نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدّثت فيه عن الممارسات والأساليب التي اعتمدتها الحكومة
العراقية والنظام السوري للظهور بصورة المُنقذ، عبر السماح بتمدد
تنظيم الدولة في مناطق معينة لاستجلاب دعم المجتمع الدولي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن
سوريا استحوذت على انتباه المجتمع الدولي حينما أعادت قوات النظام السوري، حليفة روسيا، سيطرتها على مدينة "
تدمر" بحجة الدفاع عن التراث العالمي. إلا أن مثل هذه الممارسات تهدف بالأساس إلى التأثير على الرأي العام، وغضّ الطرف عن الحقائق.
وذكرت الصحيفة أن تنظيم الدولة احتلّ مدينة تدمر في أيار/ مايو سنة 2015 دون أن يواجه أي ردة فعل جاد من طرف قوات النظام السوري، بل على العكس انسحبت قوات الأسد من المدينة دون مقاومة، وعمدت حتى قبل بدء العملية العسكرية إلى نقل السجناء والمعتقلين من سجن تدمر، أحد أشهر سجون نظام الأسد، إلى مكان غير معروف. وبعد حوالي عشرة أشهر، تمّت السيطرة على قلعة الصحراء من جديد ليظلّ الأسد "رمزا لنظام دمشق" في عيون المجتمع الدولي.
وأشارت الصحيفة إلى أن عمليات الكر والفر بين قوات النظام السوري وعناصر تنظيم الدولة لم تكن الأولى من نوعها، ففي حزيران/ يونيو 2014، أي قبل أيام من إعلان "الخلافة"، تمكن تنظيم الدولة من الاستيلاء على مدينة "تكريت" العراقية دون مقاومة. أما الهزيمة التي لحقت بالقوات العراقية إثر خسارة الموصل، فقد كانت بمثابة "ناقوس" الخطر الذي ينذر بفتح الطريق أمام هذه الجماعات للوصول إلى العاصمة العراقية، بغداد.
وبالتالي سارعت وسائل الإعلام الدولية، والبعثات الدبلوماسية، والقوات الأمريكية والإيرانية بالوقوف إلى جانب "القوات الحكومية في بغداد" ضمن حرب بالوكالة، ليتم الاحتفال في أيار/ مايو سنة 2015، بالجهود الدولية الموحدة لاستعادة المدينة الرمز "تكريت"، وإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة.
وأضافت الصحيفة أن هناك عددا من المغالطات التي اعتمدتها القوى الكبرى، خاصة حينما حذر النظام السوري والعراقي من إمكانية وصول عناصر تنظيم الدولة إلى العاصمتين، دمشق وبغداد. فقد أخفت "صرخات الذعر" وراءها العديد من الحقائق الهامة، لعلّ أبرزها أن الاستيلاء على مدينة يقطنها بضعة آلاف من السكان لا يمكن مقارنته بنشوب معارك على مشارف عواصم الدول التي تحتوي على أعداد كبيرة من القوات، فضلا عن البنية التحتية العسكرية.
لذلك، إذا كان فقدان مدُن رمزية مثل "تكريت"، مسقط رأس صدام حسين ومعقل نظامه، و"تدمر" مهد الآلاف من المعالم الأثرية، يثير مخاوف جدية، فلا بد من الاعتراف بالحقائق التي تؤكد أن هذه المدن لا تفتح أية طرق من شأنها أن تساهم في وصول عناصر تنظيم الدولة إلى كل من دمشق وبغداد.
وأفادت الصحيفة أنه بالنسبة لمحرري هذه المناطق، فإن أي انسحاب لتنظيم الدولة وأي إضعاف لقوته هو موضع ترحيب. لكن، هزيمة هذا التنظيم لا تعني بالضرورة انتصار أولئك الذين يسعون إلى منع وقوع هجمات جديدة، والذين يحاربون صعود تنظيم الدولة.
وهذه المفارقة تعتمد إلى حد كبير على الشركاء الإقليميين الذين يتم اختيارهم للمشاركة في هذه الحرب، فالسيناريو دائما ما يعيد نفسه، سواء في دمشق أو في بغداد، حيث لطالما تبين فشل الدولة المركزية مقابل تقدم مليشيات يحركها قائد ويشارك فيها أفراد يوحدهم شعور التضامن وتدفعهم الحمية المذهبية، في إشارة إلى المليشيات الشيعية التي يعتمد عليها النظامان السوري والعراقي في المعارك.
ونقلت الصحيفة أن استخدام المليشيات لم يزد إلا من حجم الدمار والأضرار التي لحقت بالسكان المحليين، كما أن هذا الدعم "المتهوّر" للمليشيات لا يمكن إلا أن يساهم في دعم آلة الدمار التي ينشرها كل من النظام السوري والعراقي في كافة أرجاء المنطقة، والتي قاما من خلالها بانتهاكات عديدة، ومنها استخدام البراميل المتفجرة.
وهذه الاستراتيجية أدت في نهاية المطاف إلى إفراغ المدن من سكانها؛ حيث أن حوالي عشرات الآلاف في مدينة "تدمر" قرروا ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى، كما يظهر ذلك أساسا من خلال الأنقاض، بالإضافة إلى عمليّات النهب المكثفة التي لحقت المواقع الأثرية خلال سنتي 2012 و2015، أي خلال سيطرة قوات النظام السوري على تدمر، وفق ما أفادت به عضو بعثة اليونسكو، أني سارتر.
وذكرت الصحيفة أن هذه الأحداث ما هي إلا دليل على التكتيك الذي يستخدمه النظامان السوري والعراقي، حيث أصبحا يسمحان للجماعات المتطرفة بالتوسع في مناطق شاسعة حتى تؤثر في الرأي العام، عبر الإشارة إلى الخطر المحدق الذي تمثّله هذه الجماعات.
كما تعمد هذه الأنظمة إلى التلويح بأن الموروث الإنساني سيكون مصيره الزوال، ما يدفع الرأي العام إلى غض الطرف عن الحقائق وتغييب التفكير المنطقي والعقلاني؛ الذي من الممكن أن يصل إلى حد الاعتقاد بأن هذه الجماعات المتطرفة يمكن أن تكون جزءا من الحل الذي سيؤدي في النهاية إلى وقف هذه الحرب.
وفي الختام، بينت الصحيفة أن حالة اليأس بين سكان الشرق الأوسط تعود إلى سببين رئيسيين؛ أولها هو إيمان قادتهم بالحل الفوري، أي أن بقاءهم على قيد الحياة يستحق كل هذه التضحيات. في المقابل، الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي لا تهتم بالتغيرات المحلية التي تطرأ في هذه الدول إلا عندما تتأثر مصالحهم.