يختتم
لبنان هذا الأحد آخر محطات انتخاباته المحلية بمدينة طرابلس ومحيطها شمالي البلاد، بعد جولات الأسابيع الثلاثة الماضية في مختلف المحافظات التي اختلطت فيها العوامل السياسية بالطائفية والعائلية بالإنمائية، وخلصت إلى نتائج غير مفاجئة على صعيد الأرقام ولافتة في بعض المواقف.
لم تسمح إقطاعيات الطوائف على عادتها ببقاء الاستحقاق البلدي ضمن جوهره الإنمائي، فتدخلت لا سيما في البلديات الكبرى لتشكل لوائح الفوز المحسوم الذي سهّلته تحالفات الأوزان الثقيلة ضمن الطوائف. فالثنائي الشيعي المتمثل بحزب الله وحركة أمل جدّد وحدة مساره الانتخابي، وإن علت في هذه الدورة أصوات شيعية مستقلة، فيما نجح الثنائي المسيحي المتشكل حديثا من التيار العوني والقوات اللبنانية في اختبار الثقة بعد أن حصد فوزا مشتركا لافتا في العديد من المناطق، نغّصه تأكيد حزب الكتائب حضوره كرافعة انتخابية وكرقم مسيحي صعب، كذلك استطاعت الثنائية الجنبلاطية الأرسلانية الدرزية ضبط نتائج البلديات ضمن نطاقها ما خلا بعض الخروق الطفيفة.
أما على صعيد الطائفة السُنية، فقد بدت تحالفاتها أكثر تماسُكا وغرابة في الوقت نفسه، حيث حرص تيار المستقبل على التفاهم مع أكبر مرونة ممكنة من التيارات والقيادات في بيروت وصيدا، وترك أمر البلديات الصغيرة في المناطق للعائلات والزعامات المحلية، فيما توّج تواضعه أو فراره من المعركة كما يحلو الوصف للبعض، بتحالفه مع منافسه الأبرز في لبنان تيار العزم التابع للرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، في الانتخابات التي تجري هذا الأحد في مدينة طرابلس، عاصمة المسلمين في لبنان، (قياسا مع معيار الرئيس ميشال عون الذي أطلق في هذه الانتخابات على مدينة جونية وصف عاصمة المسيحيين).
لقد ساهمت سفارة المملكة العربية
السعودية في بيروت برعاية هذه التفاهمات حرصا منها على ترتيب البيت السُني الداخلي، ولو على حساب حليفها الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري، الذي أبدى مرونة فائقة في تقبّل تراجع نفوذه في الشارع السني لصالح آخرين ملؤوا فراغه المزمن.
وإذ يكاد مشهد الطائفة يخرج من الانتخابات متماسكا ولو صوريا أكثر من أي وقت مضى، برزت عقدةٌ في طرابلس تمثلت بإصرار وزير العدل المستقيل الجنرال أشرف ريفي على مواجهة لائحة تحالف الحريري - ميقاتي ونواب المدينة وتياراتها السياسية والإسلامية، بلائحة مدعومة منه تتشكل من أعضاء حاليين وسابقين في المجلس البلدي، وكفاءات علمية وناشطين في المجتمع المدني لديهم برامجهم وتطلعاتهم الإنمائية، لكن سرعان ما تحول خطاب اللائحة إلى سياسي تمتد شعاراته من طرابلس إلى الفلوجة، مرورا بعرسال وحلب. واتهم ريفي هذا التحالف بأنه مدعوم من قوى 8 آذار ومن إيران وحزب الله ونظام بشار الأسد، علما أن التحالف ما كان ليتم لولا الجهود التي بذلها السفير السعودي في بيروت.
يروي أصدقاء للوزير العصامي أشرف ريفي المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي أنه عاش كل حياته العسكرية سياسيا من الطراز الرفيع، وعندما قرر خوض العمل السياسي استعاد بزته العسكرية واشتغل بروح المقاتل المبدئي، الذي لا تعنيه حسابات الربح والخسارة وفلسفة المصالح العامة والتزام التكتلات الكبرى في زمن العواصف التي تضرب المنطقة.
سُئل السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري عبر قناة تلفزيونية محلية عن موقف بلاده من الرئيس سعد الحريري، فبارك خطواته السياسية وعودته إلى ممارسة نشاطه السياسي من داخل بيروت، ووصفه بأنه زعيم السُنة في لبنان، وذلك في تصريح قيل بأنه خُصّص لحسم الجدل حول خيارات الحريري الانتخابية في الاستحقاق البلدي، ولا سيما في طرابلس، ما شكل صفعة لجمهور الجنرال ريفي الذي يعتبر نفسه صوت الدفاع الأول في المدينة عن محور الاعتدال العربي بقيادة السعودية.
كيفما حلّت نتائج انتخابات بلدية طرابلس بعد يومَين، لكن أشرف ريفي أثبت شجاعةَ مواجهة سعد الحريري الذي تبرأ منه عندما قال بعد الانسحاب الشهير لريفي من جلسة مجلس الوزراء، اعتراضا على ما اعتبره إجحافا بحق شهداء فريق 14 آذار: "موقف الوزير ريفي لا يمثلني ولا يزايدنّ أحد علينا بقضية اغتيال وسام الحسن أو محاكمة ميشال سماحة، فكلّ من ارتكب جريمة سينال عقابه". ومواجهة الحريري اليوم في طرابلس مُغرية وكان ينتظرها الرئيس نجيب ميقاتي بفارغ الصبر، وهو الأول بالصوت السُني في المدينة وفق آخر انتخابات نيابية، لكن ميقاتي فضّل الربحَ السياسي على الفوز بكامل المجلس البلدي، واكتفى بتسمية الرئيس وثلث الأعضاء، فالرئاسة هي التي تهم ميقاتي بالدرجة الأولى والسّعودي لا يُمانع.