نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا للكاتب ريتشارد سبنسر، نقل فيه عن مسؤولين قولهم إن
تنظيم الدولة في غرب
العراق بات محاصرا، حيث بدأ الناس يثورون ضده، والقوات الحكومية تحاصره.
ويشير التقرير إلى أنه في
الفلوجة، التي كان ينظر إليه سابقا على أنها أكثر المدن العراقية تأييدا للجهاديين، اضطر تنظيم الدولة إلى التعامل مع ثورة صغيرة بدأت في طابور لشراء الخبز، وانتشرت إلى ثلاث مناطق، وانتهت بسلسلة من الإعدامات، وفي بلدة هيت إلى الغرب، قال أحد قادة القبائل إن قريبا له هرب بعد أن قام بقتل ستة مسؤولين من تنظيم الدولة؛ ردا على إهانة وجهت إليه.
وتستدرك الصحيفة بأنه من الصعب التأكد من صحة تلك الروايات؛ لأن التنظيم يمنع الناس من مغادرة البلدات التي يسيطر عليها، مشيرة إلى أنها تتماشى مع القصص التي يرويها اللاجئون من مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة في
سوريا، حيث يذكرون أن التنظيم يتدخل في حياتهم اليومية، بالإضافة إلى حاجته للتجنيد محليا، ما يزيد من حالة الاستياء.
وينقل الكاتب عن شيخ قبائل البونمر، حكمت الكعود، قوله من هيت: "إنهم يعتدون على عائلاتنا ويضايقون النساء، وأي امرأة تعجبهم يقومون بأخذها والزواج منها"، وأضاف أن "أحد أبناء القبيلة، الذي لا يزال يعيش في هيت، لم يتحمل وقتل ستة من قيادات تنظيم الدولة، كلهم من الأجانب وليس منهم عراقيون عرب، واستطاع أن يهرب ويتصل بنا، وهو لا يزال هاربا".
ويلفت التقرير إلى أن عائلة الكعود تقود قبيلة البونمر، وهي إحدى القبائل السنية المعروفة التي قاتلت ضد تنظيم الدولة، وتعرضت لمذابح على يد التنظيم، مشيرا إلى أن مدينة الفلوجة مختلفة، فقد كانت حاضنة للجهاد منذ أن ثارت ضد الاحتلال الأمريكي البريطاني في 2004، وكانت المدينة الأولى التي تستقبل تنظيم الدولة في بداية عام 2014.
وتكشف الصحيفة عن أنه حتى الفلوجة بدأت تنقلب ضد تنظيم الدولة، بحسب رئيس بلديتها عيسى العيساوي، الذي يقول من منفاه في بغداد: "رجال تنظيم الدولة يتجولون في المدينة مسلحين، بينما كانوا قبل ذلك مرتاحين ويتنقلون دون سلاح".
ويذكر سبنسر أن المدينة محاصرة من الجهات كلها، بعد أن قام الجيش العراقي باستعادة الرمادي العام الماضي، التي تقع غرب الفلوجة، لافتا إلى أن ذلك كان تحولا عسكريا تفاخرت به القيادة العسكرية الغربية، حيث قالوا إن جهودهم في إعادة تدريب الجيش العراقي بدأت تثمر.
ويقول العيساوي للصحيفة إن الإمدادات الغذائية للبلدة باتت شحيحة جدا، بالإضافة إلى أن هناك تقارير بوفاة البعض بسبب الجوع، مشيرا إلى أن تنظيم الدولة لا يسمح لمن تبقى من 60 إلى 70 ألف مواطن بالنزوح إلى خارج المدينة.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن الشيخ عماد الجريسي، قوله إن مشاعر الناس ثارت عندما حاول مريضان بالسكر المغادرة إلى بغداد للعلاج، ورفض التنظيم ذلك، وتوفي المريضان، واختلف رجل كان يصطف على طابور للخبز في منطقة الجولان مع مقاتلين من التنظيم يقومان بضبط عمل الفرن، فقام الرجل بطعن العنصرين بسكين، فقاما بإطلاق النار عليه في الشارع فأردياه قتيلا.
وتنوه الصحيفة إلى أن قبيلة الجريسي تقوم بتشغيل الكثير من الدكاكين المحلية، وبحسب مصدر على معرفة بالبلد، فإن الناس منزعجون من الضرائب المفروضة من التنظيم، مبينة أنه بعد الحادث بفترة قصيرة، خرج رجال آخرون إلى الشارع ومعهم بنادق كانوا قد أخفوها، وبدؤوا بمهاجمة مقاتلي تنظيم الدولة.
ويذكر الكاتب أن هناك تضاربا حول عدد الضحايا، مستدركا بأن الجريسي يقول إنه قتل حوالي 25 مقاتلا من تنظيم الدولة، بالإضافة إلى عدد من المواطنين، بينما قال آخرون إن الخسائر لم تتجاوز الإصابات بجروج، لكن هناك عدد من الروايات التي تقول إن الاقتتال انتشر إلى منطقتين مجاورتين، قبل أن يغرقهما التنظيم بمقتاليه. ويقول العيساوي إن التنظيم قام باعتقال حوالي مئة رجل، وأعدم ثمانية، بينهم اثنان يعرفهما.
ويعلق التقرير بأنه من الصعب التأكد من تفاصيل القصة، فقد تكون بها مبالغة من الشخصيات المحلية، التي لديها ضغائن شخصية وتاريخية مع التنظيم، مؤكدا بأنه رغم ذلك، فإن تراجع التنظيم في سوريا واضح للعيان.
وبحسب الصحيفة، فإن التنظيم لم يتقدم منذ العام الماضي، حيث احتل كلا من الرمادي وتدمر في سوريا، ومنذ ذلك الحين عانى التنظيم من خسائر في المساحات التي يسيطر عليها، وخسائر في مصادر التمويل، ونقص في الرجال بسبب الغارات الجوية.
ويفيد سبنسر بأن مبعوث أمريكا لتحالف محاربة تنظيم الدولة برت ماكغيرك، قال الأسبوع الماضي إن العدد الكلي لمقاتلي تنظيم الدولة تراجع لأول مرة إلى ما بين 19 إلى 25 ألف مقاتل في سوريا وفي العراق، لافتا إلى أن هذا يتماشى مع ما يقوله اللاجئون الفارون، بأن تنظيم الدولة يحاول الضغط على المواطنين للانضمام له.
ويلفت التقرير إلى أن قيادات الأنبار المؤيدة للحكومة التقت برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وحثته على الهجوم على الفلوجة، التي كانت تعد سابقا صعبة، ويجب تركها إلى آخر الجولات، حتى ربما بعد استعادة
الموصل، مشيرا إلى أن المسؤولين العسكريين الغربيين قالوا إن الاحتمال الأكبر هو اتباع استراتيجية أطول أمدا، عن طريق تنظيف مناطق التنظيم، مثل هيت، لقطع الموصل عن الأنبار وعن سوريا.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم الحديث عن هجوم قريب على الموصل، إلا أن القليل يعتقد بأن محاولة جادة لاستعادة الموصل ستتم قبل نهاية العام، على أحسن تقدير، ويقول عضو البرلمان العراقي والمتحدث باسم الحشد الشعبي، الذي يمثل الشيعة الذين تدعمهم إيران، أحمد الأسدي، إنه يمكن استعادة الفلوجة بسهولة وبسرعة لو كان هناك قرار سياسي.
ويورد الكاتب أن قوات الحشد الشعبي قامت بالسيطرة على مساحات شاسعة من بغداد إلى الطريق المؤدي إلى الموصل في الأسابيع الأخيرة، وسيطرت على مناطق كبيرة من الصحراء، خلال ثلاثة أيام الأسبوع الماضي، مستدركا بأن الأسدي أكد أنهم منعوا من الوصول إلى الفلوجة؛ بسبب الضغط الذي وضعته أمريكا على الحكومة بأن تستخدم فقط الجيش الرسمي والمتطوعين من القبائل السنية المحلية للهجوم، الذين ليسوا مستعدين بعد للقيام بالهجوم، "لكننا جاهزون لتحرير الفلوجة الآن".
ويشير التقرير إلى أن التحالف الغربي يصر على أن يتم تحرير الأنبار، وربما الموصل، عن طريق القوات العراقية الرسمية والمقاتلين المحليين، وليس عن طريق المليشيات الشيعية، التي اتهمت بأنها اعتدت على المدنيين.
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن هذا قد يعني المزيد من التفجيرات الانتحارية والاشتباكات بين المواطنين وتنظيم الدولة، بالإضافة إلى ترك أهالي الفلوجة جوعى، وقال أحد المواطنين الذين لا يزالون في المدينة على الهاتف: "المدينة محاصرة، وليس لدينا طعام ولا كهرباء ولا ماء، ونقصف كل يوم، بيتي أصيب بالقصف، ولا نملك السيطرة على شيء".