قامت الدنيا في إعلام أم الدنيا بعد أن ظهر
مرسي من وراء القفص الزجاجي، ولوّح لأهله ومناصريه، تلويحة الصامد الصابر المستسلم لقضاء الله، وكان ذلك قبل يوم من مقتل النائب العام، رحم الله ضحاياه رحمة واسعة. الإعلام، الذي تبين أنه شامخ أيضا، مثل أخيه القضاء أولّها؛ إشارة إلى القتل، وعلامة الحرب على دولة السيسي الموقرة، وإنجازاتها مثل قناة السويس، وجهاز الكفتة!
لم يُشر مرسي بيده علامة الذبح، وهي علامة معروفة تمثل حركة المنشالا، ولا علامة المسدس، وهي الإبهام مع السبابة، ولا علامة المقص، وهي تحريك السبابة والوسطى ضما وفتحا.. كان يلوح فقط لا غير، يلوح يا ناس! اتهم مرسي بالتخابر الثاني، وهذه المرة مع شعبه، وجماعته، وأهله!، وليس مع قطر! فقام الإعلام الشامخ بإدانته. الرئيس الجذاب المنتخب بتلك النسبة 99 بالمائة، وهي نسبة مسجلة لدائرة الكذب والتزوير، استغل جريمة التلويحة الرومانسية، ونفض القضاة تلك "البهدلة" أمام الإعلام طالبا منهم "العدالة الناجزة" "الديلفري" "الفاست".. وهذ سابقة لم تحدث في العالم! سابقا كان محللو الزنا والقتل في إعلام النظام يقولون دفاعا عن حبس مرسي في قفص زجاجي: تركيا فعلت الشيء نفسه مع أوجلان، لكنهم الآن لهم سابقة حبسه وراء سور معدني عازل! وهي الأولى من نوعها، ولا نعلم كيف سيحاكمونه في الأيام القادمة؟ هل سيتحدثون معه بالهاتف من السجن؟
في الوقت ذاته تقريبا كان سيد المقاومة الحصري "اكسكلوسيف" و"ليمتد" يخطب في جماهيره، عن بعد، من وراء زجاج الشاشة، لكنه لم يكن أسيرا مثل مرسي، وجفّ حلق الرجل، وهو يخطب، ليس لأسباب أخرى مثل كثرة الجثث التي ترد من الزبداني والقلمون، فالزعماء يشربون الماء عندما يجف ريقهم في صحراء الكلمات، فوجد أحد مشعوذيه السياسيين في شرب العصير، إشارة عسكرية لإحدى الكتائب، بالقيام بهجوم من نوع معين! يعني: أنّ خطب سيد المقاومة الطويلة غير كافية في إرسال رسائل لكتائبه التي تبحث عن طريق القدس في سوريا، فوجد في تأويل شرب العصير دلالة عسكرية! يقال أنه عصير ليمون، ولا أعرف ما دلالات شرب عصير التفاح، أو عصير العنب، أو العرق سوس؟ فلعل لكل فاكهة رسالة سياسة وعسكرية؟
السيسي يقوم بعشرات الحركات المصاحبة لخطبه، وقد لفتتني حركة عظيمة وخارقة قام بها، وهو يخطب في سيناء، قالت الأنباء أنها ليست سيناء، وأن التصوير تم في أحد المعسكرات المحصنة، فالزعيم الشجاع لا يجرؤ على الذهاب إلى سيناء خوفا على أناقته من الغبار، وهو يؤكد على أن كل شيء مستقر "تماما"، ولفظ تماما لفظا يدل الاسترخاء، والقطع والبت والجزم، ثم حكّ رقبته حكتين وثلاث، فذكرني بحركة شهيرة لعادل إمام، الذي كان يحكّ أنفه في كثير من الأفلام، ولا تزال تصاحبه بحيث باتت إحدى خصائل شخصيته. أعتقد أن دلالة تفسير لغة الجسد كانت تقول أن الرجل يكذب أولا، وأنه ثانيا يكذب أيضا، ولعله حلق ذقنه لتوه، ولم يطهرها بدهن الكفتة؟
في حكايات ألف ليلة وليلة يأكل التاجر التمر، ويقذف بالنواة من فمه، فيظهر له مارد غير
مصري، وغير مؤيد للسيسي، ويقول: قتلت ابني يا إخواني؟ فيستغرب التاجر، ثم يبين له أنه ليس إخوانيا، ولا يحمل سلاحا، وأنه من بغداد، وكان يأكل التمر، وليس له خصومة مع ابنه، ولم يره أصلا، وهو ليس ناشطا سياسيا، ولا من جماعة بيت المقدس، ثم يتبين له أنه قتل العفريت بنواة تمر قذفها من فمه خطأ!! لكن المارد يصر على الثأر، ويحدث أن يتشفع له ثلاثة مسافرين يفتدون التاجر برواية ثلاث قصص سحرية مؤثرة.
هذا العلم علم جديد وطارئ على التحليل السياسي في مصر ولبنان، نتوقع أن يكثر هذا "الصنف" من الكيف، أقصد من التحليل السياسي، للصم والبكم من أتباع الزعماء والأسياد الحصريين للدول والمنظمات، ولا ندري ما دلالة أن يكون وزير الخارجية السعودي الحالي، حليقا، من غير شارب أو سكسوكة؟ وقد نشهد في قادمات الأيام محللا سياسيا يعتبر أن الراقصة صافيناز بطلة من البطلات، وماجدة من الماجدات، ويفسر هزة خصرها تفسيرا سياسيا، ويرى في تثنيها تسبيحا، وهزة صدرها تقوى، وأن الرقص هو العبادة في أجلى معانيها، وكنا قد سمعنا شيئا من هذا على لسان أحد الشيوخ الحليقين من الشعر والتقوى معا.
المفتي المصري السابق، الوسيم المهيب، علي جمعة، اعتمد على حاسة غريبة مختلفة في الإفتاء بالقتل، هي حاسة الشم، عندما أباح دم الإخوان، وأفتى بإعدام الشعب الثاني، لأن "ريحتهم" نتنة.
الحواس الست شغالة في علوم التحليل ومجازات التأويل.. و العقل غاطس في الجزمة!!