ماذا تفيد أن تكون رحيماً ووديعاً ، تدعو إلى السلام والمحبة والحياة المشتركة الكريمة دون توتر وقلق، في وسط أناس لئام وأشرار وقتلة، يستهدفونك ويستهدفون دينك وحضارتك ومجتمعك ويرفضون كل مبادرة سلام منك؟
هذه الأنواع من البشر لا يفيد معهم الحوار ولا السلام ولا الترحم والمناشدات، ولا أي اتفاقيات من أي نوع ، لا تفيد معهم إلا مجابهتهم بمثل ما يجابهونك"العين بالعين والسن بالسن"، والسلاح بالسلاح، والاعتداء بالاعتداء، والإساءة بمثلها والبادئ أظلم وأطغى.
فليس من المعقول أن يغزوك عدو غاشم في عقر دارك ويقتل أبناءك ويحتل أرضك ودارك، ثم تدعوه إلى السلام والمحبة والجلوس للمفاوضات! فهل ينفع الكلام الناعم والأسلوب الدبلوماسي مع ميليشيا الحوثي وهي تحتل صنعاء، وتنقلب على الشرعية وتهدد أمن الخليج والمنطقة؟.
وهل ترضى المجتمعات السنية أو أي مجتمعات أخرى تحترم نفسها في العالم، أن تقوم بعض مكوناتها الطائفية أو العرقية بفرض أجندتها السياسية والدينية عليها بقوة السلاح، على ضوء تعليمات تتلقاها من دول أجنبية؟!
كنت قد أثرت قبل أسبوعين في هذا المنبر الإعلامي الكريم بعض هذه الطروحات، ودعوت الدول السنية في المنطقة بضرورة تشكيل جبهة عسكرية قوية لمواجهة
إيران وأذنابها من الميليشيات الطائفية"المحلية"، التي تأتمر بأوامرها وتعمل لصالحها وتنفذ سياستها التوسعية على حساب أمن واستقرار تلك الدول.
ونبهت إلى خطورة ترك تلك الميليشيات المجرمة حرة طليقة لتعيث في الأرض قتلاً وفساداً، من دون عقاب صارم يردعها عن غيها ويوقفها عند حدها، عقاب يناسب جرائمها التي اقترفتها بحق المواطنين الآمنين، وبحق المجتمعات التي زعزعت أمنها واستقرارها.
وجاءت عمليات (
عاصفة الحزم) العسكرية التي تتولاها المملكة العربية
السعودية، ويقودها ويشرف عليها خادم الحرمين الشريفين"سلمان بن عبدالعزيز"في أول خطوة عسكرية مباركة له بعد توليه الحكم، ضمن جبهة عربية وإسلامية عريضة مكونة من عشر دول، استجابة لطلب الرئيس اليمني الشرعي"عبدربه منصور هادي" الذي أطيح به في انقلاب عسكري من القوات الحوثية الغازية، بدعم ومساندة مباشرة من إيران، لتقصم ظهر المعتدين
الحوثيين وتتصدى لأحلامهم التوسعية وتقضي على خطرهم الداهم على اليمن والخليج العربي، قبل أن تستفحل الأوضاع وتصبح أزمة عميقة لا يمكن الخروج منها مثل أزمة العراق وسوريا.
فالمنطقة لا تحتمل مزيداً من الأزمات الطائفية، ومن مصلحتها أن تتخلص من بؤر الإرهاب وتقضي عليها، سواء كانت بؤر"القاعدة"او الميليشيات"الحوثية"، وهذا ما حاولت"عاصفة الحزم" فعله، في عمليات جوية ساحقة، دكت حصون الإرهابيين الانقلابيين.
فتعالت صيحات الطائفيين وأقطابهم في المنطقة، منددين ومهددين كالعادة، رئيس مجلس تشخيص النظام الإيراني"هاشمي رفسنجاني"وصف العملية بـ"الخاطئة والخطيرة"، و"المالكي"في العراق دعا الأمم المتحدة إلى إيقافها، و"حسن نصرالله" شن هجوماً وقحاً وشديداً على العملية ووصفها بـ"العدوان"، ووجد رأس النظام السوري المجرم فرصة ليدعو روسيا إلى تنشيط قاعدتها العسكرية في مرافئ طرطوس وتوسيعها: (إننا نرحب بأي توسع للوجود الروسي في الشرق المتوسط، وتحديداً على الشواطئ والمرافئ السورية).
وما زاد من حيرة الطائفيين وهلعهم وأفقدهم الصواب وجعلهم في حالة تخبط واضح، هو قوة وسرعة رد فعل السعودية والدول المتحالفة معها على العدوان الحوثي، فلم يكونوا يتصورون أبداً أن تقوم الدول"السنية" بتشيكل جبهة موسعة تحظى بالإجماع الإسلامي والدولي، لمواجهة طموحاتهم الانقلابية بحزم وقوة لا تلين.
كنت أتوقع ظهور مثل هذا التحالف المبارك في أي لحظة، لأن التحديات والتهديدات التي شكلتها القوى الطائفية بقيادة إيران على المجتمعات السنية كانت كبيرة وحقيقية، لم يكن أمامها إلا أن تتحرك للدفاع عن نفسها وتجابه القوة بالقوة.
وإذ أبارك تشكيل"عاصفة الحزم"والعمليات الجهادية التي تقوم بها ، أدعو إلى توسيع مهامها لتشمل كل الدول الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وألا يقتصر عملها على الجوانب العسكرية، فقط بل تشمل جوانب أخرى سياسية وثقافية واقتصادية، لمواجهة الفكر المتطرف الخبيث الذي انتشر في المنطقة كوباء، يجب القضاء عليه واستئصاله.