حتى بداية الخمسينيات كانت علاقة الأنظمة الملكية العربية بدول الجوار في الشرق الأوسط وإفريقيا، إما شديدة الحميمية وإما علاقة تصاهر كالحالة بين مصر وإيران والعراق وتركيا والسودان والحبشة، بل حتى العلاقة مع إسرائيل لم تكن بذلك السوء، فقد رسخت اتفاقيات الهدنة التي عقدت في رودس، السلام بين العرب وإسرائيل، ولم تكن هناك آنذاك عنتريات وتهديدات بالحروب وإغلاق لمنافذها البحرية كما حدث لاحقاً، بل أحاديث جادة عن كيفية الحل السلمي لمشكلة اللاجئين بعودة البعض وتعويض البعض الآخر.
مع تولي الثوريات العربية السلطة عبر الانقلابات العسكرية ورفعها شعارات الوحدة العربية، بينما كانت تعمل جاهدة على هدمها وقبولها بلعب دور مخلب القط والعمالة، لأكبر دولة مستعمرة بالتاريخ ونعني الاتحاد السوفييتي وجعلها أرضها قواعد عسكرية له، وهي التي رفضت القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية (ما الفرق؟)، ساءت العلاقات بين دولنا العربية ودول الجوار بسبب محاربة حلف بغداد البريطاني، ومشروع أيزنهاور الأمريكي، ومطالبات بإلقاء إسرائيل في البحر (كذا) ومعها مطالبات خيالية بضم أراض وألوية إيرانية وتركية، وعداء سافر للنظام الامبراطوري في الحبشة.
هل حراك
الميليشيات المؤدلجة والعسكرية التي تدمر الأوطان العربية هذه الأيام، هو نوع من «
الحرب الوقائية» لدول الجوار ضد ما يرون أنه عدو استراتيجي لهم، حيث يطمع العرب حال توحدهم في أراضيهم أو يحلمون بالقضاء على دولهم، كما كشفت عن ذلك الأنظمة الثورية وتجاوبت معها شعارات ومظاهرات الشعوب العربية في حقبة اليسارية الطفولية.
هناك دلالات كثيرة على تورط بعض دول الجوار فيما يجري على الساحة العربية، ضمن عملية توزيع أدوار شديدة الذكاء تتضمن ادعاء العداء بالعلن والحميمية بالخفاء، وتعكسها عمليات تزويد الميليشيات بالأموال والأسلحة الوافرة، يتبقى أن الحل ليس بإظهار العداء لتلك الدول بل على العكس تماماً، أي القيام بحملة سلام وصداقة وتخلٍ عن
الشعارات والمطالبات الثورية البائدة، وهو ما نرجو أن يكسبنا صداقتها ويطفئ بالتبعية نيران حروب الوكالة القائمة على أرضنا.
(نقلاً عن صحيفة الأنباء الكويتية)