نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية، تقريرا حول تنامي حضور التيارات "المتشددة" في
تونس بعد الثورة، عرضت فيه أهم العمليات المسلحة التي حدثت خلال السنوات الأربع الأخيرة، وحذرت فيه من انضمام بعض المجموعات المسلحة إلى
تنظيم الدولة، "ما سيمنح أنشطتها بعدا جديدا".
وتحدثت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21" عن مدرس اللغة الفرنسية، عدنان هلالي، الذي يعمل بمدرسة قرية الوساعية، التي تقع على بعد 20 كيلومترا من شمال القصرين، بالقرب من الحدود الجزائرية، حيث جمع هذا المدرس تلاميذه ليشاهدوا أفلاما متحركة، ويقرأوا الأدب الفرنسي، في هذا المكان الذي لا يبعد سوى بضع كيلومترات عن الموقع الذي قتل فيه أربعة مسلحين على يد الجيش التونسي.
واعتبرت الصحيفة أن هذا المشهد يحمل دلالات عديدة، في هذه القرية التي تمثل حدا فاصلا بين عالمين مختلفين، بين القرى والمدن الهادئة التي تسير فيها الحياة بشكل عادي، وبين مرتفعات جبال سمامة والشعانبي التي يقبع فيها خطر محدق يتمثل في الجماعات المسلحة، على حد تعبيرها.
وذكرت الصحيفة أنه بسبب الفوضى التي أعقبت ثورة 2011، وارتخاء المنظومة الأمنية المكلفة بمراقبة السلاح وضبط الحدود؛ فقد "انتظمت بعض المجموعات المتشددة في شكل جماعات مسلحة، تقوم من حين لآخر بالاشتباك مع قوات الأمن".
ففي تموز/ يوليو 2014، قتل 15 جنديا في جبل الشعانبي، ثم في شهر شباط/ فبراير قتل أربعة أعوان من الحرس الوطني في نقطة تفتيش بين الشعانبي وسمامة. ومؤخرا في 15 حزيران الجاري، قتل ثلاثة من عناصر الحرس في محافظة سيدي بوزيد المجاورة للقصرين.
وقالت الصحيفة إن المجموعات المسؤولة عن هذه العمليات كانت تنشط تحت
لواء عقبة بن نافع، التابع لفرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، "ولكن في الأشهر الأخيرة ظهرت مؤشرات على انضمام عدد من عناصرها إلى تنظيم الدولة".
وأشارت في هذا السياق؛ إلى تزايد وجود شعارات موالية لهذا التنظيم على جدران المباني، على غرار عبارة "دولة إسلامية.. يا أعداء الله سوف تعيشون في رعب". وقام تنظيم الدولة بتبني عملية سيدي بوزيد الأخيرة، رغم أن وزارة الداخلية تمسكت بنسب هذه العملية لكتيبة عقبة بن نافع.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الارتباك في تحديد المسؤوليات ليس جديدا بالنسبة للأجهزة الأمنية التونسية، ففي هجوم متحف باردو الذي جد في الثامن عشر من آذار/ مارس الماضي، الذي راح ضحيته 22 شخصا أغلبهم من السياح؛ أعلنت السلطات أن هذا الهجوم نفذته كتيبة عقبة بن نافع، في حين أعلن تنظيم الدولة تبنيه العملية، وهي الرواية التي تبدو أقرب للواقع، بحسب رأي أحد الدبلوماسيين التونسيين الذين حاورتهم الصحيفة.
وبحسب "لوموند"؛ فإنه يبدو أن الحكومة التونسية فضلت خيار إلقاء اللوم على مجموعة محلية، بدلا من توجيه الاتهام لتنظيم الدولة، بهدف تجنب إثارة مسألة تواجد هذا التنظيم في تونس، رغم أن هذا التواجد بات أمرا واقعا، بعد أن تمكن فرع تنظيم الدولة في ليبيا من التحضير لعملية باردو في تونس.
وأضافت الصحيفة أن الشكل الثاني لتواجد تنظيم الدولة في تونس، تمثل في ظهور مجموعة "جند الخلافة"، التي أنشئت مؤخرا بعد حدوث انشقاقات داخل كتيبة عقبة بن نافع، "ولئن كانت هذه المجموعة قد أعلنت عن بيعتها لتنظيم الدولة؛ فإنها لم تتلقَّ حتى الآن ردا من زعيم التنظيم يفيد بقبول هذه البيعة".
وقالت إنه مهما تكن العلاقة بين هذه المجموعات وبين تنظيم الدولة؛ فإن هذا التهديد يبقى جديا، وخاصة في ظل وجود تضاريس تصعب مراقبتها من قبل الجيش التونسي، كمرتفعات الشعانبي وسمامة، التي يسهل على المسلحين اختراقها من الجانب الجزائري من الحدود.
وأوردت الصحيفة أنه وفقا لمصادر أمنية؛ فإن عدد المقاتلين المتحصنين في هذه المناطق يناهز الـ50 شخصا، وبحسب أحد عناصر الحرس الوطني التونسي، فإنه "لا يمكن التنبؤ بأماكن اختباء هؤلاء، فهنالك إمكانية أن ينزلوا إلى المدن والقرى القريبة، ويندسوا بين الناس، ولا تدرك الأجهزة الأمنية لهم أثرا إلا من خلال حقول الألغام التي يتركونها في الجبال".
ونقلت "لوموند" عن المدرس عدنان الهلالي؛ أن بعض العائلات قد تتورط في مساعدة هؤلاء العناصر الذين تبحث الأجهزة الأمنية عنهم، خاصة وأن إمكانية وجود من يمد لهم المساعدة من خارج الجبال "واردة جدا".
وتناولت الصحيفة الجانب الاقتصادي لهذه الظاهرة، مشيرة إلى أنه "منذ الهجوم على متحف باردو فقد كثفت القوات الأمنية من جهودها للتصدي لهذه المجموعات، بمساعدة أهالي هذه المناطق، ولكن اقتصاديا تعاني هده الجهات من هشاشة اجتماعية تدفع بالبعض منهم للوقوع في فخ الإغراء الذي تستخدمه هده الجماعات لاستدراج ضعاف الحال"، على حد قولها.
ونقلت عن الناشط نعمان محمدي أن "الشباب اليائس في القصرين، الذي يعاني من الفقر والتهميش، ولا يشعر بأي التزام تجاه الدولة، قد يضعف أمام هذه الجماعات وإغراءاتها المالية، خاصة وأنها تعرض مبالغ سخية لكل من ينضم إليها، أو يساعدها من خلال نقل المعلومات، وتزويدها بالغذاء".
ونقلت أيضا تصريحات لدبلوماسي تونسي؛ أكد فيها أن الأجهزة الأمنية نجحت في القضاء على عدة عناصر، وتفكيك مجموعات مسلحة، و"قد بات واضحا أنها تعاني من صعوبة كبيرة في التحرك بتونس، بعد أن بدأت الأجهزة الأمنية تتجاوز صدمة الفوضى التي تلت الثورة، وتستعيد قوتها".
واستدركت الصحيفة بالتحذير من أن الفوضى التي يغرق فيها الجار الليبي، وتزايد حضور تنظيم الدولة على أراضيه؛ يمكن أن يمثل منفذا لمد يد العون لهذه المجموعات التي تنشط في تونس.