نكذب إذا قلنا إن مشاعر غالبية الأمة في العام 2008 عندما اغتال الصهاينة عماد مغنية في دمشق، هي ذاتها مساء الأحد حين أعلن عن سقوط نجله (جهاد) وعدد من رفاقه، وقائد
إيراني كبير (قيل إنه مساعد لقاسم سليماني مع خمسة آخرين) أيضا بغارة
إسرائيلية قرب الحدود مع الجولان السوري الذي بقي هادئا طوال عقود.
قبل التعليق، ينبغي التذكير بأن الصهاينة لم يكونوا مع الثورة السورية بحال، وهم الذين ضغطوا في كل اتجاه من أجل حرمان الثوار من السلاح النوعي، وهم أنفسهم من قرر العمل من أجل إطالة أمد الحرب كي تتحول
سوريا إلى ثقب أسود يستنزف جميع خصومها، بمن فيهم إيران وحزب الله، فضلا عن تركيا وربيع العرب، وتدمير البلد. وما كان لهذا المخطط أن ينجح لولا إصرار إيران على نصرة النظام بكل وسيلة ممكنة.
الشعب السوري، وجميع مؤيديه لا ينتظرون عونا من الصهاينة، ولو انتصرت الثورة لما كان الشعب إلا في خندق المقاومة، وهو أشرف من بشار وداعميه بألف مرة، ومن يشتم شعبا ليزكي طاغية لا صلة له بالأخلاق.
وبالتالي فأي تدخل صهيوني هو مدان بكل المقاييس، ويستحق الرد حتى لو كان ضد النظام، وما أشرنا له في البداية هو فقط من أجل التنبيه لمشاعر طبيعية تفرق بين وضع مغنية الأب الذي قتل وهو يطارد الصهاينة ويطاردونه، وبين مغنية الابن الذي جاء ينصر طاغية ضد شعبه، من دون أن يقلل ذلك من حجم إدانة الجريمة، ومعه الحزن على هذا الوضع البائس الذي حشرت فيه إيران الأمة، كما حشرت فيه
حزب الله وغالبية الشيعة العرب.
وفي حين لم يعترف نصر الله أن له مقاتلين على الأرض السورية خارج سياق الدفاع عن مقام السيدة زينب، ومناطق القلمون والحدود مع لبنان، فإن ما جرى يؤكد أن مقاتليه في كل مكان، وهي قصة لم تكن بالنسبة إلينا في حاجة إلى تأكيد على أية حال.
نعود إلى العملية التي تؤكد من جانب آخر أن الاختراقات الصهيونية في حزب الله لم تكن محصورة في محمد شوربا، المسؤول في قسم العمليات الخارجية للحزب، والذي كُشف عنه مؤخرا، ويُقال إن جهاد مغنية له صلة به، بل توجد اختراقات أخرى في الصفوف الأمامية، وإلا كيف تمكن الصهاينة من تحديد هدف كهذا ومن ثم إصابته بهذه السهولة؟!
ولعل الأكثر إثارة في العملية التي نحن بصددها أنها تأتي بعد يومين فقط من تهديد نصر الله بأنه سيرد على أي عدوان يطال سوريا، فضلا عن استعراضه بقصة الأسلحة التي يملكها الحزب، ما يعني أن الصهاينة لا يأخذون تهديداته على محمل الجد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيرد الحزب فعلا على العملية، وما هي طبيعة الرد؟ هل سيتمثل في عملية محدودة في مزارع شبعا كما في مرة سابقة، وكما رجح الصهاينة أنفسهم، أم عملية أو عمليات خارجية، أم سيعضُّ كما مرات سابقة على جراحه خشية أن يصبَّ ذلك في صالح من يسميهم التكفيريين والإرهابيين، إلى جانب الخشية من ضربات متبادلة تشعل حربا لا يمكنه احتمال كلفتها. والمخاوف الأخيرة لها وجاهتها للأمانة، وذلك في ظل الانقسام اللبناني الداخلي، بل الانقسام في كل المنطقة، وتحوّل إيران إلى عدو يتقدم عند البعض على أمريكا والصهاينة مع الأسف، فضلا عن الأجواء الدولية، وحوار إيران مع الغرب بشأن النووي، وكل ذلك يرجح أن ردا قد يأتي، لكن سيأخذ في الحسابات جميع الظروف الموضوعية الراهنة، ما سيجعله محدودا في الغالب.
ولعل ما ينبغي التذكير به هنا هو أن الرد ينبغي أن يكون إيرانيا أكثر منه من حزب الله، لأن العناصر الإيرانية التي سقطت، وفي مقدمتهم مساعد سليماني هم أكثر أهمية من عناصر حزب الله (رمزية ابن عماد مغنية أكثر من أهميته)، ولكن تسمية الضربة باسم الحزب هي محاولة من إيران للنأي بنفسها عن مسؤولية الرد، وعن المسؤولية عنه إذا حدث.
لم نتحدث بالطبع عن رد النظام، لأنه لم يرد في أي مرة سابقة، ومن باب أولى هذه المرة وهو يقدم نفسه مقاولا لخدمة الصهاينة والغرب ضد الإرهاب من أجل إنقاذ نفسه.
يبقى من الضروري القول إن إيران قد جعلت حزب الله والشيعة العرب وقودا لمعركة تمدد مجنونة جعلتهم في حالة عداء مع محيطهم العربي والإسلامي، وقد آن الأوان كي تعيد حساباتها، لكن أفقا لا يظهر أمامنا لذلك، وإن كنا متأكدين أنها ستفعل يوما بعد أن يُعجزها احتمال النزيف، وتتأكد من عبثية طموحاتها. وحتى يحدث ذلك سيظل الصهاينة يعربدون، ويستفيدون من صراعات المنطقة، بخاصة في سوريا.