جاء الرد الخليجي بقيادة سعودية على التوغل الحوثي في
اليمن بمساعدة إيرانية عسكريا، دون معرفة جادة وحقيقية، إن كانت العربية
السعودية وحلفاؤها بذلت جهودا دبلوماسية كطريق أول نحو المحافظة على أمنها القومي، وأمن باقي دول الخليج! اللهم إلا إذا كانت الدبلوماسية السعودية ـ الخليجية كانت تنتظر نتائج مفاوضات المبعوث الأممي جمال بن عمر التي فشلت في وضع إطار سياسي ضمن جدول زمني يرضي أطراف اللعبة السياسية اليمنية.
بعض العارفين بالشأن اليمني الداخلي لا يتهمون فقط الدعم الإيراني للحوثي، أو الحلف غير المقدس الذي شيده الرئيس المخلوع بدعم إماراتي علي عبد الله صالح، بإسقاط اليمن في حفرة تحتاج إلى عشرات السنوات للخروج منها، بل يوجهون أسهم الاتهامات للرئيس المطارد عبد ربه منصور هادي نفسه؛ إذ يعتقدون أنه ساهم وشارك في سيطرة الحوثيين وتمددهم إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وذلك بهدف إضعاف قبائل حاشد التي كان لها دور بارز في إسقاط نظام علي عبد الله صالح، الذي كان عبد ربه منصور هادي نائبه له منذ عام 1994 وحتى سقوطه.
لقد دعمت منظومة دول الخليج العربي الانتقال السياسي في اليمن وفق اتفاق الرياض، إلا أنها لم تمنح علي عبد الله صالح صك نجاته فقط، بل إنها ساعدته وفق الاتفاق على الإفلات من العقاب، ومنحته الوقت والحصانة الكافية لينقض من جديد مع حلفاء مدعومين من إيران، على مخرجات العملية السياسية الغامضة في أساسها من ناحية مستقبلها.
لقد تحولت اليمن إلى ملعب لحرب مباشرة بين السعودية وإيران، حيث لن تكتفي إيران بالتنديد الدبلوماسي، وهي التي استطاعت أن تتحالف مع الحوثيين المختلفين مع المذهب الاثني عشري، إذ إن الحوثيين ينتمون للمذهب الزيدي القريب لأهل السنة، كما أن إيران لن تخضع لابتزاز الغرب بسبب ملفها النووي، لتقديم تنازلات في الملف اليمني، ولن تكتفي كذلك بمجرد دعم عبد الملك الحوثي بالسلاح والمال، بل ستحرك إدارة معركتها إلى الداخل السعودي عن طريق شيعة السعودية، التي لن تعدم مئات الوسائل للتواصل معهم ودعمهم، وتحريكهم داخل العربية السعودية، فملعب اليمن وفق هذه الصيغة مفتوح على الداخل السعودي.
لقد سقط العقل السياسي السعودي في فخ ضرب تيار الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي، بما فيها اليمن "حزب التجمع اليمني للإصلاح"، تحسبا وتخوفا من دخول رياح التغيير إلى المملكة، في الوقت الذي كان يمكن للنظام السعودي إدارة التغيير داخليا، بفتح مزيد من منابر الحريات، وإطلاق سراح سجناء الرأي، ورفع القيود عن العمل السياسي، بطريقة لا تعصف بالمجتمع.
إلا أنها عممت الحالة، ولم تستثن حتى أمنها الاستراتيجي، وهي مضطرة الآن بعد فتحها حربا قد تستمر لسنوات لا إلى إعادة حسابات تحالفاتها وتصنيف أعدائها من أصدقائها، بل إلى الإسراع في التحالف مع القوى السياسية المنظمة اليمنية الوحيدة، وهي حزب التجمع اليمني، وهو ما يعني أيضا في السياق ذاته، تغيير سياساتها تجاه تيار الإسلام السياسي في العالم العربي كله "
مصر،
ليبيا،
تونس، سورية"، بسبب أن عقد اتفاق شراكة مع التجمع اليمني دون نزع فتيل التوتر مع الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي، يعني فشل الشراكة مع إخوان اليمن.
تحتاج السعودية أيضا باعتبارها أكبر قوة مؤثرة في منطقة الخليج إلى سحب الدور الإماراتي السلبي إلى الخلف في اليمن ومصر وليبيا وتونس، وتمويلها للانقلابات العسكرية، وتزوير الإرادات عبر أذرعتها الإعلامية الممولة.
بالتأكيد، ليس مطلوبا من العربية السعودية إعادة الشرعيات الانتخابية في مصر، أو تأييدها في ليبيا بعدما أعادتها المحكمة العليا الليبية للمؤتمر الوطني العام، أو بمنع الزج بنهضة تونس في حظيرة الإرهاب، رغم كل ما قدمه زعيمه الغنوشي من تنازلات حفاظا على السلام المجتمع في تونس، بل المطلوب منها هي وحلفائها الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، لأنها الآن تذوق من السم ذاته الذي جرّعته لغيرها من الدول.