حذر الفقيه الدستوري، المؤيد للانقلاب العسكري، شوقى السيد، من أن
مصر تعاني من فوضى تشريعية لم تعرفها في تاريخها الحديث بسبب كثرة التشريعات التي يصدرها رئيس
الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، ومن قبله عدلي منصور، منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، حتى تموز/ يوليو 2015 ، مقدرا أن عددها بلغ 409 تشريعات، بمعدل أربع تشريعات أسبوعيا، و17 تشريعا شهريا.
وقال السيد إن هذه السياسة التشريعية تعتبر كما هائلا ومفزعا، وتعكس اضطرابا وقلقا لحال التشريعات في مصر من حيث الكم، للإسراف في إصدارها، ومن حيث الكيف لآليات المناقشة والإصدار، كما تعرضها للخطر سواء عند العرض على مجلس النواب القادم خلال المدة المقررة دستوريا، أو الطعن فيها بعدم الدستورية لعدم تحقق شرط الاستعجال والخطر.
وشدد السيد -في مقال بجريدة "المصري اليوم"، الأحد- على أن "كل هذا الاضطراب التشريعي يعبر عن الخطر والقلق الذي ليس في مصلحة البلاد، ولا في مصلحة الرئيس، ولا في مصلحة الحكومة، ولا في صالح الشعب"، على حد قوله.
وأضاف أن ما يجرى في مصر (حاليا) مع غياب البرلمان، وإطلاق تصريحات لا تنقطع من اللجنة العليا للإصلاح التشريعي (لجنة حكومية)، ولجانها المختلفة، سواء في بيان إعداد المشروعات بقوانين المزمع إصدارها، أو بعد إصدار تلك التشريعات، يعكس اضطرابا تشريعيا في المجتمع ليس في صالح أحد، مشددا على أن الأمر خطير جدا.
وأوضح أنه "بأرقام هذه التشريعات والدراسة المقارنة يعتبر هذا العدد كما كبيرا وهائلا، لأن المعدل الذي درجت عليه السلطة التشريعية حتى مع وجود البرلمان، خلال السنوات 2000، و2006، وحتى برلمان 2010، لم يتجاوز متوسط إصدار التشريعات 168، و153، و140 تشريعا على التوالي، وكان هذا العدد وقتئذ مستهجنا، وكنا نصرخ ونقول عنها إنها تشريعات رد الفعل، والتشريعات السريعة، وتشريعات منتصف الليل"، وفق تعبيره.
في المقابل أشار "السيد" إلى أن هذا العدد خلال فترة غياب البرلمان في عامي 2013 حتى تموز/ يوليو 2015 وصل إلى 409 قرارات بقانون، الأمر الذي يعبر عن اضطراب وفوضى تشريعية وسوء فهم لحكمة التشريع وفلسفته، باستسهال اللجوء إلى التشريع للقضاء على المشكلات، كأن التشريع يملك عصا سحرية لمواجهتها، وللقضاء على المشكلة، حسبما قال.
وتابع أن حل المشكلات يتطلب دراسة أسبابها ومسبباتها، والوقوف على عمق جذورها، ثم اقتراح الحلول الفنية والسبل لمواجهتها، ثم يأتى بعد ذلك دور التشريع، لوضع هذه المقترحات والآليات موضع التنفيذ بأسلوب محكم وصياغة دقيقة، وفقا لمبادئ الدستور، وقواعد الصياغة.
حديث الأرقام
وفي مقاله قال الفقيه الدستوري إن عدد التشريعات الصادرة اعتبارا من تموز/ يوليو 2013 حتى تموز/ يوليو 2015، سواء أثناء فترة حكم المستشار عدلى منصور أو السيسي، أي خلال سنتين اثنتين فقط، بموجب قرارات بقوانين.. بلغ 409 قرارات بقانون، وكان آخرها القانون رقم 91/2015 الصادر بتاريخ 25 تموز/ يوليو 2015 بتعديل بعض أحكام المحكمة الدستورية العليا.
وأوضح أنه منذ تولي منصور مسؤوليته كرئيس مؤقت للجمهورية، في تموز/ يوليو 2013، كان أول قرار بقانون أصدره برقم 73/2013 بتاريخ 8/7/2013 بزيادة المعاشات وتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والمعاشات، وبلغ عدد القرارات بقوانين السابقة خلال عام الماضي 222 قرارا بقانون، أصدر خلالها منصور القرار بقانون حتى القانون رقم 51/2014 بشأن تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية بتاريخ 5 حزيران/ يونيو 2014، وكان ذلك آخر القرارات بقوانين التى أصدرها.
وأضاف أنه بعدها تولى الرئيس السيسىي رئاسة البلاد، وتولى سلطة التشريع استثناء لغياب البرلمان، وأصدر في 24 حزيران/ يونيو 2014 أول قرار بقانون رقم 52/2014 بتعديل بعض أحكام قانون الجامعات رقم 49/72، وبلغ عدد التشريعات خلال عام 2014 عدد 222 قرارا بقانون.
وأبدى اندهاشه من الرقم متسائلا: هل يتصور أحد منا ذلك.
أسباب الصدور غير مبررة
ووصف
شوقي السيد أسباب صدور تلك التشريعات بأنها غير مبررة، منتقدا استمرار غياب البرلمان، وعدم استكمال مقومات الدولة الديمقراطية، وغياب السلطة التشريعية ممثلة للشعب كله، واستمرار السلطة التشريعية الاستثنائية دستوريا من اختصاص رئيس الجمهورية، سواء من خلال اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، ومجلس الوزراء، ومجلس الدولة لمراجعة الصياغة.
وحذر من أن اللجنة العليا للإصلاح التشريعي تنظر في العديد من المشروعات، ما ينطبق عليه ذات الأوصاف والشكوك، ومن ذلك تعديلات
قوانين الاستثمار، والضرائب، وحماية المستهلك، والشركات المساهمة، وأكاديمية الفنون، والشباب والرياضة، وحماية نهر النيل، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية والتصالح، والكسب غير المشروع، حسبما قال.
وتساءل عن مصير مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذي أُعد في التو واللحظة عقب تصريحات السيسي، عند "استشهاد" النائب العام، المستشار هشام بركات، يوم 29 حزيران/ يونيو، أي منذ أكثر من شهر، وأثار الجدل حول حرية الصحافة، ثم تفاجأ بعدها بأن القانون قد اختفى حتى الآن.
وتابع أن ذلك الذي يجرى في البلاد، يكشف عن حالة الاضطراب التشريعي الذي يثير الفتن، ويسبب القلق والخلاف، سواء كان ذلك بمناسبة الإسراف الشديد في إصدار التشريعات في غيبة البرلمان، أو تلك التي تحدث ضجة عند طرحها للمناقشة على الرأي العام، ثم لا تلبث أن تختفي فجأة بعد هذه الضجة، على أهمية هذه التشريعات، وتوافر حالة الاستعجال بشأنها.
واستدرك بأن "الذي نراه حولنا من بيانات تصدرها اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، والإعلان عن مشروعات قوانين لمناقشتها ودراستها، منها ما هو ليس ضروريا، ويمكن أن ينتظر مجلس النواب القادم للدراسة والمناقشة، والمفاضلة وترجيح المصالح المتعارضة، بما يحقق الغايات التي يستهدفها التشريع، ومنها ما تطرحه اللجنة بتفصيلات مطولة على الرأي العام، بما يثير القلق والجدل، ثم بعدها قد يختفي التشريع".
واستطرد أنه من التشريع أيضا ما يصدر فجأة، ويثير الجدل والخلاف أحيانا، والتجاوز أحيانا أخرى، حتى إن البعض سرعان ما يتبرأ منه، بل ويعلن أصحاب المصلحة فيه أنه لا يعبر عنهم.
يُذكر أن شوقى السيد هو عضو مجلس الشورى على عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بالتعيين، وهو أحد رموز الحزب الوطني المنحل في النواحي القانونية، كما أنه معروف بعداوته للرئيس محمد مرسي، وللتيار الإسلامي، فضلا عن أنه أحد مؤيدي وداعمي الانقلاب العسكري.