نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتبة إيزابيل كيرشنر، حول الاتفاق الأخير بين
تركيا وإسرائيل، قالت فيه إنه في الوقت الذي أعلن فيه القادة
الإسرائيليون والأتراك عن عودة العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين، بعد ست سنوات من الخلافات، اختصر عنوان في "يديعوت أحرونوت" المأزق الذي يشعر به الكثير من الإسرائيليين، حيث كان العنوان "مصالحة أم استسلام".
ويورد التقرير أن منتقدي الصفقة تساءلوا عن سبب موافقة إسرائيل على دفع حوالي 20 مليون دولار لعائلات عشرة ناشطين مؤيدين للفلسطينيين، قتلوا أثناء مهاجمة كوماندوز بحرية إسرائيليين، بعد مواجهتهم لمقاومة عنيفة على متن سفينة ركاب تركية، عندما حاولت كسر الحصار، الذي تضربه إسرائيل على قطاع
غزة، مشيرا إلى أن ذلك الحادث تسبب بأزمة دبلوماسية بين بلدين، كانا حليفين إقليميين قريبين.
وتورد الكاتبة نقلا عن ناقدين قولهم إن دفع التعويض هو استسلام، حيث انتقد العديد من الإسرائيليين ما أسموه بـ"هدايا لحركة
حماس"، في إشارة للمساعدات الإنسانية التي تخطط تركيا لإيصالها لقطاع غزة المحاصر، بموجب الصفقة، والوعد ببناء وحدات سكنية جديدة، ومستشفى فيه 200 سرير، بالإضافة إلى مشاريع بنية تحتية.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذه المساعدات تسببت بغضب الإسرائيليين، خاصة أن الصفقة فشلت في تحرير جثماني الجنديين الإسرائيليين، اللذين تحتجزهما حركة حماس، بالإضافة إلى أنه لم يسفر عنها إطلاق سراح مدنيين إسرائيليينن، يعتقد بأنهما محتجزان في غزة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه في الوقت الذي اعتبر فيه المسؤولون الأتراك الصفقة انتصارا دبلوماسيا، فإن خصوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اليمين واليسار، وجهوا الانتقاد الحاد له، حيث وصف الوزير السابق من حزب الليكود المحافظ جدعون ساعر، دفع التعويضات بأنه "إهانة وطنية"، بينما وصف زعيم حزب الاتحاد الصهيوني (وسط اليسار) إسحاق هيرزوغ الاتفاق بـ"المبهم"، وانتقد ما أسماه "اللامبالاة والإهمال" تجاه عائلات المفقودين في غزة.
وتذكر كيرشنر أن نتنياهو دافع عن الصفقة في مؤتمر صحافي في روما، حيث انتهت المفاوضات خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقال إنها "ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل"، بالإضافة إلى أنها تساعد في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، ويمكن أن تدعم الاقتصاد الإسرائيلي، وأضاف: "العالم مضطرب، والشرق الأوسط مضطرب، وسياستي هي إيجاد مراكز استقرار في هذه المنطقة المضطربة".
وتنقل الصحيفة عن نتنياهو قوله إن الصفقة ستحمي القادة العسكريين والجنود الإسرائيليين من القضايا الجنائية والدعاوى المدنية من الحكومة التركية والضحايا، وستسمح لإسرائيل بالإبقاء على الحصار البحري لحركة حماس في غزة، بالرغم من مطالبات تركيا بإنهائه، حيث وافقت تركيا على إرسال مساعداتها لغزة من خلال ميناء أشدود.
ويضيف نتنياهو أنه بالإضافة لذلك، فإن الصفقة توفر فرصة لمشاريع مدرة للأرباح، مثل تسويق الغاز الطبيعي الإسرائيلي لتركيا، ومن خلال تركيا لأوروبا، مشيرا إلى أن بإمكانه "تحمل النقد" من الذين يشكون من شعورهم بالإهانة والخذلان تجاه المفقودين في غزة، حيث قال: "أتفهم معاناة العائلات".
ويورد التقرير نقلا عن رئيس الوزراء التركي بينالي يلديريم، قوله: "يشمل
التطبيع عدة جوانب، إلا أنه سيتم تطبيق ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتعاون الإقليمي أولا"، وأضاف أن سفينة محملة بـ100 ألف طن مساعدات إنسانية لأهالي غزة ستتوجه إلى أشدود يوم الجمعة.
وتنقل الكاتبة عن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي التقى نتنياهو في روما يومي الأحد والاثنين، قوله إن واشنطن شجعت المصالحة بين إسرائيل وتركيا، وكلاهما حليف مهم لأمريكا، وأضاف: "هذه خطوة كنا نريد أن نراها تتحقق".
وتنوه الصحيفة إلى أن هذه الصفقة تأتي في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل وتركيا تحديات صعبة، ناتجة عن حالة الانهيار في سوريا، وغيرها من الدول في المنطقة، حيث تقول الزميلة في مركز الطاقة الدولية التابع لمعهد أبحاث "أتلانتك كاونسيل" في واشنطن، بريندا شافر: "إعادة تطبيع العلاقات تتعلق بالأمن أكثر من ارتباطها بالطاقة".
وبحسب التقرير، فإن بن كاسبيت، وهو كاتب عمود إسرائيلي في صحيفة "معاريف" قال إنه "في النهاية تم التوصل إلى اتفاقية مع تركيا؛ لأنه كان يجب التوصل إليها"، لافتا إلى أن خبراء يقولون إنهم لا يتوقعون عودة للتحالف القريب، الذي كان في العقود الماضية، عندما كانت تقوم البحرية التركية والأمريكية والإسرائيلية بمناورات مشتركة في البحر الأبيض المتوسط، وكان سلاح الطيران الإسرائيلي يجري تدريباته في المجال الجوي التركي.
وتبين كيرشنر أنه في غزة، كان هناك شعور بأن الصفقة تعطي بصيصا من الأمل، مستدركة بأنها كانت أقل مما أرادته حركة حماس، حيث قال أحمد يوسف، مستشار زعيم حركة حماس إسماعيل هنية: "قد لا يرفعون الحصار عن غزة، لكن سيتم تخفيف القيود".
وتستدرك الصحيفة بأنه بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، الذين يحملون ذاكرة قضاء إجازاتهم على الشواطئ التركية، حيث كان يزور تركيا نصف مليون سائح إسرائيلي في العام، قبل انقطاع العلاقات الدبلوماسية، فإن تداعيات الصفقة الدبلوماسية أكثر عاطفية.
ويورد التقرير نقلا عن تزور غولدن، الأخ التوأم للملازم هادا غولدن، الذي قتل في كمين خلال حرب عام 2014 في غزة، الذي لم يعد جثمانه، قوله إن نتنياهو وعد عائلته بأن أي مفاوضات حول غزة ستتضمن إعادة جثماني الجنديين، مشيرا إلى أن عائلة الرقيب أورون شاؤول، الجندي الثاني الذي قتل في غزة في معركة أخرى، خلال الحرب على غزة، أقامت خيمة اعتصام أمام سكن نتنياهو الرسمي في القدس.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن راشيل غازيت، وهي ابنة خال الرقيب شاؤول، قالت في الوقت الذي كانت توزع فيه ملصقات تحمل صورة الجندي، وطلبت من المارة توقيع عريضة: "سنتان كانتا كافيتين لتحقيق تقدم".