نشرت صحيفة "لكسبرس" الفرنسية، تقريرا حول الأوضاع الإنسانية والأمنية الصعبة التي يعيشها سكان منطقة
سيناء المصرية، بعد أن وجدوا أنفسهم ضحايا لحرب غامضة تدور بين
الجيش المصري ومجموعات مسلحة تابعة لتنظيم الدولة، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية، وتعرضهم لسياسات عقاب جماعي من قبل السلطات المصرية.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن سكان شبه جزيرة سيناء وقعوا رهينة بين العنف الذي تمارسه المجموعات التابعة لتنظيم الدولة، وسياسة القمع التي يعتمدها الجيش، من دون تفرقة بين المذنبين والأبرياء.
وذكرت أن منطقة الشمال الشرقي من سيناء شهدت في 1 تموز/ يوليو الجاري، هجوما نوعيا على مدينة الشيخ زويد، نفذته المجموعات المسلحة، التي قامت ولأول مرة بالسيطرة على مدينة مصرية من الحجم المتوسط، لمدة 12 ساعة، وهو ما دفع السلطات المصرية إلى الرد بطريقة غير مسبوقة، حيث قام الطيران بعمليات قصف للمدينة، هي الأولى بهذا الحجم على الأراضي المصرية.
وأضافت أن سكان المناطق الواقعة بين مدينة الشيخ زويد، وبين منطقة رفح الحدودية، يعيشون على هذا الحال منذ سنتين، "بين الخوف من الهجمات الإرهابية، والإفراط في العنف وحملات الاعتقال العشوائي التي يقوم بها الجيش".
ونقلت الصحيفة عن رامي (24 سنة)، وهو من سكان الشيخ زويد، قوله إن هذه "الحرب على الإرهاب" أدت إلى تعرض السكان لمستويات غير مسبوقة من العنف، في محافظة شمال سيناء، كما في الجنوب عند المدن الساحلية، مثل شرم الشيخ وذهب.
وأضاف رامي أن عمليات الإعدام التي تقوم بها المجموعات المسلحة ضد المخبرين والعاملين في الأجهزة الأمنية؛ كثرت، "فخلال الفترة الماضية تم إعدام رجلين، أحدهما تهمته أنه حلاق الجنود، والآخر لأنه يقوم بإيصال الغذاء لنقاط تمركز الجيش".
وشكك رامي بالرواية الرسمية حول أحداث سيناء، التي تتحدث عن مقتل أكثر من 240 من المسلحين، واعتقال عدد كبير منهم، قائلا: "لو كان هذا العدد الكبير قد قتل أو اعتقل فعلا كما تدعي السلطات؛ لكان المشكل قد انتهى فعليا".
ونقلت الصحيفة عن محمد، البالغ من عمر 40 عاما، والذي غادر مدينة الشيخ زويد بصحبة عائلته نحو مدينة العريش، بحثا عن الشعور بالأمان، قوله إن "الوضع في العريش أيضا لم يعد آمنا، فقد تعددت التفجيرات والعمليات المسلحة خلال السنتين الأخيرتين".
وقالت إن محمد يشعر بأن السلطات تريد إخلاء الشيخ زويد والمناطق المجاورة لها بالكامل، وإجبار السكان على الانتقال لمناطق أخرى، حتى تحسم صراعها مع المجموعات المسلحة عبر القيام بقصف عشوائي واسع النطاق للمدينة بأكملها، "فقد أعلنت السلطات خلال الأسبوع الماضي؛ أنها ستدمر كل البيوت الفارغة، خشية أن يستخدمها المسلحون كمأوى".
وأضاف محمد أن "ضباط المخابرات المصرية يسيئون معاملة السكان، ويعتبرونهم كلهم إرهابيين، رغم أن المنضمين للمجموعات المسلحة عددهم محدود جدا. كما أن سيناء هي أرض بدو، تعتمد على نظام قبلي تقليدي، والجميع يعرفون بعضهم، ويعرفون من هم المتورطون مع المجموعات الموالية لتنظيم الدولة، ولكن الجيش يرفض التفريق بين الأبرياء والمذنبين".
وذكرت الصحيفة أن العقوبات الجماعية المسلطة على سكان سيناء، والحملات الأمنية التي استؤنفت منذ سنتين بعد أن توقفت عند سقوط نظام مبارك؛ أدت لإحياء النقمة التي يشعر بها السكان تجاه الأجهزة الأمنية، حيث يؤكد أهالي منطقة رفح أن "أغلب الملاحقين من قبل الدولة هم في الحقيقة ليسوا إرهابيين، بل مجرد مواطنين ضاقوا ذرعا بسياسة التهميش والقمع، ويحذرون من أن هذه السياسة التي تؤدي لزيادة عدد الضحايا الذين تتعرض حياتهم ومنازلهم وحقولهم للتدمير؛ تؤدي في النهاية إلى زيادة عدد أعداء الدولة".
وأشارت الصحيفة إلى أن النظام المصري يفرض تعتيما كليا على الأوضاع في سيناء، ولا يسمح لأي طرف باستثناء الجيش بنقل الأحداث، "أما الصحفيون الذين يريدون تناول هذا الموضوع؛ فإنهم يفضلون عدم ذكر أسمائهم، لتجنب الملاحقات التي قد تطالهم بتهمتي نشر أخبار زائفة، والتدخل في شؤون الجيش.
وبينت أن النظام العسكري المصري يصر على إقحام "أطراف أجنبية" من بينها حركة
حماس، في حربه على الإرهاب، والادعاء أنها مرتبطة بالمجموعات المسلحة الناشطة في سيناء، "رغم أن حماس لا تملك أي مصلحة في إغضاب القاهرة، كما أنها تعادي
تنظيم الدولة بشكل صريح، وتختلف معه في أساليبه الدموية".
وفي الختام؛ اعتبرت صحيفة "لكسبرس" أن إصرار نظام
السيسي على إقحام هذه الأطراف الأجنبية في حربه التي يخوضها ضد فرع تنظيم الدولة في سيناء؛ يهدف إلى حشد الدعم الداخلي، والتقليل من شأن "الأضرار الجانبية" لهذه الحرب، المتمثلة في تدمير أرواح وممتلكات سكان سيناء.