كل العواصم المعنية مباشرة باتخاذ موقف حقيقي من عملية اغتيال
سمير القنطار صمتت وتُرك الكلام لولي الدم، حزب الله، الذي حمّل الكيان الصهيوني "يقينا" مسؤولية قتل عميد الأسرى اللبنانيين، بإطلاق "طائرات العدو الإسرائيلي صواريخ دقيقة ومحددة" على منزل ببلدة جرمانا في ريف دمشق، اعتمده القنطار سكنا سريا منذ مشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري ضمن تشكيلات المليشيات الشيعية المساندة له.
دمشق النظام بدت متخبطة وعاجزة عن صياغة خبر موحَّد لوسائل إعلامها حول الاغتيال، حتى إنها لم تستَل من أرشيفها بيان "اللازمة" حول حق الرد، فأحالته إلى السيد حسن نصرالله الذي أحال الردّ بدوره إلى الزمان والمكان المناسبَين.
طهران اكتفت ببيان استنكار، دعا إلى تعميم الحالة الاستنكارية على حكومات العالم ومنظماته الدولية، وندّد بانتهاك السيادة "البِكر" للدولة السورية، لكنه لم يتوعد "إسرائيل" بأي رد فعل، علما أن إيران باتت اليوم عمليا دولة مجاورة للكيان الصهيوني من بوابتي الجولان السوري وجنوب لبنان، لكن "القتال ضد المعارضة السورية أوجب من قتال الكيان الصهيوني في فلسطين، وإن التطوع لقتال المسلحين في
سوريا ثوابه وأجره عند الله أكبر من التطوع لقتال إسرائيل"، كما صرح بذلك مؤخرا عضو مجلس خبراء القيادة الإيراني رجل الدين عباس كعبي.
تل أبيب اغتبطت بإسالة دماء المقاوم "الفلسطيني" السابق الذي قبع في سجونها ثلاثين عاما، لكنها لم تؤكد مسؤوليتها عن عملية الاغتيال كما لم تنفِ، وهو سلوك إعلامي اعتاد الاحتلال على اتباعه في العديد من عمليات التصفيات الجسدية السابقة التي تورطت بها أجهزته العسكرية.
أما موسكو التي هدد رئيسها قبل أيام قليلة تركيا في حال تحليق طيرانها في الأجواء السورية المُصانة بصواريخ آس 300 وآس 400 الروسية، فلم تكتفِ بإطباق فمها على إدانة قتل سمير القنطار، بل بادر رئيسها فلاديمير بوتين إلى الاتفاق مجددا على التنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على "تنسيق جهود البلدين لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط"، وذلك خلال اتصال هاتفي بين الرجلين أعقب عملية الاغتيال، ما ترك انطباعا بأن تصفية القنطار تأتي في سياق مكافحة الإرهاب المزعوم، وربما تكون باكورة أعمال الحلف العسكري الروسي الإسرائيلي الجديد الذي تكرس قبل ثلاثة شهور، بتأسيس لجنة تنسيق عسكري مشتركة برئاسة نائبي قائدي القوات المسلحة في كلتا الدولتين.
لكن لماذا تقتل "إسرائيل" مقاوما سابقا على حدود كيانها؟ يجيب الأمين العام لحزب الله فيقول: "التهديد الإسرائيلي للقنطار كان دائما وقائما منذ إطلاق سراحه بموجب صفقة تبادل العام 2008"، موضحا أن "هذا كان قبل أي كلام عن مقاومة شعبية في الجولان أو بدايات عمل مقاوم.". ويرى الخبراء المتخصصون في الشأن الإسرائيلي أن العقيدة العسكرية لجيش الاحتلال تقضي بملاحقة أي مقاوم للصهيونية في أي مكان أو زمان مُتاحَين، حتى ولو ترك فِعل المقاومة فالعقاب يكون لما سبق.
لكن ألا تشكل عملية الاغتيال الإسرائيلية في قلب سوريا إحراجا كبيرا للرفيق الروسي؟ سؤال سهّل الإجابة عليه الاتصال الهاتفي "الإكسبرس" بين بوتين ونتنياهو، حيث بدا الأول مرتاحا تماما لسلوك الثاني أو غير عاتب على الأقل، فمشروع الحلف الروسي الصهيوني الجديد أقوى من أن تهزه عملية هنا أو اختراق هناك، خصوصا وأن موسكو أكدت مرارا تفهمها هواجس تل أبيب الأمنية والعسكرية وسعيها الدائم لمكافحة "الإرهاب".
هل أخطرت تل أبيب موسكو مسبقا بالعملية؟ سُئل الناطق الإعلامي باسم الروسي ديميتري بيسكوف فأجاب ببرودة: "يجب إحالة هذا السؤال إلى الزملاء العسكريين". بينما رأى المحلل السياسي المعروف والمقرب من الاستخبارات الروسية فيتشسلاف ماتوزوف في حديث صحفي، أنه "لا يمكن أن تتورط موسكو في هذه المغامرة لا استخباراتيا ولا عسكريا".
في الخلاصة وكيفما كانت درجة التنسيق المسبق حول العملية، فمن السذاجة نفيُ جميع مستوياتها، لأن في ذلك نعيا لمنظومة الصواريخ الروسية التي يزهو بها قيصر موسكو، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا التنسيق المسبق قد بلغ القمة أو تناول التفاصيل. وثمّة من يعتقد أن "إسرائيل" حاولت باختيارها نوعية الهدف "المحسوب على طهران"، ومكان تنفيذ الضربة قرب دمشق اختبار نوايا
روسيا تجاه التعاون العسكري المشترك، ونجح الروس في اختبار الإسرائيليين الذين لن يتوقفوا -على الأرجح- عن إجراء اختبارات الوُدّ الدورية.