أنت أخي وإن لم يجمعنا النسب.. وأنت أخي لأن رباط العقيدة يصل قلوبنا نابضاً بروح الإيمان. وأنت أخي لأن نور الإسلام يعمنا.. وطريقه يجمعنا، وسيادة مبادئه وشريعته منتهى أملنا.
كل الدنيا - تقريبا - تعلم أن ما بينك وبين «الإجرام» هو ما بين السموات والأرض، فقد اعترفت بنصرك وفوزك في كل الاستحقاقات وفق قواعد ديمقراطيتهم وخبرت حب الشعب لك ،إلا أنك صرت فجأة ورغماً عنك وعن كل الأحرار والشرفاء مجرماً يستحق الزج به خلف القضبان، وتلك يا أخي هي لغة الطغيان.. لا تعرف عدلاً.. ولا منطقاً.. ولا عقلاً.. وهنا تسير الأمور على غير هداها.. بظهرها.. أو على يديها بدلاً من أرجلها.. سمة العصر ولغته حتى وإن صدعوا رؤوسنا بحقوق الإنسان!
لم يضبط سجَّانك يوماً في يدك قنبلة موقوتة، أو حتى مرسومة على الورق...
ولم يضبط يوماً في جيبك سكيناً أو حتى قلاَّمة أظافر ليرفع بها فوق رأسك شعار الإرهاب المذموم، وكل ما في الأمر أنه ضبط لسانك يصدح بالحق المختطف فتهفو إليه القلوب، وتلتف حوله الجماهير، ويفر منه الباطل مجرجراً خلفه الجرذان... وكل ما في الأمر أنه ضبط بين أصابعك السبابة والوسطى والإبهام قلماً تنطلق من سِـنِّهِ قذائف الحق ضد الخونة والظلمة ، وضد بني صهيون وأشياعهم، أو لعله سمع دبيب الفكر في رأسك، فانفطر فؤاده، وأصيب كيانه بالزلزال، فأمسك بتلابيبك وهو يهتف بأعلى صوته: هذا مجرم.. لا مكان إلا خلف القضبان.
يعلم سجَّانك أنك قضيت عمرك في طاعة ربك وبناء الأوطان.. والحفاظ على أمنها وشرفها.. وتشهد قضبان
السجن الحديدية ببراءتك وطهرك مثلما تشهد لك قلاع العلم على من علمتَهُم من أجيال، وتشهد جدرانها ومدرجاتها وفصولها الدراسية من الروضة حتى الجامعة على ما نثرته في تربتها من بذور العلم النافع، ولهذا سجنك.. ولم يأبه لنداءات الأجيال.
ويعلم سجَّانك أنك قضيت عمرك تستنقذ الضحايا من بين أنياب المرض في المستشفيات، وقد حفرت لك المباضع على الأسِرَّة عشرات الأوسمة وشهادات الحق لما قمت به طمعاً في رضوان الله.. ولهذا سجنك، لأنك استأثرت بالدعوات، وكان نصيبه هو اللعنات.
يعلم سجَّانك أنك شيَّدت المصنع وأدرته وتدفق منه ومن بين يديك الإنتاج.. ولهذا سجنك، لأنك لم تلوِّث يوماً يدك بخطف عَرَق العمال، فالتفوا حولك وحملوك فوق الأعناق.
أعلم أنك أكثر شموخاً ورسوخاً من الجبال، وأنك في نعمة لو اطلع عليها سجَّانك لقاتلك عليها.. لأنك في معية الرحمن.
أكاد أشعر أن القضبان تذوب خجلاً.. والجدران تتوارى حياءً.. وتكاد السلاسل أن تنكمش من الخزي، لأن بينها وخلفها شريف ليس هذا مكانه، وإنما مكانه في ميدان الحياة ليقود قوافل الصحوة ضد غارات الأعداء.
ولا أشك لحظة.. أن الجبار جل في علاه يغيِّر في طرفة عين من حال إلى حال.. غداً ستنشق الجدران، وتتساقط السلاسل، وتذوب القضبان، وستخرج إلى الدنيا وأنت تردد: سنُطبب المريض بدوائنا.. ونؤَمِّن الخائف في رحابنا.. ونتلو على الدنيا كتاب جهادنا.