طي صفحة الحكومة الشرعية وعلى رأسها الرئيس عبد ربه منصور واستبدالها بشرعية سياسية جديدة توافقية.

وبالتالي سيستمر التحالف في إضعاف الحكومة الشرعية وأي حكومة مركزية ومنع قيام أي حكومة أو قوة قوية لصالح أطراف متمردة تتحكم فيها دول التحالف أو الوصول إلى اتفاق على بناء صفة جديدة لحكومة تمثل أطراف التحالف والتفاوض مع جماعة الحوثي وهو ربما السيناريو الأقرب بعد ارتفاع أصوات سعودية بصورة إنهاء هذه الحرب التي كلفت السعودية كثيرا.

اتفاق الرياض

بعد اتفاق الرياض الذي كان بمثابة جمعة كبيرة للحكومة الشرعية، منح المجلس الانتقالي شرعية سياسية للواقع الجديد الذي فرضه على الأرض، في حين بقيت كل بنوده حبرا على ورق. بعد اتفاق الرياض فرضت الإمارات عبر مجلسها الانتقالي واقعا جديد حتى على السعودية، ولو ظاهريا، حيث وصل الأمر حد الاحتكاك مع القوات السعودية في عدن، مما جعل السعودية في موقف صعب ظاهريا.. ويرى كثيرون أن حرب أبين الجديدة كانت بإيعاز سعودي لتأديب المجلس الانتقالي والحقيقة كانت غير ذلك، إشغال ما تبقى من قوات حكومية في شبوة في معركة استنزاف جديدة "خلق نهم جديدة على أطراف زنجبار".. لكن بالتأكيد لن يسمح للقوات الحكومية بتجاوزها وفقا لاتفاقية التقسيم الإماراتية السعودية، واستمرت الحرب حتى سقوط جزيرة سقطرى عمدت السعودية إلى لعبتها المفضلة في التهدئة والإعلان عن إرسال لجنة لفرض وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي وهو ما يعني عمليا موت اتفاق الرياض، لتبدأ الرياض الحديث عن اتفاق الرياض بنسخة جديدة ومطورة. 

أعتقد أن الإمارات حريصة على إدخال عناصر دولية جديدة في الأزمة اليمنية، لضمان مصالحها مقابل المملكة من ناحية، وخلق الدعم الدولى والإقليمي لحليفها الجديد في حال الإعلان الكامل عن دولته في الجنوب وهو عمليا سيواجه صعوبة كبيرة، بسبب الانقسام الحاصل في المحافظات الجنوبية نفسها بين مؤيد ورافض للمجلس الانتقالي الذي يرونه امتدادا للماضي (لحج الضالع)، فتكشفت الأنباء عن علاقة سرية بين المجلس الانتقالي وإسرائيل، وهي علاقة لم ينكرها المجلس الانتقالي، وهي علاقة تأتي في إطار رؤية الإمارات لإعادة ترتيب المنطقة وفق محور التطبيع الجديد، حيث باعتقادي أن هذا التسريب لضمان الحفاظ على سقطرى ولفت نظر كثير من الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا وروسيا.

الخيارات الصعبة

لم يعد أمام الحكومة الشرعية خيارات كثيرة، حيث إن الأمور تتجه نحو سناريوهات قاتمة، أهمها طي صفحة الحكومة الشرعية وعلى رأسها الرئيس عبد ربه منصور واستبدالها بشرعية سياسية جديدة توافقية.

ثانيا؛ دخول القوات الحكومية عدن وحسم معركة أبين ما يعني التمرد على الفيتو السعودي ـ الإماراتي وهو ما قد يعرض الجيش الحكومي لقصف الطيران الإماراتي.. 

ثالثا العودة إلى اليمن وإعادة ترميم الشرعية الحالية بتوافق يمني دون املاء التحالف والبدء بحوار يمني يمني واسع يقود إلى حكومة يمنية موحدة لكسر الانقلاب أو الحوار معه.