اجتاح الجدال شهر رمضان في
تونس كما هي العادة حول ما يصفه البعض من "إخلالات أخلاقية" في عدد من البرامج التلفزية وخاصة المسلسلات الرمضانية، مما أدى إلى تدخل هيئة التعديل التلفزي "هايكا". يبقى أن أكثر مسلسل رمضاني قام بما يمكن اعتباره "أفعالا موحشة" وتقريبا "لا أخلاقية" هو مسلسل تشكيل ما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" بإشراف الرئيس السبسي.
على رأس الأفعال الموحشة لمبادرة السبسي هو أن يشرف السبسي نفسه على تشكيل حكومة جديدة تنقذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه البلاد. طبعا أنصاره يواصلون ترديد أسطورة أن الوضع الحالي ناتج عن أيام الترويكا. أجهزة الدعاية الإعلامية التي روجت للسبسي وتصمت الآن على حالة الفشل غير المسبوقة لا تذكر أبدا أن نسبة النمو، أحد أبرز مؤشرات قياس فشل أي حكومة، وصلت في تونس إلى الصفر فقط خلال عهد السبسي سنة 2011 ومباشرة بعد بلوغه مع حزبه الحكم بداية من سنة 2015. السبسي الذي يشكل حكومة تنقذ الوضع هو من أشرف على حكومات تميزت بنسبة الصفر بالمئة.
السبسي الذي يشرف، مع ابنه حافظ "مدير" الحزب الحاكم والذي كانت أقصى تجاربه السياسية عضوية هيئة فريق كرة قدم، على تشكيل حكومة تنقذ البلاد فشل في تحقيق وعوده الاقتصادية والاجتماعية. وعد في حملته الانتخابية بـ"إحداث 16 قطبا تكنولوجيا و800 كلم من الطرقات السيارة و20 ألف كلم من الألياف الضوئية ومنح مليار دينار قروضا دون فوائض للشبان وعشرين مشروعا صناعيا كبيرا و125 مليار استثماريا نصفها في الجهات الداخلية، وتهذيب 600 حي شعبي من جملة 1200 حي وإحداث مركب رياضي وثقافي وترفيهي في كل معتمدية، وإحداث 90 ألف موطن شغل في العام". ليس فقط فشل في ذلك بل أيضا تدهور الوضع أكثر في البلاد.
كان أحد وعود السبسي حماية الدستور وانسجام السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأن انتخاب السبسي للرئاسة أساسي لضمان الاستقرار. يبقى أنه بعد انتخاب السبسي وحزبه نداء تونس تم تعيين رئيس حكومة يتبع عمليا، في مخالفة روتينية للدستور، تعليمات رئيس الجمهورية. ويلي ذلك حملة لتعديل الدستور على أساس أن السبسي يحتاج لتوسيع صلاحياته بالرغم أنه أصلا لا يقوم بواجباته الدنيا سواء في تحسين العلاقات الخارجية أو في مقاومة فعالة للإرهاب. فتقرير "مجموعة الأزمات الدولية" الصادر منذ أيام قليلة يدعو لاستعجال صياغة استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب والتأخر الحالي يتحمل مسؤوليته الرئيس بوصفه مشرفا على سياسات الأمن القومي. وكأن منحه هذه الصلاحيات سيسمح له بتفعيل أفكار عبقرية للإصلاح لا يستطيع تفعيلها الآن.
المبادرة الوحيدة للسبسي التي قام بها هي خارج صلاحياته وتتعلق بما يسمى "قانون المصالحة" وهو ما اعتبرته مؤسسات دولية تطبيعا للفساد وتجاوزا للعدالة الانتقالية. ويعيد تسخينها في سياق تشكيل حكومته الجديدة. وتبع الإعلان عن مشروع القانون اتهامات للسبسي وحزبه بأنه يقوم بإعادة "الدين" لمن مولوا حزبه ومشروعه السياسي من المتهمين بالفساد من منظومة ما قبل الثورة. فهل يمكن تحقيق تنمية ونمو في حين مبادرته التشريعية الرئيسية التي يعتبرها الخلاص الاقتصادي النهائي مرتبطة بقانون تم توصيفه من منظمات دولية تعنى بمكافحة الفساد والعدالة الانتقالية بأنه قانون يبيض الفساد؟ هل يمكن أن نحسن مناخ الاستثمار في البلاد عندما لا يتم تطبيق القانون وعندما تصرح لجنة المصادرة بأننا إزاء تدخل السلطة التنفيذية لمنع تطبيق القانون على الفاسدين؟ وعندما تحوم شبهات حول "المكلف بنزاعات الدولة" أنه يقوم بابتزاز رجال أعمال لمصلحة أحد الأحزاب الحاكمة؟
فشل السبسي في تحقيق كل وعوده. وحتى النجاح الوحيد أي الحفاظ على "استقرار سياسي" كان نتيجة لإخلاف أهم وعوده: حيث قرر مواصلة سياسة التوافق العلماني الإسلامي التي انطلقت زمن الترويكا والتي هاجمها حزبه وحلفاؤه، وعوض "استنساخ السيناريو المصري" وهو ما طالب به علنا ابنه وزعيم حزبه الآن بالوراثة في شهر جويلية 2013، قام بالانتباه للضغوط الإقليمية والدولية وموازين القوى ليضطر لعدم اتباع سياسة الاستئصال. وهو ما لم يكن أن يقوم به في كل الأحوال حتى لو أراد.
آخر إنجازات الرئيس والحكومة الحالية وكتل أحزاب التحالف الحاكم تحقيقها الرقم القياسي في القوانين التي أسقطتها المعارضة، برغم أنها أقلية، وذلك عبر الطعن في دستوريتها وقبول الطعن من قبل هيئة مراقبة دستورية القوانين التي تقوم مؤقتا مقام المحكمة الدستورية. ومعظم القوانين أسقطت شكلا أو مضمونا في سياق ضعف الشفافية وتطبيع الفساد. وكان ذلك حال قانون يسقط التتبعات في تجاوزات استغلال مقاطع الرخام في أحد جهات البلاد.