تمسك قادة أكبر اقتصادات العالم بهدف زيادة النمو اثنين بالمئة بحلول 2018، رغم استمرار تفاوت النمو وضعفه عن المتوقع عالميا.
وقال قادة مجموعة العشرين في بيانهم الختامي الاثنين، بعد انتهاء أعمال قمتهم في
تركيا، إنهم "أقروا خططا لمعالجة أزمة اللاجئين والضرائب وتغير المناخ والأمن الإلكتروني وعدم المساواة"، في مؤشر على استعداد المجموعة المتزايد لتوسيع نطاق اهتمامها، بحيث لا يقتصر على المشكلات الاقتصادية الأساسية.
وقال القادة: "ما زلنا ملتزمين بتحقيق هدفنا الطموح لزيادة الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة العشرين اثنين بالمئة بحلول 2018"، مضيفين بالقول: "يأتي في مقدمة أولوياتنا فاعلية وسرعة تنفيذ استراتيجياتنا للنمو، بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى دعم الطلب والإصلاحات الهيكلية".
وتابع القادة بأنهم "سيضبطون بعناية" قرارات السياسة، ويعملون على "توضيح فحواها"، في إشارة إلى حساسية الأسواق المالية التي شهدت اضطرابات حادة هذا العام؛ تحسبا لرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وأكد البيان الختامي -الذي لم يشهد تغيرا يذكر عن المسودة التي نشرت الأحد- على التعهدات السابقة بشأن سعر الصرف، والالتزام بمقاومة إجراءات الحماية التجارية.
لكن مندوبا واحدا على الأقل أشار إلى صعوبة تنسيق السياسات في ظل عدم استقرار النمو والتباين الحاد بين الاقتصادات.
وقال وانغ شياو، المبعوث الصيني الخاص لشؤون مجموعة العشرين للصحفيين: "نرى الاتجاهات الاقتصادية وسياسات الاقتصادات الرئيسية تسير في وجهات مختلفة، وأصبح من الضروري التنسيق بخصوص سياسات الاقتصاد الكلي"، مضيفا بقوله: "تتزايد أيضا صعوبة مثل هذا التنسيق. نرى التجارة تتراجع وأسعار السلع الأولية مستمرة في التذبذب. وهناك بعض التقلبات في الأسواق المالية".
قضية شائكة
وكان تباين السياسات النقدية موضوعا شائكا للأسواق المالية، ولصناع السياسات هذا العام، في ظل اتجاه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) لرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بينما تكافح بقية دول العالم لتحفيز النمو.
وعززت توقعات رفع الفائدة الأمريكية الدولار، وهو ما يضر غالبا بعملات الأسواق الناشئة.
وفي تناقض صارخ مع الولايات المتحدة، أكد البنك المركزي الأوروبي استعداده لتمديد أجل طباعة النقود لتعزيز النمو والتضخم الضعيفين في منطقة اليورو.
وأظهرت بيانات من اليابان الأحد أن ثالث أكبر اقتصاد في العالم دخل في حالة ركود في الربع الثالث من العام.
وأقر الزعماء سلسلة إجراءات لمواجهة التهرب الضريبي من جانب الشركات، لكن التساؤل يظل قائما عما إذا كانت الدول ستمضي قدما في تلك الخطط أم ستبقي على الثغرات التي يمكن أن تستغلها الشركات متعددة الجنسيات.
وتحرك القادة بفعل الاستياء العام الذي أطلقته تقارير بأن شركات عملاقة متعددة الجنسيات، مثل ستاربكس وجوجل لم تدفع ضرائب عن طريق استغلال الثغرات القانونية، أو حصلت على معاملة ضريبية تفضيلية من حكومات.
وفي مواجهة إحدى أكبر المشكلات الشائكة هذا العام، تعهد القادة باستجابة "منسقة وشاملة" لأزمة اللاجئين، ووعدوا بمساعدة اللاجئين في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل.
وأقروا هدفا لتقليص آثار تغير المناخ وإجراءات لمساعدة الاقتصادات النامية على تبني قواعد تنظيمية أكثر صرامة فيما يتعلق بالمناخ.
كواليس سياسية
إلى ذلك، أتاحت قمة مجموعة العشرين إحراز تقدم دبلوماسي حول سوريا، معقل
تنظيم الدولة، وأكد قادة العالم -الذين لم يستفيقوا بعد من صدمة اعتداءات باريس- توحيد جهودهم لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الصحافيين: "نحن موحدون ضد هذا التهديد"، مضيفا أن تنظيم الدولة "هو وجه الشر. وهدفنا تقليص هذا التنظيم الهمجي ثم تدميره".
وطوال القمة التي استمرت يومين في منتجع أنطاليا بجنوب تركيا، ندد رؤساء الدول والحكومات بالمسلحين الذين يوسعون نفوذهم في سوريا المجاورة، ووصفهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنهم "عبدة الموت".
وأثارت اعتداءات الجمعة في فرنسا موجة من التأييد والتعاطف، واعتبر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي مثل الرئيس فرنسوا هولاند في القمة أن "العالم أجمع يشعر بأنه قد يتعرض لهذا الأمر".
من الناحية الملموسة، لم تتخذ قمة مجموعة العشرين قرارا استثنائيا، ودعت أعضاءها إلى تعزيز تعاونهم؛ للحد من حرية تنقل
الإرهابيين، والتصدي للدعاية عبر الإنترنت، وتوسيع نطاق الملاحقة المالية للإرهابيين، وتعزيز الأمن الجوي.
وفي هذا السياق، كلف المشاركون مجموعة العمل المالية، وهي منظمة لمكافحة تبييض الأموال، أن ترفع لهم تقريرا في بداية 2016 حول التقدم الذي أحرز لجهة تجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
لكن ما شهدته الكواليس كان من دون شك أكثر أهمية، خصوصا أن القادة كثفوا لقاءاتهم الثنائية ومتعددة الأطراف.
ويمكن القول إن الزعماء ضربوا الحديد وهو حام بعد بضع ساعات فقط من التقدم الدبلوماسي الذي أحرز في فيينا، حيث توافق المفاوضون على جدول زمني لعملية انتقال سياسي في سوريا.
واللقاء غير المنتظر كان بين الرئيسين الأمريكي والروسي، باراك أوباما وفلاديمير بوتين، الداعم الوحيد لرئيس النظام السوري بشار الأسد ضمن مجموعة العشرين، ووصفت أوساط الرئيسين الاجتماع بأنه كان بناء رغم توتر العلاقات بين الرجلين.
وعلق أوباما، في إشارة إلى التقدم الذي سجل في فيينا: "أحرزنا في نهاية المطاف تقدما متواضعا على الصعيد الدبلوماسي".
كذلك، عقد قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا اجتماعا الاثنين خصص قسم كبير منه للملف السوري، وقال مسؤول في البيت الأبيض إن "القادة شددوا على أن مواصلة تعزيز العمل ضد تنظيم الدولة هو أمر ملح".
الخلاف على الأسد
ولكن رغم الأجواء المريحة المعلنة، فان بيان مجموعة العشرين حول الإرهاب غلب عليه الطابع العام، ولم يسم تنظيم الدولة تحديدا، علما بأن الخلاف بين الغرب وروسيا حول مصير الرئيس السوري لا يزال مستمرا.
وتصر موسكو على دعم بشار الأسد، إذ رأى فلاديمير بوتين أن اعتداءات باريس بمثابة تأكيد لضرورة عدم جعل تنحيه شرطا مسبقا لأي تحرك دولي واسع النطاق، الأمر الذي تطالب به الولايات المتحدة وأوروبا والبلدان العربية.
وصرح بوتين للصحافيين أنه "من الضروري" تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، مضيفا بقوله: "خلال دورة الأمم المتحدة احتفالا بالذكرى السبعين (لتأسيسها)، تحدثت تحديدا عن هذا الأمر، والأحداث المأسوية التي تلت ذلك أثبتت أننا كنا على صواب".
واعتبر الرئيس الروسي أن "فرنسا هي إحدى الدول التي تبنت موقفا متشددا حيال رحيل الأسد شخصيا، لقد سمعنا مرارا من أصدقائنا الفرنسيين أن حل مسألة رحيل الرئيس الأسد شرط مسبق لأي تغييرات سياسية"، متسائلا: "ولكن هل حمى هذا الأمر باريس من اعتداء إرهابي؟ كلا"، مطالبا الفرنسيين ضمنا بالعودة عن تصلبهم.
من جهته، أعلن فرنسوا هولاند من باريس أنه سيلتقي "في الأيام المقبلة الرئيس أوباما والرئيس بوتين؛ لتوحيد قوانا، وبلوغ نتيجة لا تزال إلى الآن بعيدة المنال".
وانطلقت فعاليات قمة مجموعة العشرين، الأحد، في ولاية أنطاليا، جنوبي تركيا، مع استقبال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، زعماء وقادة المجموعة، واختتمت أعمالها مع صدور البيان الختامي مساء الاثنين.
وتمثل دول مجموعة العشرين 90 بالمئة من الاقتصاد العالمي، و80 بالمئة من التجارة الدولية، وثلثي سكان العالم. وبدأت المجموعة في تنظيم اجتماعاتها على مستوى القادة، منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.