تحاول القوات
العراقية "محاصرة" عناصر تنظيم الدولة في مدينة
تكريت ومحيطها، وقطع خطوط إمداده قبل مهاجمة مواقعه في داخلها، في اليوم الثالث من العملية العسكرية لاستعادة هذه المدينة الاستراتيجية.
وبدأ الاثنين نحو 30 ألف عنصر من الجيش والشرطة وفصائل شيعية مسلحة وأبناء بعض العشائر السنية، عملية عسكرية الاثنين، لاستعادة تكريت (160 كلم شمال بغداد) ومناطق محيطة بها، في أكبر هجوم ضد التنظيم منذ سيطرته على مساحات واسعة في حزيران/ يونيو العام الماضي.
ويثير حجم العملية ومشاركة فصائل شيعية فيها مخاوف على حياة المدنيين الذين لا يزالون في هذه المناطق ذات الغالبية السنية، واحتمال حصول عمليات انتقامية بحقهم لاتهامهم بالتعاون مع التنظيم.
وتهاجم القوات تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، وناحية العلم (شمالها) وقضاء الدور (جنوبها)، الواقعة جميعها تحت سيطرة التنظيم، من ثلاثة محاور: جنوبا (مدينة سامراء)، وشمالا (جامعة تكريت وقاعدة سبايكر)، وشرقا من محافظة ديالى.
وقال الفريق الركن عبد الأمير الزيدي، قائد عمليات دجلة، ومقرها ديالى، إن "الهدف من عملياتنا هو منع
داعش من تنفيذ الهجمات، وقطع طرق الإمداد والتواصل، ونقل عناصره ومحاصرة المدن بشكل تام وخانق، كي يتم الانقضاض عليهم".
وأشار إلى أن القوات المهاجمة "تمكنت من تدمير خط الصد الأول لداعش، وهو نقطة انطلاق لهجماتهم على مناطق ديالى (...) ما أدى إلى فرار عصابات داعش وانسحابهم إلى داخل المدن".
وأوضح ضابط برتبة لواء في الجيش أن "العمليات مستمرة حسب الخطة التي تم الإعداد لها مسبقا، فقطع الإمداد وتطويق المدن من مقومات النصر لتلافي وقوع خسائر، ومنع التنظيم من شن هجمات جديدة".
وأضاف أن القوات "تتقدم تدريجا وببطء بسبب تفجيرات القنابل على جانب الطرق ونيران القناصة، لكن نحقق الأهداف وفق الخطة"، على حد قوله.
وكانت مصادر عسكرية أفادت الثلاثاء، أن تقدم العملية يعيقه لجوء تنظيم الدولة إلى تكتيك العبوات الناسفة وأعمال القنص.
وقال المتحدث باسم الشرطة، العقيد محمد إبراهيم، الأربعاء، إن عمليات القصف "أجبرتهم (عناصر التنظيم) على الفرار"، وأن الأخير "يعتمد على العبوات الناسفة والسيارات المفخخة المدرعة، ولا يعتمد أسلوب المواجهة".
وأعلن التنظيم أن ثلاثة من عناصره نفذوا ثلاث عمليات انتحارية الثلاثاء.
وقال في نشرة الأربعاء من "إذاعة البيان" التابعة له، إن ثلاثة انتحاريين فجروا ثلاث شاحنات مفخخة "على تجمعات للجيش الصفوي وميليشياته الرافضة بالقرب من مدينة سامراء".
كما استهدف التنظيم رتلا عسكريا قرب قاعدة سبايكر، بحسب الإذاعة.
ويرجح خبراء أن تؤدي هذه التكتيكات إلى إطالة أمد المعركة.
وقال جون درايك، من مركز "آي كاي إي" للشؤون الأمنية في بريطانيا: "أرى أن هذه العملية ستستغرق بضعة أسابيع. حتى لو تمت استعادة تكريت من قبل القوى الأمنية، ستبقى معرضة لاختراقات وهجمات إرهابية، نظرا إلى قربها من مناطق ساخنة مثل محافظتي نينوى (شمالا) والأنبار (غربا)"، اللتين يسيطر التنظيم على غالبية مساحتهما.
وتعدّ تكريت ذات أهمية رمزية وميدانية، فهي مدينة رئيسية ومسقط الرئيس الراحل صدام حسين. كما تقع على الطريق بين بغداد والموصل، مركز محافظة نينوى، وأولى المناطق التي سيطر عليها التنظيم في حزيران/ يونيو العام الماضي.
وفي حين بقي طيران التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم خارج نطاق عملية تكريت، قالت وسائل إعلام إيرانية إن الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري، موجود في صلاح الدين.
الدور الإيراني الأكثر علنية
وفي تعليق على هذا التقرير، قالت واشنطن إن الدور الإيراني في عملية تكريت قد يكون إيجابيا، طالما أنه لا يؤدي إلى توترات مع السكان السنة.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش، الجنرال مارتن دمبسي، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، الثلاثاء، إن المساعدة الإيرانية للفصائل الشيعية العراقية ليست جديدة، لكنها تتم بشكل أكثر علانية، معتبرا أن هذا الهجوم يمثل التدخل الإيراني "الأكثر وضوحا" في العراق منذ 2004.
وأضاف: "بصراحة، هذا (التدخل) سيطرح مشكلة فقط إذا أدى إلى توترات مذهبية". وتابع: "إذا تصرفت (القوات والجماعات المسلحة) بطريقة نزيهة، أي أعادت المدينة إلى أهلها، عندها سيكون لهذا الأمر تأثير إيجابي على الحملة" العسكرية ضد تنظيم الدولة.
وردا على سؤال عن وجود سليماني، قال ديمبسي: "رأيت صورته بنفسي. استخباراتنا ستعمل الآن للتحقق مما إذا كان موجودا هناك أم لا".
بدوره، أعرب وزير الدفاع، آشتون كارتر، أمام اللجنة ذاتها عن أمله في ألا يؤدي الهجوم إلى إيقاظ شبح الفتنة الطائفية "المقيتة" في العراق.
وشدد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الأحد الماضي، خلال إعلانه بدء عمليات "تحرير" صلاح الدين، على ضرورة حماية المدنيين.
نزوح العائلات من تكريت
وقامت عائلات عدة في الأيام الماضية بالنزوح من المنطقة. وتحدث أحد النازحين الذي انتقل مع عائلته إلى مدينة كركوك (350 كلم شمال بغداد)، عن وجود "خوف" من العمليات العسكرية.
وقال "أبو أحمد" الذي نزح مع زوجته وأبنائه الخمسة: "تركنا منزلنا بسبب الخوف من العمليات العسكرية والقصف، وأن تصل القطعات العسكرية، التي لا تميز بين الشخص البريء والشخص المسلح".
واضطر أبو احمد وعائلته إلى اتباع مسار طوله قرابة 800 كلم للانتقال من العلم إلى كركوك، التي تبعد عنها عادة نحو 100 كلم فقط.
ودفع الرجل، وهو ضابط سابق في الجيش، ألف دولار أمريكي لـ "دليل". وأضاف: "شعرنا بخوف، والشائعات التي كانت تتداول بين الناس أن الميليشيات قادمة، وأنها إذا أتت ستقوم بالقتل والانتقام على اعتبار أن من في تكريت مجرمين، ارتكبوا جريمة سبايكر"، في إشارة إلى خطف مئات من المجندين
الشيعة من هذه القاعدة، وإعدامهم بالرصاص في حزيران/ يونيو العام الماضي.