ما شهدته العاصمة
اليمنية منذ السبت الماضي، وهو اليوم الذي اختطف فيها
الحوثيون مدير مكتب الرئيس اليمني أمين عام الحوار الوطني، الدكتور عوض بن مبارك، وانتهاء بمحاصرة واقتحام القصر الرئاسي، مرتبط بشكل وثيق بأجندة تعطيل الدستور وإفشال العملية السياسية برمتها، التي يتبناها الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع
علي عبد الله صالح.
هذا الحلف مصمم على ما يبدو على تثبيت وجوده كقوة أمر واقع لا تقيدها قيود، وعلى النحو الذي صممه الأمريكيون في 21 أيلول، وتحت الغطاء الذي وفره الأمريكيون والبريطانيون لهذا الحلف ليقوم بمهمة مواجهة تنظيم القاعدة، وهم معنيون على إقناع الرياض باعتبارها الطرف الإقليمي الأبرز الذي يعترض على نفوذ وهيمنة هذا الحلف وخصوصاً في طرفه الحوثي المليشاوي، ولأنها أكبر ممول خارجي للنظام الانتقالي، وقد أوقفت مساعداتها ودعمها السياسي مشترطة إنهاء دور
الحوثيين في صنعاء.
أحداث الاثنين في العاصمة صنعاء، كانت استعادة ثانية لأحداث 21 أيلول الفائت، فقوات الحماية الرئاسية التي تدين بالولاء الطائفي والمناطقي للرئيس السابق وحليفه الحوثي، سهلت عملية اقتحام الحوثيين للتحصينات، الخاصة بالقصر الرئاسي، مما جعله مكشوفاً وسهل مهمة دخول المليشيات إلى ساحته.
مظهر آخر من مظاهر إهانة الدولة لدوافع مناطقية وطائفية، وفي سياق معركة عبثية للسيطرة على الحكم، تختلط فيها أجندات عديدة أخطرها الأجندة الأمريكية والبريطانية التي تعتقد أنه بإمكان قوة مليشياوية شيعية كالتي يمثلها الحوثيون أن تكون حائط صد لتنظيم القاعدة، ويمكن للطرفين أن يدخلوا في معركة استنزاف، ما يوفر على الأمريكان الجهد المكلف لملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة.
لقد أراد الحوثيون ومن ورائهم الرئيس المخلوع أن يحدثوا حالة قطع حقيقة مع كل الترتيبات المتصلة بعملية الانتقال السياسي، وبمرجعيات هذه العملية، وكانت أولويتهم الأساسية هي منع تمرير مسودة الدستور بأي ثمن، لأن تمريرها سيؤدي في النهاية إلى نجاح مشروع الحل السياسي على قاعدة الشراكة الوطنية، ووفق القواعد الديموقراطية وصولاً إلى الدولة المدنية الاتحادية الحديثة التي يرفضها الحوثيون وحليفهم صالح، لأنهم يعتقدون أنها تناقض تماماً ما يسعون إليه وهو إعادة السيطرة على الدولة اليمنية موحدة أو مجزأة بنكهة طائفية مستغلين الميل الأمريكي الانتهازي نحو توظيف للتركيبة الطائفية في حربها على القاعدة، التي باتت تختزل الوجود السني كله على اتساعه في اليمن والمنطقة وتجره معها إلى خندق المواجهة الغربية مع ما تسميه الإرهاب.
بعد أن توقف القتال عصر الاثنين حول محيط دار الرئاسة شرع الحوثيون عبر رموزهم ونشطائهم في تمرير فكرة تشكيل مجلس عسكري، وهناك من اقترح أن يكون وزير الدفاع الحالي اللواء محمود صبيحي رئيساً له، وهو مشروع في الواقع يتبناها بقوة الرئيس المخلوع، ويريد من خلاله إعادة نجله العميد أحمد علي عبد الله صالح إلى الحكم عبر هذه الصيغة العسكرية من الحكم.
وبالتأكيد فالمجلس المقترح سوف يكون شكلياً واللاعبون فيه هم أولئك الذين يمتلكون سلطة الأمر على الوحدات العسكرية، الميدانية، وفي المقدمة منهم نجل ا لرئيس المخلوع، والسلطة المعنوية لوالده في المؤسسة العسكرية، التي تهيمن عليها التركيبة المناطقية والطائفية الواضحة.
وإلى جانب تمرير صيغة المجلس العسكري، ثمة ملامح اتفاق، يقضي بإفراج الحوثيين عن مدير مكتب الرئيس مقابل إجراء تعديلات جوهرية في الدستور تنهي فكرة الأقاليم الستة، وربما النظام الاتحادي نفسه، وأخرى تتعلق بالمواد التي تعيق عودة الرئيس المخلوع ونجله إلى السلطة، أي أن اتفاقاً كهذا سيقضي تماماً على فكرة التغيير التي جاء بها الدستور استناداً إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وهي مخرجات تمثل حالة من حالات الإجماع الوطني.
إنها معركة نفذها الحوثيون وحليفهم صالح على هامش عملية التسوية السياسية ولكنها أخذت الجميع إلى خارج هذه العملية، بل ووضعتهم في مواجهتها، ولم يعد بالإمكان اليوم الحديث.
وعلى الرغم من أن الرئيس هادي لم يجد سوى مستشاره الذي يمثل الجماعة الحوثية المسلحة ورئيس وزرائه ليتشاور معهما بشأن إنهاء أزمة المواجهات العسكرية المحتدمة في محيط منزله وفي قصر الرئاسة، فإن المجتمع الدولي والإقليمي، ما يزال يتعين عليه أن يقوم بدوره وبمسؤوليته الأخلاقية لإنقاذ البلد من الورطة التي أوقعوه فيها بأيديهم وبتدبيرهم الخبيث.
ويمكن الحكم على مدى مصداقية العملية السياسية في اليمن، وعلى جدوى استمرارها من خلال الإجراءات التي سيتعين اتخاذها من قبل المجتمع الدولي، بما يؤدي إلى إنهاء الوضع الشاذ الذي يعيشه اليمن حالياً، بإنهاء التفويض الذي منح للمليشيا الحوثية المسلحة للهيمنة على شؤون الدولة ومؤسساتها.