بن مبارك هو أحد سماسرة الحوثي الذين حجوا إلى صعدة سراً وجهراً، وتقرب زلفى إلى السفارة الأمريكية بطاعة
الحوثي.. اليوم يأتي اختطافه ضمن صفقة مهينة تمت في عُمان، هدفها إسقاط فكرة الستة الأقاليم.. والرضوخ لكامل مطالب الحوثي في مضامين الدستور وشكل الدولة القادمة..
هذا الاختطاف الذي يعزز على الأرض أهداف ما حدث في 21 سبتمبر الماضي يأتي متزامناً مع هجوم سفيه شنه الرئيس هادي ضد ثورة فبراير التي أوصلته إلى الحكم...
هادي قال اليوم نصاً: "الأزمة السياسية التي نشبت في 2011 كانت كارثة حقيقية على
اليمن".. نعم هي كارثة بمخرجاتها التي أوصلتك إلى السلطة.
لاحظوا شيئاً مهماً، حتى لحظة كتابة هذا المقال، مرت عشر ساعات على اختطاف مدير مكتب رئاسة الجمهورية.. وهادي والرئاسة عموماً لم يصدروا حتى بيانا توضيحيا..
يوم أن قال الحوثي إن عبدربه "دمية بيد السفارات" رفض
بن مبارك إصدار بيان-كان شبه جاهز- يستهجن فيه تلك اللغة بحق رئيس دولة.. اليوم هادي يرد له الجميل ويرفض إصدار بيان يدين اختطاف مدير مكتبه...
كل الأحداث تأتي في سياق متفق عليه بين الحوثي ورجل إيران الأول في اليمن عبدربه منصور هادي.. نعم هو رجل المشروع الإيراني في اليمن.. وهو من مكن إيران من كامل مفاصل وأجهزة الدولة.
فوق كل شبرٍ تتخلى فيه الدولة عن مسؤوليتها ينمو العنف، وتتسع الفوضى، وتتكاثر المشاريع الصغيرة وأحياناً الدموية، ويفصح كل طرف عن نفسه، مستخدماً أدواته ويحشد أنصاره وإعلامه وماله، ويدعي صدقية ما يقول، وأحقية ما يفعل، ويكون الوطن هو الخاسر الأوحد، والموطن هو الضحية الوحيد.
ثم كأنه قدرٌ تاريخي تعيشه اليمن، أن تكون واحدة من أكثر البيئات الطاردة للسكان في العالم، منذ انهيار سد مأرب الشهير سنة 540 ق. م واليمن تصدر أفواجاً من أبنائها للعيش خارج أرضهم، أشهرها في كتب التاريخ قبيلتا "الأوس والخزرج" اللتان تكون منهما أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في يثرب، وباستثناء هجرة بعض الأسرة اليهودية من جبل الرس في المدينة المنورة إلى اليمن لا أعلم بوجود هجرات معاكسة إلى الداخل اليمني.
ومنذ الإطاحة بزعيم النظام السابق ودوامة العنف يتسع مداها، فاسحةً المجال أمام المشاريع الدموية، ودافعةً بالحالمين بدولة مدنية إلى مغادرة البلاد، خاصة أصحاب المؤهلات العلمية الرفيعة وملاك رأس المال، وهذا ما جعل اليمن تعاني من نزيف عقول حاد، فيما الاقتصاد يعيش أسوأ مراحله في تاريخ اليمن الحديث.
عندما انطلقت أولى حروب صعدة بين الحوثيين والدولة في
حزيران/ يونيو 2004 تدثرت الجماعة الحوثية بمظلومية المذهب الزيدي، مع أن قيادة الدولة والجيش وإمكانيات ومقدرات البلاد كانت حينها بيد المحسوبين على المذهب الزيدي، ولم يكن أحد يلتفت إلى هذا الاستحواذ، فقد تخلص اليمنيون من عُقْدِ المذهبية والمناطقية والسلالية، وكان أولى بالحوثيين الحديث عن مظلومية عانتها محافظة صعدة المتاخمة للحدود الجنوبية السعودية، فهذه المحافظة ذات الأصول العقائدية الزيدية المتشددة أهملتها الدولة نصف قرن، وتركتها منسية لم تغادرها الملكية أو تدخلها الجمهورية.
ونتيجة طبيعية لغياب الدولة نمت المشاريع الفردية هناك، وظلت صعدة مصدراً هاماً لتصدير السلاح والفواكه والمتشددين بشقيهم الزيدي والسلفي، ومنذ مطلع التسعينيات اتجه رجل الدين المتشدد بدرالدين الحوثي إلى إيران، وبنى معها تحالفات عميقة، سرعان ما انكشف غطاؤها، فإيران ذات طموحات بتصدير الثورة الإسلامية بمضامينها الجعفرية الاثنا عشرية، ووفرت أمريكا غطاءً ودعماً سياسياً لذلك الكيان الناشئ الجديد.
وأحد أهم أسباب الدعم الأميركي الكبير للجماعة الحوثية هو أن الجماعات السنية تنطلق في جهادها من جذور الحروب الدينية بين الإسلام من جهة واليهودية والمسيحية من جهة أخرى، أما جهاد الجماعات الشيعية فهو موجه نحو الداخل الإسلامي السني، فالشيعة لا يجاهدون أحدا غير المسلمين، وهذا ما يتجسد في السلوك القتالي للجماعة الحوثية إذ تهتف بالموت لأمريكا وتنطلق عنيفةً كاسحةً في معظم المحافظات اليمنية، في حين توفر الحماية والتأمين لجميع السفارات الغربية ومصالح الغرب في اليمن.
وما يؤكد هذا أن حديثاً خاصاً دار بين المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر وشخصية سياسية يمنية، وكانت تلك الشخصية تسأل بقلق عن سر الدعم الأمريكي للحوثي، فاختصر بنعمر الإجابة وقال له: "الإرهاب سُني".. بمعنى أن الشيعة لا يجاهدون، ولا يقاتلون غير المسلمين، وهم من في حالة سلم دائم ووفاق أبدي مع اليهود والمسيحيين.
هذا الجموح الحوثي العنيف شكل احتقانات كبيرة، كل يوم تفصح عن نفسها، ولكن بأدوات سلمية، من قبيل التظاهرات والتذمر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع ردة فعل عنيفة، يقودها تنظيم القاعدة والقبائل المتعاطفة معه ضد الحوثيين تتمثل بتفجير واستهداف مصالحهم ومقراتهم، وبهذه السيناريو الدموي تكون إيران قد أخذت اليمن إلى الخيار العراقي، بل يذهب محللون سياسيون وأمنيون إلى أن التفجيرات الانتحارية التي تستهدف الحوثيين تقف وراءها إيران والحوثيين أنفسهم من أجل منحهم حق التواجد المسلح للدفاع عن أنفسهم، وتبرر اجتياحهم لأي منطقة يشاؤون.
[email protected]