يفصح حواريو صالح كل يوم عن حسرات بحجم السماء تجثو على أنفاسه وحشرجات مهزوم تملأ صدره، فالهزائم والانتكاسات تترى عليه واحدةٌ بعد أخرى، ليس من أعدائه في الجيش الوطني والمقاومة وحلفائهم في التحالف العربي فحسب، بل أيضاً من شركائه في الخراب والانقلاب، الحوثيين، أعداء سنوات رئاسته، وشماعة الإمامة التي كان يخوف الناس بها.
هذا الأسبوع تلقى صالح طعنتين موجعتين الأولى في مديرية المخا الساحلية التي خبرها وسبر أغوارها في شبابه، وأهملها في رئاستها وقاتلها وقتل أهلها في مرحلة إجرامه منذ بداية عاصفة الحزم حتى خرج منها ذليلا مهزوما.
كان صالح يعتقد أن المخا إحدى عناصر قوته في خنق مدينة تعز، وأحد أهم مصادر تمويل حربه في مواجهة الجيش الوطني والمقاومة، فهي واحدة من أهم المنافذ البحرية التي يأتي منها السلاح الإيراني لشركائه الحوثيين... وكانت بعيدة عن متناول الجيش الوطني وحين قرر الذهاب إليها لم يصمد صالح والحوثيين فيها أكثر من أسبوعين فقط.
الصفعة الأخرى والأكثر قسوة تلقاها رجل الحروب العبثية "صالح" من شركائه الحوثيين الذي غدروا به وابتلعوه بالتدريج في كل مراحل الصراع... كانت غلطته العظيمة حين استخدمه رجال العصابات الحوثية مطية لتمرير مشروعهم الانقلابي من خلال البرلمان الذي يمتلك صالح قوةً ونفوذاً فيه، إذ شاركوه في تشكيل مجلس سياسي لإدارة البلاد في مرحلة الحرب، ثم طلبوا منه حشر ما تبقى من رجاله البرلمانيين المخلصين للتصويت للمجلس السياسي ومنحه الثقة، وهو ما حدث، وتم الإعلان عن هذا الكيان المشوه في 6 أغسطس 2016، على أن تكون رئاسته دورية كل ثلاثة شهور، ومنذ ذلك الحين حتى اللحظة يرفض الحوثيون تدوير رئاسة المجلس، وإعطاء ممثل صالح فرص رئاسته.
واتبع الحوثيون خبثهم بابتلاع ما تبقى من قيمة سياسية وشعبية لصالح من خلال التوافق معه على تشكيل حكومة انقلابية مناصفة، وتم الاعلان عنها في 28نوفمبر الماضي، بشرط إلغاء اللجنة الثورية الحوثية التي كانت تسيطر على كل مفاصل الدولة من خلال مشرفيها، وعقب الاعلان عن حكومتهم الانقلابية ذهب وزراء الحوثي إلى مقرات عملهم يبتلعون وظائف الدولة العليا، ويخصصون الوظائف والمواقع القيادية للمنتمين لهم فقط، وكل خطوة يقومون بها تكون على حساب حضور المنتمين إلى حزب صالح "المؤتمر الشعبي العام" إذ لم يتبقى في الداخل من أصحاب الوظائف القيادية غير المنتمين للمؤتمر جناح صالح أو المستقلين الذيم ليس لهم موقف من طرفي الصراع.
كان تغلغل الجماعة الحوثية في الجهاز الإداري للدولة ينتشر كخلايا سرطانية ناهشة، ذهبوا يبتلعون كل شيء في المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والمدنية وصالح لا يزال يوصي أصحابه بالصبر وعدم شق الصف حتى لا يَشْمت بهم الأعداء!.
يقول وصاياه دون أن يتلفت إلى أنين وزرائه في حكومة الانقلاب، من أسموه وزير التخطيط والتعاون الدولي لم يستلم وزارته إلى اليوم لأنه يعرف أنه لن يكون أكثر من كرسي إضافي في وزارته، ووزير التعليم العالي يشكون من تدخلات المشرف الحوثي، ووزير الخارجية دمية لم ولن يغادر اليمن ولن يلتقيه أحد لأنه في حكومة لم تعرف بها حتى إيران، ولا يستطيع أن يرفع ورقة دون إذن المشرف الحوثي!.
وليس أمام صالح غير استخدام منصته الأخيرة والشكوى عبر المحسوبين عليه والمقربين منه وهؤلاء ليس أمامهم من وسيلة غير مواقع التواصل الاجتماعي، فالإعلام الحكومي في الداخل كله بيد الحوثة.. على صالح أن يشكو ويهدد بفض الشراكة الحكومية لأن الحوثيين غدروا به ولم يحلّوا اللجنة الثورية التي تسيطر على مؤسسات الدولة، ولم يمكنوا رجاله من العمل في وزاراتهم، فضلاً عن إقصاء رجاله من المؤسسات التي تقع في نطاق حصتهم!.
كان يعرف أنه يضع رجله مع جماعة ليس لها أخلاق أو عهد أو ذمة، واختبرهم في معاهدات كُثُر في سنوات حكمه، وعرف نوع وكم المعاهدات التي نكثوا بها منذ 2011 إلى الآن ومع ذلك اتخذ سلوك المقامر وقرر قتال الشعب وتدمير الوطن بالحوثيين، انتقاماً ممن أخرجه من السلطة، بدلاً من تقدير شعب صبر على فساده وخرابه ثُلث قرن!.