لم يشهد
الحوار السياسي منذ انطلاقه جدلا كالذي يثار هذه الأيام، ولم يختلف الفرقاء بل وحتى الشركاء حول مضامين مسودات مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، "برننادينو ليون" كاختلافهم حول
المسودة الخامسة.
الموقف حول المسودة الخامسة لقي تأييدا من قبل البرلمان، ورفض من قبل المؤتمر الوطني، أو رئاسته ومجموعة حوله، وهناك انقسام في الموقف بين النواب الذين قاطعوا جلسات البرلمان بعد قرار أغلبية أعضائه الانعقاد في مدينة
طبرق.
بالقطع اختلف موقف
الأطراف من المسودة الخامسة عن موقفهم من سابقتها التي رفضها البرلمان، أو رئاسته، حيث أن هناك عدد من أعضاء البرلمان اعلنوا قبولها، ودار جدل داخل جبهة طبرق تخلله تخوين للمؤيدين للمسودة واتهام برشوتهم من قبل أطراف دولية، وهو السيناريو نفسه الذي تحدث عنه الرافضين للمسودة الخامسة من جبهة طرابلس حيث تحدث بعضهم عن وعود من قبل ليون لأعضاء المؤتمر بتقاعد مجزئ في حال أعلنوا استقالتهم من المؤتمر الوطني، وتحدث الوفد المفاوض عن المؤتمر الوطني عن ضغوط شديدة تحولت إلى تهديد مباشر من قبل سفراء أوروبيين لجبهة طرابلس التي لم تعد جبهة واحدة متماسكة كما كانت عند إطلاق عملية "فجر
ليبيا" العام الماضي، ويظهر الخلاف بوضوح بين مكوناتها حول المسودة الخامسة.
مبعث الجدل هو موقف ليون ومقاربته للحوار، فقد كان جليا أن ليون مرتبك في تعاطيه مع الأطراف المتصارعة، وينعكس هذا الاضطراب في صياغات المسودات، بحيث يفاجأ الأطراف في كل جولة بمسودة تختلف اختلافا جذريا عن سابقتها مما يوحي بغياب الموضوعية والحكمة والتحكم بحيث تتطور المسودة بشكل تدريجي ومتوازن لتصل إلى النسخة التي تكون محل اتفاق الطرفين الرئيسيين.
ما يشير إليه هذا الاضطراب في مضامين المسودات هو غياب الرؤية، وفقدان البوصلة من قبل المنظمة الأممية وممثلها في ليبيا، -فالوسيط الحكيم يحتاج أن يستخلص من تقاطعات أطراف النزاع ومطالبهم ما يؤسس لرؤية لضمان نجاح الحوار-، وهذا قطعا غائب ويؤكده التغييرات الكبيرة التي تتضمنها كل نسخة يقدمها للأطراف عن سابقتها بشكل يفاجئ الأطراف المعنية، ويجعلها تشعر بأن الوسيط ليس محايدا بل وتفرض عليه أجندات من خارج غرفة التفاوض تظهر بشكل متكرر في مسوداته.
الجدل المثار اليوم حول المسودة الخامسة سببه تحفظ المؤتمر الوطني وأنصاره على ما اعتبروه تمكين لخصومهم أنصار البرلمان من القرار بما في ذلك سحب الثقة من رئيس الحكومة التوافقية وتعيينه، وتعيين القائد العام للجيش، وإقرار الطريقة التي تشكل بها الجيش في المنطقة الشرقية واعتبار القوة التابعة للمؤتمر مليشيا. وبرغم أن المسودة لم تشر بشكل صريح إلى بعض ما يعتقده أنصار المؤتمر في المسودة إلا أن العديد من المراقبين رأوا أن صياغات المسودة قابلة للتفسير على الشكل الذي ذهب إليه أنصار المؤتمر ومنها النص المتعلق بقرار الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا والتي قضت بحل البرلمان، إذ جاء في الصياغة ما يفهم منه رفض القرار بعلة أنه يقود إلى فراغ سياسي وعدم استقرار.
فيما يتعلق بالجنرال "خليفة حفتر" والذي يطالب أنصار المؤتمر الوطني باستبعاده فيما يصر الطرف الثاني على تثبيته، يقول أنصار المؤتمر أن المسودة تمكِّن حفتر من البقاء قائدا عاما للجيش وذلك من خلال إقرار المسودة بصحة قرارات البرلمان واشتراط الإجماع في قرارات مجلس الوزراء الذي منح سلطات إقالة وتعيين قائد الجيش، حيث يؤكد أنصار المؤتمر أنه سيكون من الصعب بلوغ الإجماع لإقالة حفتر، وفي حال تحقق سيكون من العسير الإجماع على بديل غير منحاز.
إذا المسودة الأخيرة ما تزال مثار جدل كبير، ويحاول أنصار المؤتمر حشد قواهم السياسية والمجتمعية والعسكرية للتوافق على رفضها والاستعداد لأي تداعيات محتملة، وهو موقف متعجل وقد يسهم في مزيد من التصدع في جبهة طرابلس، لكنه بالمقابل يتأسس على غضب ومن الغباء أن يتجاهله المجتمع الدولي، وستكون نتائج الضغوط التي تمارسها الأطراف الأوروبية وخيمة وقد تدخل طرابلس في فوضى، وإذا دخلت العاصمة في فوضى فسيكون الوضع أكثر تعقيدا بمراحل وسيكون عندها البحث عن حل للأزمة الليبية كمحاولة تخليص إبرة من كومة صوف كبيرة.