قدم المبعوث الأممي جمال
بنعمر تقريره إلى مجلس الأمن في جلسة الأمس بكثير من الالتفاف والتماهي مع الرغبة الأمريكية.. ولاحظت أمرين جوهريين؛ الأول بنعمر لم يذكر الرئيس السابق مطلقاً وهو الذي ظل ينتقده في كل شاردة ووارده، وحين تقدم صالح بقوة دموية حقيقية ضمن مشروع الحوثي، وقرر اجتياح تعز والجنوب، لم ينطق بنعمر بكلمة واحدة.
الأمر الآخر؛ أن بنعمر وصف اللجان الشعبية المساندة لهادي بهذه الصفة (اللجان الشعبية) فيما وصف لجان الحوثي بـ"اللجان الثورية".. أي أن المبعوث الأممي بدأ يتماهى مع المشروع الأمريكي الإيراني في
اليمن.. ثم أنه ذكر دور "اللجان الشعبية" في إفشال الانقلاب ضد هادي، ولم يذكر دور الجيش والأمن هناك. بمعنى أدق؛ أراد بنعمر أن يقدم هادي كرئيس عصابات شعبية، وليس قائداً أعلى للقوات المسلحة بموجب الدستور اليمني.
أما مخرجات مجلس الأمن فقد كانت بيانا رئاسيا، غير ملزم، وليس قراراً تحت الفصل السابع كما كنا نأمل، لإنقاذ اليمن والمواطن اليمني.
المشهد اليمني في هذه اللحظة المفصلية من التاريخ يشهد حالة انحدار مهولة، وإذا لم يتدارك المجتمع الدولي وفي مقدمته دول الخليج الوضع اليمني، فإن التيار الشيعي الجارف سيتجه شمالاً ويضرب الخليج نفسه.
واليمن من الناحية الجغرافية هي المركز أو القاعدة التي تستند إليها الجزيرة العربية، ومن المناسب جداً أن تكون المنصة التي ينطلق منها المشروع الأمريكي الإيراني، وستتلاقى مع خلايا شيعية نائمة في الخليج العربي، تنوزع بين فكرية وسياسية واقتصادية وأمنية، وستلتقي يوماً بنظيراتها القادمة من منصة الانطلاق (اليمن) وسيبدأ العمل على تفكيك دول الخليج.
المشهد اليمني في هذه اللحظة لا صوت فيه يعلو على صوت الرصاص، والتحاور بين المكونات السياسية برعاية
الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن جمال بنعمر هو تحاور شكلي لا قيمة له، لأسباب أهمها أن الشواهد السابقة تقول بوضوح إنه لم يحدث مطلقاً أن التزم "الحوثيون" بأي اتفاق سابق، ودائماً يختلقون لأنفسهم الأعذار، وعلى المجتمع الدولي أن يغض الطرف، لأنه من ألقى إليهم بإشارة الضوء الأخضر.
والسبب الآخر؛ أي حوار هذا الذي سيكون متكافئاً والجميع يتحاورن وفوق رؤوسهم زناد القوة الحوثية، ومن جانبهم بنعمر وهو موظف مع الكبار لا قيمة له ولا وزن، وعليه أن يؤدي دوراً فقط، ولا أدل على ذلك من حديث بنعمر عن قرب التوصل إلى حل مرض قبيل انتهاء مهلة الـ15 يوماً التي حددها مجلس الأمن للحوثيين بسحب مسلحيهم من المدن وتطبيع الحياة السياسية قبل 4 آذار/ مارس الجاري، وقد انقضت الفترة وتآكلت جذورها ويبست أغصانها ولا يزال مجلس الأمن طالب بضبط النفس وينتظر متى "الجماعة" ستلتهم البقية، ليقول إنه أمام سلطة الأمر، وإنه يأسف لسقوط ضحايا مدنيين.
ومسألة نقل الحوار اليمني إلى الخارج الوطن هي حتمية، لكن ما ليس حتميا هو نزاهة بنعمر، فالرجل بدأ من الخميس الماضي بتبني خطاب الحوثي ويهاجم القبائل اليمنية ويتهمها بالتعاطف مع القاعدة... وربما تكون تصريحات بنعمر هي ما دفع الإمارات والسعودية إلى انتقاد سلوكه والذي وصفته بالمشرعن للانقلاب الحوثي.
لا أستطيع أن أخفي تحمل النخبة السياسية اليمنية لجزء كبير من المسؤولية، فهي نخبة رخوة لم تستلهم التاريخ، ولا استشعرت خطورة اللحظة الراهنة، ولا استشفت المستقبل، بل ظلت تراهن على جوادين خاسرين هما بنعمر والرئيس هادي، وكلاهما يعملان موظفين عند "الكبار"، لكن سياستهما أنتجت وضعاً قدم خيارات السلاح على خيارات السياسة.
وهذه الخيارات التي أنتجها سلوك هادي وبنعمر ليست بمنأى عن نظر الشارع اليمني، فالشعب صاحٍ وفي حالة يقظة تامة، ولكنه مجروح في كبريائه... الشعب واعٍ تماماً ويدرك خطورة ما تفعله الحركة الحوثية، ويرصد ويتابع كل صغيرة وكبيرة، ومن حسن الحظ أن
الحوثيين يفعلون ما يفعلون والشعب لا تزال ذاكرته طرية وهمته متعالية القيمة، فهو خرج بالأمس من ثورة فبراير، وما يزال في حالة ثوران، ومن الصعب تهدئته أو المساومة على حريته رغم البطش الشديد الذي تبديه الجماعة الحوثية، ورغم سكوت جميع السفارات الغربية عن حقوق الإنسان المنتهكة في اليمن.