نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية حوارا أجرته مع الصحفية صوفي بوميي، المتخصصة في الشأن
المصري، حول انتهاكات الحقوق والحريات في مصر، ومشروع قانون مكافحة
الإرهاب الذي يضرب حرية الصحافة، وسعي عبد الفتاح
السيسي للتغطية على فشله في معالجة المسائل الأمنية.
ونقلت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، عن صوفي بوميي إنه "لا يجب التركيز فقط على قانون مكافحة الإرهاب الذي يمس في جزء منه بعمل الصحفيين، بينما تتعدى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر اليوم، وتأخذ عدة أشكال أخرى متنوعة. أما بالنسبة لحرية الصحافة، فالأوضاع متدهورة منذ فترة طويلة، فالصحفيون ممنوعون منذ سنوات من العمل في
سيناء، ولذلك لا أحد يعلم فعلا ما يحدث هناك، ولا يمكن التأكد من الأرقام التي تقدمها الدولة حول عدد "الإرهابيين" المقتولين والخسائر التي تكبدها الجيش.
وأضافت بوميي أن الصحفيين في مصر يتعرضون منذ سنوات للعقوبات والسجن، بحجة نشر الأخبار الكاذبة، والمس بالأمن العام، وتشويه صورة البلاد. وقد ذكّرت منظمة العفو الدولية، بمناسبة اليوم العالمي للصحافة في الثالث من أيار/ مايو الماضي، بأن 18 صحفيا لا يزالون يقبعون في سجون النظام المصري. بالإضافة إلى قضية صحفيي قناة الجزيرة، الذين دفعوا ثمن التوتر في العلاقات بين قطر ومصر.
وحول ردود فعل قطاع الصحافة في مصر على السياسات القمعية التي يعتمدها النظام، لاحظت بوميي أن الخطاب الإعلامي شهد تغييرا في الفترة الأخيرة، فرغم أن أغلب وسائل الإعلام المصرية التزمت بتبني خطاب السلطة منذ الانقلاب العسكري في سنة 2013، فإنها بدأت مؤخرا في كيل الانتقادات لطريقة إدارة البلاد.
وأضافت صوفي بوميي: "هذا التغيير الجزئي في الخطاب الإعلامي ربما يكون مرده حالة التململ داخل هذا القطاع، فقد رفضت نقابة الصحفيين المصرية، في آذار/ مارس الماضي، التجديد لرئيسها ضياء رشوان، المعروف بالتبعية للسلطة، وتم تعويضه بشخصية أخرى أكثر التزاما بقضايا حرية الإعلام، وهو يحيى قلاش. ثم في العاشر من حزيران/ يونيو، نفذ الصحفيون إضرابا جزئيا للتنديد بالتضييقات التي يتعرضون لها. كما قام المحامون بتنظيم إضراب خلال الفترة نفسها بعد موت العديد من زملائهم جراء الضرب والتعذيب الذي يتعرضون له في أقسام الشرطة.
وذكرت الصحيفة، نقلا عن بوميي، أن الوضع الداخلي في مصر يشهد انقساما داخل الطبقة الحاكمة، لأن رجال الأعمال والأثرياء، الذين استغلوا وسائل الإعلام للتحضير للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أصبحوا اليوم منقسمين فيما بينهم، بسبب المنافسة الاقتصادية وتضارب المصالح بينهم، وأصبحوا أيضا في مواجهة مع العسكر الذين استأثروا بالسلطة.
وأضافت في السياق ذاته، أن تأزم العلاقة بين الجيش والشرطة هو السر وراء تعدد الانتقادات الموجهة للشرطة ووزير الداخلية في وسائل الإعلام. وهو ما دفع بالسيسي إلى الإقرار بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، في خطابه الموجه للصحفيين في 7 حزيران/ يونيو الماضي. إضافة لدعوته قوات الأمن إلى احترام المواطن المصري، ورغم هذا الاعتراف الضمني بانتشار الممارسات القمعية، فإن الأوضاع تدهورت أكثر، والانتهاكات في ازدياد مستمر.
وشددت بوميي على أن تصاعد خطر المجموعات المسلحة لا يبرر تزايد الانتهاكات، وأن الفرق بين خطاب السيسي والواقع اليومي يعكس تناقضا حقيقيا، وهو ما يعني أن هذا الرجل غير نزيه ويعتمد أسلوب المغالطة، أو أنه غير قادر على السيطرة على الوضع ومحاسبة المتجاوزين، وفي كلتا الحالتين، فإن خطابه لا يحظى بأي ثقة.
ورأت بوميي أن نظام السيسي فقد مصداقيته تماما في مسألة مكافحة الإرهاب، بما أن مجموعة ولاية سيناء التي تمثل فرع
تنظيم الدولة في مصر، هددت باستهداف القضاة ورجال الشرطة، ونجحت في تنفيذ تهديداتها، والوصول لشخصيات رفيعة المستوى، على غرار اغتيال النائب العام هشام بركات في 29 حزيران/ يونيو.
وأضافت الصحيفة، نقلا عن هذه الصحفية الفرنسية، أنه في ظل الأرقام التي يقدمها الإعلام الرسمي بشكل يومي، حول اعتقال المسلحين أو قتلهم وحجز أسلحتهم، والنجاح في تفكيك هذه المجموعات الإرهابية، فإن الهجمات التي تعددت وأخذت طابعا استعراضيا، وتجاوزت محافظة سيناء لتصل إلى بقية المناطق، تكذّب هذا الخطاب الرسمي، وتشير إلى أن السيسي منع التعاطي الإعلامي في هذه المسألة بهدف إخفاء الحصيلة السلبية لحربه على الإرهاب. لتبقى التساؤلات مطروحة حول علاقة هذه الممارسات القمعية بالرغبة في استعادة الأمن والاستقرار، حسب تقديرها.