يشهد
لبنان حالة
انقسام سياسي وطائفي واسعة على خلفية إحياء مئوية ما تسمى بـ"الإبادة الأرمنية" في
تركيا، حيث أطلقت المواقف التي برزت من مختلف القوى السياسية جدلا كبيرا، لا سيما بعد إعلان وزير التربية والتعليم إلياس بو صعب اليوم الجمعة عطلة رسمية في المدارس بهذه المناسبة.
واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي بالتعليقات والمنشورات، بين رافض بأن تكون لبنان ساحة لما يراه ناشطون جدلا تاريخيا لبنان في غنى عنه، وبين ما يراه آخرون حقا طبيعيا على اعتبار أن الأرمن يشكلون إحدى الطوائف في لبنان، ضمن المسيحيين الذين هم بدورهم مكون أساسي من مكونات الدولة اللبنانية.
استثمار سياسي
غير أن الأخطر حسب مراقبين هو في تحول موضوع "الإبادة الأرمنية" إلى مادة انقسام سياسي وطائفي، شكلت بالنسبة لأطراف سياسية معينة فرصة لتجديد الهجوم على تركيا وتوجيه الانتقادت لسياساتها الخارجية لا سيما في ملف الأزمة السورية.
ولوحظ تركيز وسائل إعلام لبنانية محسوبة على فريق الثامن من آذار، الذي يتزعمه حزب الله، على المناسبة، مع إفراد مساحات واسعة للحديث عنها وربط ما جرى قبل مئة عام بما يجري حاليا من دور تركي في المنطقة، كما هو الحال في صحيفة الأخبار المحسوبة على حزب الله.
وفي هذا الشان، يقول الإعلامي والكاتب أواب المصري إن هذا الخلاف بشأن "ذكرى المجازر الأرمنية"، يأتي "بمنزلة مادة خلافية جديدة، تضاف إلى لائحة الخلافات التي تفرق بين اللبنانيين".
ويضيف المصري، في حديث لـ"عربي21": "عوض أن يبحث المعنيون في الدولة عن سبل التخفيف من حجم الخلافات والانقسامات بين اللبنانيين، ساهم بعضهم في تعميق هذه الخلافات".
ولفت إلى أن "هذه هي المرة الأولى التي يُثار فيها موضوع الإبادة الأرمنية في لبنان بهذا الشكل ويشكل مادة سجالية بين اللبنانيين، فأولا هي الذكرى المئوية للمجزرة التي يزعم الأرمن حصولها، وثانيا هي تتزامن مع هشاشة سياسية واجتماعية غير مسبوقة في النسيج اللبناني".
ويؤكد المصري أن هناك أطرافا تسعى لاستغلال المناسبة لمصلحتها، حيث يرى أن "ذكرى ما يطلقون عليه اسم الإبادة الأرمنية كانت يمكن أن تمر على اللبنانيين دون أن يشعر بها أحد، لكن كان واضحا أن هناك من يريد استغلال هذه المناسبة لمصالحه الخاصة والانتخابية، ولو أدى ذلك لإذكاء فتنة بين اللبنانيين".
أهداف انتخابية
ويشير المصري إلى أن ثمة أهدافا انتخابية تقف خلف مواقف بعض الأطراف السياسية من المناسبة، حيث "التنافس بين القوى المسيحية التي تحتاج لأصوات الناخبين الأرمن في الانتخابات على خطب ودّهم، من خلال تأييد المواقف الأرمنية المتعلقة بمزاعم الإبادة الأرمنية، وإعلانهم مواقف معادية لتركيا والدولة العثمانية".
ويرى المصري أن "المواقف الاستعراضية لم ترق لشريحة واسعة من اللبنانيين الذين يشككون بمزاعم الأرمن، ويرون أن عدد القتلى التي يقول الأرمن إنهم سقطوا على أيدي العثمانيين مبالغ فيه، بل إنهم يعتبرون العثمانيين استمرارا للخلافة الإسلامية التي يؤمنون بها ويتمنون عودتها"، معبرا عن اعتقاده بأن ما زاد في تفاقم الانقسام قرار وزير التربية بالتعطيل الإلزامي للمدارس في الذكرى.
إعلام تركية في لبنان
في المقابل، أطلق ناشطون محسوبون على الجماعة الإسلامية (الفرع اللبناني لجماعة الإخوان المسلمين) وناشطون آخرون من أصول تركية؛ حملة شعبية في عدد من المدن اللبنانية، قال قائمون عليها لـ"عربي21" إنها تاتي ردا على الحملة التي يشنها إعلاميون وسياسيون بحق تركيا في المناسبة.
وقال أمين سر رابطة الشباب اللبناني والتركي بلال فضل، لـ"عربي21"، إن الحملة تأتي "للرد بطريقة حضارية على ما يمارسه الأرمن وحلفاؤهم من حملة شرسة ليس على الدولة التركية فحسب، بل على المسلمين في لبنان".
ويضيف بلال أن الحملة لاقت رواجا واسعا في مختلف المناطق اللبنانية، وانتشرت الأعلام التركية جنوبا وشمالا وفي الوسط، حتى في أحياء محسوبة على الأرمن مثل منطقة برج حمود ذات الأغلبية الأرمنية.
كما أطلق نشر الناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي هاشتغات مختلفة تتضامن مثل هاشتاغ #مائة_عام_على_أكذوبة_الإبادة_الأرمنية، وهاشتاغ آخر بعنوان #تركيا_كانت_ومازالت_بخدمة_الإنسانية.
بدوره علق المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في جنوب لبنان، بسام حمود، على حملة رفع الأعلام التركية بالقول إنها "خطوة تأتي رفضا لقرار الفتنة الذي أصدره وزير التربية والتعليم العالي إلياس بو صعب، وتضامنا مع اللبنانيين من أصول تركية".
وأكد حمود في بيان صادر عنه، وصلت "عربي21" نسخة منه، أن لبنان "لا يحتمل مثل هذه القرارات الارتجالية، التي يتخذها بعض السياسيين من أجل مكاسب سياسية وانتخابية في مناطقهم، وخاصة عندما يقاربون قضايا تاريخية لها أبعاد طائفية ومذهبية، بعد أن شُوهت الحقائق وزُور التاريخ، لكي يدينوا المسلمين بمجازر هم في حقيقة الواقع ضحيتها".
يذكر أن غرفة التجارة والصناعة والزراعة في شمالي لبنان تراجعت في اللحظات الأخيرة عن السماح بإقامة فعالية للأرمن، بعد أن لوح علماء وفعاليات شعبية بإقامة فعالية في ذات المكان تحت عنوان "إحياء لذكرى تحرير طرابلس من الصليبيين"، وهو ما دفع رئيس الغرفة توفيق دبوسي للاعتذار عن اسىتضافتها ونقلها لمكان آخر.