حالة غير مسبوقة من الخوف والترقب تخيم على سكان العاصمة
اليمنية صنعاء، مع توارد الأنباء عن قرب "معركة تحرير" العاصمة من قبضة
الحوثيين.
وتطمح قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، والجيش الوطني الموالي للحكومة الشرعية، أن تحل الذكرى الأولى لسقوط صنعاء في قبضة الحوثيين، يوم 21 من الشهر الجاري، وقد باتت العاصمة محررة.
وفيما لم تعلن السلطات الشرعية في اليمن، عن موعد محدد لـ"معركة تحرير صنعاء" التي تقرع طبولها منذ أسابيع، إعلاميا، فقد قال وزير خارجيتها رياض ياسين، في تصريحات صحفية من العاصمة المصرية القاهرة الأسبوع الماضي، إن "هناك مؤشرات فعلية ملموسة عن قرب تحقيق الحسم في العاصمة صنعاء".
وقبل ذلك، قال المتحدث باسم الحكومة، راجح بادي، إن حكومته "تسعى لتحرير كل اليمن من الحوثيين، وبسط هيبة الدولة على كامل أراضي الوطن".
والسبت الماضي، قال اللواء عبدالرب الشدادي، قائد المنطقة الثالثة المتمركزة في مأرب، في تصريحات صحفية، إن "الحسم بات قريبا، وإن الجيش سيكون جنبا إلى جنب لتحرير محافظتي مأرب والجوف، والتقدم نحو العاصمة لدحر الحوثيين واستعادة هيبة الدولة" .
وخلال الأيام الماضية، تحدثت مصادر أمنية، وأخرى في "المقاومة الشعبية"، مفضلة عدم ذكر هويتها، عن وصول إمدادات عسكرية من قبل التحالف إلى محافظة مأرب.. إمدادات رأى فيها مراقبون دعما للقوات الشرعية لتحرير العاصمة.
وتمثلت تلك الإمدادات في هبوط ثماني مروحيات "أباتشي" في مطار "صافر" العسكري، ووصول قوة عسكرية برية كبيرة تضم عشرات المدرعات والدبابات وناقلات الجند، إلى منطقة صافر النفطية.
ووفق مراقبين، فإن الطريق المنطقي إلى صنعاء هو عبر مأرب، وفي هذا الصدد قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالله سليمان، في وقت سابق، إن "التحرك بمأرب سيكون في بيئة صديقة، حيث قبيلتا نهم وأرحب، المتاخمتين والمواليتين للقوى الداعمة للتحالف العربي على الأرض".
ومع وصول هذه الإمدادات إلى مأرب، فإنه يتزايد الهلع في نفوس سكان العاصمة، من معارك شبيهة جرت في مدن محررة بالجنوب، ستشرد أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
وفي الوقت الذي تتعرض فيه صنعاء لغارات جوية متقطعة من قبل طيران التحالف، فإنها شهدت خلال الفترة الماضية هدوء نسبيا مقارنة بباقي المحافظات التي تشهد حرب شوارع بين "المقاومة الشعبية" الموالية للحكومة الشرعية والحوثيين، كتعز وإب، ما جعلها بمثابة "منطقة خضراء" لنازحين لجأوا إليها من تلك المحافظات.
وقوبلت الأنباء عن قرب تحرير صنعاء، بانتقادات واسعة من قبل مراقبين وسكان، خصوصا قبل الانتهاء من "معركة
تعز"، أو تثبيت الاستقرار في جميع المحافظات المحررة، جنوب البلاد، وهي: عدن، وأبين، والضالع، ولحج، وشبوة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي جمال حسن، أنه من الناحية الجيوغرافية، فالأَوْلى هو تحرير تعز ثم الحُديدة.
وقال حسن: "لا أدري ما إذا كان الإعلان عن قرب تحرير صنعاء، يهدف بدرجة أساسية إلى مناورة إعلامية تدفع مليشيا الحوثي وقوات صالح إلى تقديم تنازلات والموافقة على كافة الشروط التي وضعتها، أم على الأقل تقديم تنازلات أكبر".
وأضاف: "إذا أخذنا جوانب عقلانية في دفع المعركة ناحية صنعاء، فسنعيد السؤال: ما المغزى من ذلك؟ هل الاستراتيجية قطع رأس الثعبان؟ الأمر ليس بذلك التبسيط، فالعاصمة ما زالت إلى حد ما، تشكل ملاذا سكانيا لكثير من المدنيين، ومن الخطأ نقل الحرب إليها في وقت ما زالت فيه عدن وتعز غير جاهزتين أمنيا".
محمد المذحجي، أحد سكان العاصمة، قال: "كنا قد نزحنا إلى تعز عند اندلاع الحرب، لكن بعد اقتصار الضربات الجوية على أهداف ومواقع عسكرية يسيطر عليها الحوثيون وقوات صالح، فقد عدنا إلى صنعاء باعتبارها أفضل السيئين في اليمن، وقد نغادرها مجددا".
في أحد المولات التجارية بالعاصمة، تحدث عامل هناك عن حركة بيع وشراء نشطت في اليومين الماضيين.
وقال هذا العامل، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "هناك من بدأ بشراء احتياجات قد لا يجدها في موطن نزوحه من ملابس ومواد غذائية، وهناك من يراقب بحذر ويشتري خوفا من انفجار الوضع بشكل مفاجئ، وإغلاق الأسواق والمستودعات، كما حصل في تعز وعدن حيث لم يجد الناس ما يأكلونه".
وكما كانت الحرب "كارثية" في المحافظات المحررة، وعلى رأسها "عدن" التي تم تحريرها منتصف تموز/ يوليو، وستشهد احترابا ودمارا كبيرين يفوقان ما حدث في باقي المحافظات المحررة.
وبحسب تصريحات إعلامية أدلى بها وزير الإدارة المحلية، رئيس لجنة الإغاثة بمحافظة عدن، عبد الرقيب فتح، بعد تحرير المحافظة، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن كلفة المرحلة الأولى من إعادة إعمار المرافق الهامة قد تصل إلى مليار و150 مليون دولار.
ويرى الكاتب الصحفي، بشير عثمان، أن "ثلاثة ملايين مواطن يبحثون عن حلول من السياسة، ولا يريدون أن يكونوا مجرد ضحايا في الحرب، وأكثر ما يدفعهم لذلك معرفتهم بطبيعة وأخلاق المتحاربين".
وقال عثمان للأناضول: "الجميع ليس لديهم إحساس بالمسؤولية، الحوثيون غير معنيين بالمسائل الوطنية، ولا يبالون بالأرواح والنتائج كعهدنا بهم، الأمر متعلق هنا بالشرعية: هل أخذت احتياطاتها للنتائج المتوقعة وتداعيات معركة صنعاء، وكيفية مواجهتها؟".
ومضى قائلاً: "المتوقع هنا هو مئات الآلاف من النازحين، وآلاف الضحايا، وانهيار لكل القطاعات المالية والصحية والاقتصادية في البلاد، لذلك فإن الكلفة المتوقعة ستكون كبيرة جدا".
وبحسب تقارير حقوقية، وبيانات رسمية، فإن المعارك التي درات في عدن والضالع وأبين ولحج وشبوة، ولا تزال تدور في تعز، شردت أكثر من 600 ألف نازح من منازلهم.
وتوزع هؤلاء النازحون بين صنعاء وإب وحضرموت والأرياف والضواحي، داخل البلاد، وآخرون بين جيبوتي والصومال والأردن والسودان وماليزيا والسعودية.
وتتصدر مشاكل النزوح والتشرد، لائحة مخاوف الأهالي المطالبين بتجنيب العاصمة شبح الحرب، حيث بدأ البعض من هؤلاء بإطلاق مبادرات مجتمعية تطالب جميع الأطراف بالذهاب إلى حل سياسي، وعدم الاقتتال في العاصمة.
الباحث الإسلامي ومؤسس تنظيم "الشباب المؤمن" الذي انشق عن الحوثيين، محمد عزان، أطلق نداء لأطراف الصراع من أجل سلامة العاصمة وأهلها.
وقال عزان في بيان صحفي، تلقت الأناضول نسخة منه، مؤخرا: "نحن في أمانة العاصمة من مختلف المحافظات اليمنية، وأطياف الشعب، وتياراته، وأحزابه، ومنظماته، ومذاهبه وتكتلاته، وقبائله، نناشد أطراف الصراع، ومن معهم، ومن يقف وراءهم، أن يجنبوا أمانة العاصمة الحروب والفتن سواء باسم تحريرها، أو الدفاع عنها، فتحريرها لا يكون بتدميرها، والدفاع عنها لا يكون بتحويلها إلى ساحة للحرب ومَرْتع للفتنة".
وخاطب البيان، أطراف الصراع قائلا: "سكان العاصمة نحو ثلاثة ملايين، ولا شأن لمعظمهم بصراعاتكم على السلطة والنفوذ، ولا يتحملون تبعات أعمال القلة القليلة من أي تيار كانوا، ولا يرضون بقاء الحال في وضع اللّادولة" .
من جانبه، يرى عبدالملك الشرعبي، وهو من أبناء تعز الذين يقطنون صنعاء، أن "تفجير الحرب بصنعاء سيكون كارثيا على كافة اليمنيين، وربما دول الجوار التي ستواجه طوفانا من اللاجئين، كما هو حاصل في أوروبا حاليا".
وقال الشرعبي: "نزحت من صنعاء عقب اندلاع الحرب، وفي قريتي الصغيرة وجدت ثلاثة آلاف نازح لا يجدون مياه شرب نظيفة، أو مأوى ملائما، فقررت العودة باعتبارها منطقة آمنة نسبيا توفر كل شيء".
على الضفة الأخرى، يقلل الحوثيون والمقربون منهم، من الأخبار التي تتحدث عنها الحكومة الشرعية، عن قرب تحرير صنعاء، ويقولون إنها "محصنة".
وقال الإعلامي الحسن الجلال، وهو مقرب من الحوثيين: "التحالف يمارس عملية إرهاب نفسي ضد سكان العاصمة، بالترويج لنقل المعركة فيها، ومع ذلك فإنهم لن ينالوا ما يريدون".
أما ياسر العواضي، الأمين العام لحزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يتزعمه صالح، فقال في تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قبل ثلاثة أيام: "العاصمة صنعاء محروسة وبعيدة المنال لغير أهلها".
وأضاف العواضي: "اليمن صامد، وشعبه مقاوم وسوف ينتصر".
وفيما يعتبر الحوثيون وأنصار صالح، أن الأنباء عن قرب تحرير صنعاء "لا تخرج عن دائرة الحرب النفسية الإعلامية"، فقد بدأ مسلحوهم بالانتشار مزودين بعتاد ثقيل، على قمم الجبال المحيطة بالعاصمة وداخلها.
ووفق شهود عيان، فإن تحركات للحوثيين بدأت خلال الأيام الماضية، بحفر خنادق، ونشر مسلحين، ونقاط جديدة في الجبال والمرتفعات، وتحديدا جبال "مذبح" و"عصر" و"الخمسين" و"حزيز"، إضافة إلى معقلهم في "الجراف".
ومنذ 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، تسيطر جماعة "أنصار الله" المعروفة إعلاميا بـ"الحوثي" بقوة السلاح على العاصمة صنعاء.