يقول الصحافي أليساندرو أكورسي في تعليق له في موقع "ميدل إيست آي" على قانون مكافحة
الإرهاب والقيود، التي يشملها عمل الصحافيين، إن القانون يهدد بسجن الصحافيين الذين ينشرون أخبارا كاذبة مدة عامين.
ويشير التقرير إلى أنه بحسب مسؤولي الحكومة، فإن الصياغة تقتضي إثباتا بالنية والقصد الشرير. وقال وزير العدل أحمد الزند، في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية: "آمل ألا يفسر القانون كونه مقيدا للحرية الصحافية".
ويبين الموقع أنه في الوقت الذي وزعت فيه مسودة من القانون الجديد والبند الـ33، فقد تلقى الصحافيون رسائل إلكترونية تستفسر عن التقارير التي نشروها حول الهجمات التي نفذها إسلاميون في
سيناء في الثاني من تموز/ يوليو الحالي.
وجاء في الرسالة التي تلقاها موقع "ميدل إيست آي" بعنوان "فاكت تشيك إيجيبت" (تصحيح الحقائق
المصري): "مقالكم يشير إلى أربعة مصادر مجهولة، وعدد الجنود القتلى الوارد فيه غير صحيح، مع أن تقارير أخرى مثل (وول ستريت جورنال) ذكرت العدد الصحيح (17). فهل تخططون لنشر تصحيح أو تنوون نشر واحد؟".
ويذكر الكاتب أنه بحسب المتحدث باسم القوات المصرية المسلحة، فإن عدد الجنود الذين قتلوا في هجوم الشيخ زويد الأسبوع الماضي كان 17 جنديا، فيما ذكرت مصادر أخرى مثل "سكاي نيوز" و"أسوشيتد برس" أن العدد يقدر بحوالي 70 ضحية.
ويلفت التقرير إلى أن معظم الصحف ومواقع الإنترنت حول العالم نشرت الرقم، حيث ظل الرقم الرسمي كما هو طوال المعركة. وقامت الحكومة فيما بعد بتأجيل جنازات الجنود الرسمية، وهو ما فسره البعض بأنه طريقة لإخفاء الأرقام الحقيقية.
ويعلق الموقع بأنه حتى صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي ذُكرت على أنها مثال للممارسة الصحافية الجيدة، فإنها أوردت في تقريرها فقرة تتساءل فيها عن صحة البيان الرسمي ومسؤولية الحكومة. وكتبت في التقرير ذاته بعدما ذكرت عددالقتلى: "لم يشرح البيان التناقض في الرواية الرسمية، التي تشير إلى أن 60 جنديا قتلوا وجرحوا في العملية. ولم يتم التثبت من صحة الأرقام بطريقة مستقلة، حيث مارست الحكومة قيودا منذ عامين على شمال سيناء".
وينقل أكورسي عن صلاح صادق من الهيئة العامة للاستعلامات قوله: "إنها منطقة عسكرية والاتصالات مقطوعة طوال اليوم". وأضاف: "أي مصدر آخر غير الرواية الرسمية يأتي من الجيش". وقد منع الصحافيون من دخول سيناء منذ عامين؛ لأنها تعد منطقة عسكرية. وفقط يسمح بالعمل للصحافيين في المنطقة، ولكن ضمن قيود شديدة.
وقال صادق في نفيه وجود مصادر مستقلة على الأرض: "إن كان لديك إحصاء بعدد الضحايا جاء من غير الجيش، فمصدره إذن الإرهابيون"، وفق التقرير.
وعندما أشار "ميدل إيست آي" إلى أن المعركة دارت في مدينة عدد سكانها 60 ألف نسمة، أشار صادق إلى أن "السكان المحليين لا يستطيعون التحرك في حال نشوب معركة بين الجيش والإرهابيين. وإن تحركوا فلماذا لا يكشفون عن أسمائهم؟ وما هي الأدلة التي لديهم وتدحض الأرقام الرسمية؟".
ويفيد التقرير،الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الصحافيين أو المراسلين المحليين، الذي يكتبون عن الجيش، يواجهون اتهامات ومحاكمات. وهناك عدد من الصحافيين، وبعضهم لديه تجربة في العمل في مؤسسات إعلامية دولية، يمثلون أمام المحاكم العسكرية، ولهذا يرفض الكثيرون استخدام أسمائهم الحقيقية أثناء القيام بالمهمة الصحافية.
ويقول صادق للموقع: "المصادر المجهولة تأتي من الإرهابيين، ولا يوجد احتمال آخر". وأضاف: "الصحافي المحلي الذي يريد مناقضة الروايات الرسمية لا يخشى من استخدام اسمه الحقيقي، وإن لم يكن الأمر كذلك فما هي الأدلة التي لديه".
ويتساءل صادق: "لماذا تريد الحكومة الكذب؟ هذه هي الأرقام الرسمية، هل ستوجد أرقام أدق من الأرقام الرسمية؟ إن عقلية الجيش هي أن يظهر الجرائم والفظائع التي ارتكبها الإرهابيون من أجل حماية الشعب".
ويتابع صادق بأن التركيز على الأرقام وأعداد الضحايا مهم؛ لأن "رقما كبيرا من الضحايا سيترك أثره على معنويات الشعب المصري، وعليه فإن الأمر متعلق بالأمن القومي".
ويورد الكاتب أن المتحدث باسم القوات المسلحة نشر على الصفحة الرسمية على "فيسبوك" يوم الاثنين أن "المصريين في الأيام الماضية خاضوا حربين في الوقت ذاته، واحدة على الأرض ضد عدو شرير يتلفع بعباءة الإسلام، الدين الذي لا يمت إليه بصلة. أما الحرب الثانية فهي الحرب الإعلامية المتحيزة من منابر الإعلام الأجنبية، التي جاءت من خلال الجيل الثالث من الحروب وحرب المعلومات"، ويشير أكورسي إلى أن ما قاله يعكس خطابا ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل فترة.
تصحيح الحقائق- مصر
ويذكر الموقع أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها الحكومة بيانات تنتقد فيه ما تراه "تحيزا في التغطية"، أو تحاضر على الإعلام الأجنبي، وتعلمه طريقة تغطية الشأن المصري.
ويشير التقرير إلى أن وزارة الخارجية أصدرت يوم السبت دليلا للإعلاميين يصف الجماعات الإرهابية. ويقترح الدليل على الصحافيين استخدام مصطلحات مثل المتطرفين والمتوحشين والقتلة والمجانين والذابحين والجلادين والحشاشين والمدمرين. حاثا إياهم على تجنب ذكر المصطلحات ذات الأساس الديني مثل الجهاديين والإسلاميين والدولة الإسلامية.
ويجد أكورسي أن ما هو غير مسبوق هو ظهور مجموعة تطلق على نفسها "فاكت تشيك إيجيبت"، التي أرسلت رسائل إلكترونية للصحافيين، تطالبهم فيها بتبني الرواية الرسمية حول أعداد الضحايا، وتجنب المصادر المجهولة. وفي مصر اليوم يخشى المصريون الحديث مع الصحافيين الأجانب حتى لو كانوا يشترون الغاز أو الخضراوات.
وينوه الموقع إلى أن هذه المجموعة ظهرت قبل عدة أسابيع، لكن لم يعلن عنها رسميا، بحسب صادق الذي يقول: "نحن لا نزال في الفترة التجريبية، وبدأنا بداية خفيفة، وكان هجوم الشيخ زويد امتحانا جيدا لنا".
ويكشف التقرير عن أن المجموعة تهدف إلى التأكد من الأرقام، واستخدام المصادر التي تلجأ إليها أي مؤسسة إعلامية تنشر تقارير عن مصر. مستدركا بأنه رغم أن الرسائل الإلكترونية أرسلت فقط للصحافة الأجنبية، إلا أن المجموعة ستنتقد وتفحص مصادر الصحافة المصرية كذلك.
ويرى الكاتب أنه ليس من الواضح ماذا سيحدث لو لم يلتزم الصحافيون، أو إن قاموا بتغيير تقاريرهم، خاصة إن تمت المصادقة على قانون الإرهاب الجديد والبند 33 فيه. ويقول صادق: "لو لم تلتزم فإننا سنتحرك نحو المرحلة الثانية".
ويضيف صادق أنه "لا يعرف ماذا تعني المرحلة المقبلة، فإنها ليست واضحة بعد، فقد نفكر برفع قضية قانونية. وإن التزمت بالأرقام الرسمية، أو لم تنشر قصدا أخبارا مضللة، فإنه ليس لديك ما تخافه".
ويذكر الموقع أن صفة المجموعة الجديدة غير واضحة، حيث يزعم صادق أنها منظمة غير حكومية مستقلة مرتبطة بالهيئة العامة للاستعلامات. وتصف الهيئة نفسها بأنها صوت الدولة المصرية الذي يدافع عن صورة مصر في الخارج.
ويقول صادق للموقع: "(فاكت تشيك إيجيبت) مرتبطة بهيئة الاستعلامات، ولكنها ليست جهازا حكوميا، بل منظمة مستقلة". ويضيف أن هيئة الرقابة الجديدة لا تزال في مراحلها الأولى، ولا تريد الكشف عن عدد موظفيها ومن أين تعمل. ويقول: "كل ما أستطيع قوله أنه لا يوجد أحد يمولها، ويعمل فيها صحافيون يمثلون مؤسسات وصحفا متعددة، ولكن بشكل تطوعي".
ويبين التقرير أن المحرر الحالي في المنظمة هو أيمن الولش، وهو خبير في الشؤون السياسية، ويعمل في هيئة الاستعلامات العامة ووزارة الاستثمار، بحسب حسابه على "تويتر"، الذي يحتوي على عدد لا يحصى من تغريدات نقلها من حساب السيسي الرسمي. ويقول صادق: "نعم يعمل الولش في هيئة الاستعلامات العامة، وهو المحرر الآن، ولكنه يساعد في بناء شكل المنبر".
ويفيد أكورسي بأنه من أجل الالتزام بالمعايير الدولية في التثبت من الحقائق، فقد تلقى العاملون في "فاكت تشيك إيجيبت" التدريب على يد مؤسسة رقابية أمريكية وهي "آي ميديا إيثكس"، التي أنشأتها روندا رونالد شيرر. وتعرف شيرر للصحافيين العاملين في مصر بهجماتها ضد مسؤول مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة ديفيد كيركباتريك ومراسل صحيفة "الغارديان" باتريك كينغزلي.
ويقول صادق: "لقد اخترنا (آي ميديا إيثكس)؛ لأننا كنا على صلة معهم، وعرضوا علينا تدريبا مجانيا. ولديهم مصداقية ومسؤولية وسمعة قوية، ولكننا منفتحون للعمل مع أي منظمة إعلامية يمكنها المساعدة في التطوير"، بحسب الموقع.
ويمضي صادق قائلا: "نريد أن ندخل ثقافة المحاسبة إلى مصر، ولهذا السبب نلتزم بالقواعد الدولية في فحص الحقائق، وأنا متأكد أنها القواعد ذاتها التي تلتزم بها منظمات الثتبت من الحقائق في بلدك".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه عندما سئل صادق عما إذا كانت المنظمة ستفحص بيانات المسؤولين الحكوميين، رد قائلا: "نأمل في يوم ما أن نقوم بفحص (بيانات) الحكومة أيضا، فالقانون ينطبق على كل شخص. وبالطبع لم نصل إلى هذه النقطة، ولكنني أحلم في اليوم الذي نفحص فيه تصريحات الحكومة وننتقدها".