وصف الصحفي الفرنسي نيكولا هينين، الذي اعتقل لدى
تنظيم الدولة لمدة عشرة شهور، مسلحي تنظيم الدولة بـ"الصراصير"، وأنه "مظهر للشر"، مشيرا إلى أن الغرب "سقط أخلاقيا" في التعامل مع تنظيم الدولة.
وأشار هينين، في مقال له على صحيفة "القدس العربي"، إلى هجمات باريس التي قتل بها 130 شخصا، موضحا أنه "لم أكن أتخيل أن أراها تجري تحت نوافذي بوصفي صحفيا أغطي الصراعات منذ أكثر من عشر سنوات".
وانتقد هينين، الذي أصدر مؤخرا كتاب "أكاديمية الجهاد"، تعامل الغرب مع الحادثة، قائلا إن الغرب "أهدى للإرهابيين انتصارهم"، معتبرا أن "النجاح الحقيقي لعملية ما لا يتوقف على الإرهابيين، بل على ضحاياهم، وقد قدمت لنا الإدارة الأمريكية مثلاً رائعا في رد فعلها على 11 أيلول: غزو أفغانستان والعراق (الذي سيغدو مهد تنظيم الدولة)، وفتح غوانتانامو وقانون توحيد وتعزيز أمريكا بالكشف عن الإرهاب وصدّه (Patriot act)".
وتابع هينين بقوله: "لا بد للمرء من أن يكون كامل الغباء كي يتصور أننا عاقبنا بن لادن والقاعدة بغزونا أفغانستان والعراق، وعلى العكس: فالنجاح الحقيقي لـ 11 أيلول، ليس انهيار برجي التجارة العالميين في نيويورك، بل غزو هذين البلدين، ذلك أن ضحية الإرهابيين هو الذي أهدى الانتصارَ إلى المُعتدي".
ودعا الكاتب الفرنسي للتذكير "بدروس انحرافات إدارة بوش ـ الجيوسياسية والأخلاقية ـ في اللحظة التي ندعى فيها إلى الردِّ على العمليات الإرهابية الأخيرة وإلى مقاومة خطر الإرهاب المتفاقم"، متسائلا: "ما الذي يتمنى عدونا أن نفعله؟ أي استجابة من قبلنا يمكن أن تسعده؟"، موضحا أن عمليات 13 تشرين الثاني/ نوفمبر ارتكبت لأنَّ تنظيم الدولة يتمنى أن يرانا نقتل المسلمين، ويريد أفراده التحريض على تصعيد عسكري في
سوريا".
وقال هينين إنهم "يتمنون أيضا إثارة الفوضى، بل المواجهــــات مع المسلمين الذين يعيشون في الغرب، كما أنهم يعتبرون أنه ليس للمسلم أن يعيش في مجتمع غربي، وأن العالميْن لا يستطيعان التعايش، وكل دعايتهم، القائمة على ضرب من استعادة (الكبرياء الإسلامية)، هي في الحقيقة مجرد احتيال: فتنظيم الدولة يتمنى أن يقتل الغربُ المسلمين كي يستطيع تبرير معركته".
وأوضح هينين أن هدف تنظيم الدولة "هو الإرهاب لحملنا على الخوف، لكي يفرض نفسه على البرنامج السياسي، لكي ننسى ما هو عادل وأخلاقي، ولكي لا نهتم إلا به، ولكي نتصرف وقد سيطر علينا الخوف ضد مصالحنا، ضد المنطق"، مشيرا إلى أن من الخطأ اعتبار أن "تنظيم الدولة هو الشرّ".
وأوضح هينين أن تنظيم الدولة ليس هو الشر، لكنه "مظهر للشر"، متابعا بقوله: "تصور صديقا يأتي لرؤيتك ويشكو من أن مطبخه حافل بالصراصير، ويطلب مساعدتك لكي يقضي عليها، فتذهب وتتحقق من أن المطبخ مقرف، فالجدران مغطاة بالدهون. والأرض ملأى ببقايا الطعام الفاسد، فتجيب صديقك، مطبخك ليس وسخا، إنه مقرف فقط".
وأضاف: "إما أن نقوم باالتنظيف، وننظف بالمياه، فتختفي الصراصير وحدها بسرعة كبيرة، أو أن نركض وراء الصراصير، ونصطادها، ونسمّمها. ولكن طالما بقي المطبخ وسخا فإنه سيتوجب علينا الاستمرار في ملاحقتها"، موضحا أن "داعش ليس إلا الصراصير، وقذارة الشرق الأوسط، هي سلطوية النظم التي لا تملك إلا العنف كي تبقى في مكانها، وإنها طائفية النظام التي تدفع بالناس إلى أن يعرفوا بأنفسهم بحسب دينهم بدلاً من مواطنيتهم".
وحول العمليات الأخيرة ضد تنظيم الدلة، قال هينين إن "الغرب زاد من وتيرة هجومه العسكري ضد تنظيم الدولة، ولا أدافع عن التخلي عن الوسائل العسكرية التي يجب أن تؤلف جزءا من مجموعة الإمكانات تحت تصرف الدول، ولكنها في إطار استراتيجية مضادة للإرهاب، لا يجب أن تمثل إلا جزءا صغيراً جدا من الوسائل المستخدمة".
واعتبر هينين أن "المشروع السياسي اليوم مشروع مستحيل التحقيق، نظرا إلى استحالة التوفيق بين المواقف، وإنَّ حماية المدنيين هي الأولوية التي يجب أن يتبناها العالم على المدى القريب"، لافتا إلى أنه من "الوقاحة أن يغمض العالم الذي عبر عن تضامنه العميق مع الفرنسيين بعد العمليات الإرهابية في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، عينيه عن 200 ضحية يوميا بفعل الصراع السوري منذ أكثر من أربع سنوات. وغير أخلاقية أيضا نداءات بعض السياسيين لتغيير المواقف الدبلوماسية وإعادة تأهيل النظام السوري الذي يقف وراء حوالي 90% من الضحايا المدنيين منذ بداية الصراع".
وحول الخطوات العملية، فقد دعا هينين لتشكيل مناطق آمنة في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، معتبرا أن ذلك "مدمر لداعش، ومواس للديمقراطيين السوريين الذين يناضلون ضد طغيانين مماثلين".
واختتم هينين بقوله إن "عنف قمع الثورة هو الذي حرض على تجذير المواقف، ويمكن لتوفير الأمن، بالإضافة إلى تأثير المساعدات الإنسانية وتوطين اللاجئين أن يسمح للسوريين أخيرا بأن ينظروا للمستقبل وأن يستحوذوا على الفضاء اللازم من أجل امتلاك مشروع سياسي"، داعيا لإتاحة الفرصة أن يكفوا عن الخوف على حياتهم كل صباح حين يستيقظون، وسوف ينهار داعش مثل قصر كرتوني، بحسب تعبيره.