"التحالف التركي السعودي كان أكبر عائق أمام التحالف الأمريكي
الإيراني الذي حوَّل المنطقة إلى جحيم، بدءا من العراق إلى
سوريا ولبنان وصولا إلى اليمن ومناطق أخرى. وكان من الضروري ضرب هذا التحالف وكسره حتى لا يقف سدا منيعا أمام مخططات التحالف الأمريكي الإيراني وتمدده. ولم يجدوا من يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه غير الإمارات وولي عهدها الذي كان يطمع في أن تكون أبو ظبي "عاصمة القرار العربي" وأن يكون هو نفسه "زعيم هذا القرار". وكان حلم محمد بن زايد أن يجعل
السعودية "سترة واقية" تقيه من سهام الانتقادات وأن يجعل جيش مصر "رأس حربة" يضرب بها خصومه، ليستغل مكانة الأولى الدينية بالإضافة إلى أموالها ويستفيد من قوة الثانية العسكرية وموقعها الجيو إستراتيجي، ليكمل بهما ما ينقص الإمارات في حروبها الخارجية.
نجحت هذه الخطة الذكية، وتم الانقلاب على إرادة الشعب المصري وتشديد الحصار على قطاع غزة وجر السعودية إلى دعم الانقلاب والدفاع عنه، ولم تتحمل الإمارات أعباء دعم الانقلاب وتبعاته المالية وحدها، بل تقاسمت الفاتورة مع الآخرين، وأصبحت السعودية ومصر كجناحي الإمارات التي تحلق بهما إلى أبعد من حدود حجمها وقدراتها، كـ"أكبر وأهم حليف للولايات المتحدة في المنطقة"، وبدأ محمد بن زايد يشعر بأنه لا يقدر أحد بعد الآن على أن يقف ضده، وأراد أن يضرب قطر، وتم سحب السفراء من الدوحة، وكادت الخطة تنجح لولا حكمة القيادة القطرية التي أدركت اللعبة ولم تقع في الفخ وتعاملت مع الأزمة بكل عقلانية، وفشلت خطة ضرب قطر باستخدام السعودية.
الانقلاب العسكري في مصر دفع كلا من السعودية وتركيا إلى طرفي النقيض، وتوترت العلاقات بين البلدين، وشرع الإعلاميون السعوديون الموالون لولي عهد أبو ظبي يشنون هجوما لا ينقطع على
تركيا وقادتها بمزيد من التحامل والكذب وإثارة الهواجس واستحضار أحداث التاريخ وتوظيفها لتبرير ما يقومون به من تأجيج الفتن وبث الكراهيةز وتنفس النظام السوري الصعداء بانهيار التحالف التركي السعودي، كما أن إسرائيل فرحت به، وأصبح الطريق مفتوحا أمام التحالف الأمريكي الإيراني لتوسع إيران نفوذها في المنطقة وتسقط عواصم عربية أخرى في قبضة طهران بمباركة واشنطن".
هكذا يقرأ محللون بعض ما حدث في المنطقة منذ اندلاع الربيع العربي، ويرونها قراءة صحيحة بينما يعتبر آخرون هذه القراءة نتاج "عقلية مؤامراتية" ومبالغا فيها، إلا أنه بين هذا وذاك هناك حقائق يتفق في صحتها معظم المحللين بل وعامة الناس أيضا. ومن تلك الحقائق أن الولايات المتحدة لا يمكن أن ترفض بهذه السهولة ما تطالب به تركيا للانضمام إلى
التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، إن ضمت السعودية صوتها إلى صوت تركيا وطالبت أيضا بإقامة مناطق آمنة في داخل الأراضي السورية وفرض حظر للطيران. ومما لا شك فيه أن التحالف التركي السعودي قادر على تغيير التوازن في سوريا لصالح ثورة الشعب السوري وإنهاء كثير من معاناته، إلا أن هذا التغيير لن يكون بالتأكيد لصالح التحالف الأمريكي الإيراني ولا لصالح إسرائيل التي تريد أن تظل سوريا تستنزف الجميع، وسيزعج الإمارات التي تستضيف أسرة الأسد وتدعمها.
الكاتب السعودي جمال خاشقجي يرى أن الشرق العربي ينهار وأن التعاون بين السعودية وتركيا والولايات المتحدة قادر على وقف هذا الانهيار، ولكنه يضيف ويقول: "تركيا، تحتاج إلى أن تنظر إلى أن علاقاتها الإستراتيجية مع السعودية أهم من مجرد نصرة تيار الإخوان المسلمين"، في محاولة لتحميل أنقرة جزءا من مسؤولية تدهور العلاقات التركية السعودية.
هذا الاتهام، أي تحالف تركيا مع تيار الإخوان المسلمين، محاولة للفت الأنظار عن أصل المشكلة، وتنصل من تحمل مسؤولية دعم الانقلاب العسكري وما ارتكبه السيسي من جرائم دموية، لأن تركيا حاولت وما زالت تحاول الاتصال مع الجميع، ولعل علاقات أنقرة مع محمود عباس وتأييد السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية خير دليل على ذلك، رغم تحالف عباس مع السيسي ووقوفه إلى جانب الانقلاب. وأحب أن أسأل الأستاذ جمال خاشقجي بكل وضوح: "هل السعودية مستعدة للتخلي عن دعم الانقلاب وتقبل إرادة الشعب المصري وتجليها في انتخابات حرة ونزيهة وأن تحترم هذه الإرادة، أم أن المشكلة تكمن في نظرة الرياض للربيع العربي ومطالب الشعوب؟"، و"أين يضع خاشقجي ما قاله الأمير الوليد بن طلال عن الانقلاب العسكري في مصر والربيع العربي؟".