اليمن في هذه المرحلة يعيش مرحلة مخاض عسيرة، لكن دون يقين بشأن المستقبل الآتي سوى ما نراه من تسارع الخطى نحو تكريس الحضور الثقيل للمليشيا
الحوثية المسلحة وذات النزعة الطائفية التي تضيق بالتعدد، حضور لم تعد تحتمله إرادة اليمنيين التي ذاقت طعم الحرية، وعاشت تجربة التعددية السياسية، وأدركت القيمة العظيمة للعيش المشترك في ظل المواطنة المتساوية.
الحوثيون يعترضون على معظم قرارات الرئيس، الذي أصبح شكليا وبروتوكوليا، وكل ذلك يتم وفق المنطق الثوري المزعوم الذي يضع هذه الجماعة المسلحة خارج مسار التسوية بل على الضد منها تماما. والذي بات يدركه الكثير من اليمنيين اليوم، هو أن الحوثيين يسعون حثيثا لاستعادة النظام الإمامي.
عبر الاحتفالات بما يسمى بـ:"عيد الغدير" و"المولد النبوي"؛ تجري بعناية وبمثابرة تهيئة الوعي للقبول بشكل الوصفة المقدسة من نظام الاستعباد الآتي من الماضي السحيق. نظام لا يوجد في قاموسه مفاهيم من قبيل التفويض عبر الانتخابات، والمساءلة والنزاهة.
ثمة من ينخرط بحماس في المشروع السياسي الحوثي المدمر، تحت إغراء نشوة الاندفاع المجنونة ضد الإرادة الغالبة، وطمعا في الفتات الذي توزعه المليشيا من فائض ماتحصل عليه من إيران ومن الحوزات الشيعية المتعصبة والمأسورة للتفسير الخرافي حول نظرية الغيبة والانبعاث المرتبطة بمهدي السرداب المنتظر، إلى جانب ما باتت المليشيا تحصل عليه من النهب والسلب والإتاوات، وما تضع عليه يدها من المال العام والخاص.
يخيل إلي رغم كل ذلك؛ أن حماسة الانتقام من شركاء السلطة والتسلط في الماضي بدأت تخبو لدى الكثيرين بعد أن اكتشفوا أنهم وقعوا ضحية لعبة تمويه ذكية مارسها شركاء انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014، لأن الانتقام أداره أحد أطراف السلطة السابقة وهدف بالأساس إلى إعادة الاستحواذ على السلطة، وتكريسها هذه المرة بصبغة مذهبية ومناطقية صارخة، وبذلك فقد وجدت معظم الأطراف نفسها على هامش المشهد، على الرغم من التباين في حجم التفريط الذي مارسه كل طرف من الأطراف بحق ثورة الـ11 من شباط/ فبراير 2011 ومكاسبها.
الحكومة التي اتفق على أن تتشكل من كفاءات مع تمثيل سياسي يتوزع على الأطراف السياسية الرئيسية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة، تبدو مثيرة للشفقة وهي تكافح عبر رئيسها المتقد حماسة، من أجل أن تنتزع من المليشيا الحوثية المسلحة ومن ورائها النظام السابق، الفرصة للقيام بتنفيذ برنامجها الذي يعبر عن التزام مفترض تجاه عملية التسوية السياسية والانتقال الديمقراطي إلى مرحلة الدولة الاتحادية، تماما كما نصت على ذلك وثيقة مخرجات الحوار الوطني.
لم يعد بإمكان الحكومة أن تعول على عائدات البلاد من مبيعات النفط المحدودة أصلا بعد التدهور الحاد في أسعار هذه السلعة الحيوية، والأسوأ أن ذلك يأتي في ظل إحجام الدول المانحة عن مواصلة تقديم الدعم لليمن كما كان عليه الحال قبل 21 أيلول/ سبتمبر، وخصوصا المملكة العربية السعودية التي أزعجتها كثيرا سيطرة وهيمنة مليشيا موالية لإيران على مقاليد الأمور في حديقتها الخلفية.
ربما لم يكن متوقعا أن تنتهي الأمور على هذا النحو، لأن الجميع كان يعتقد أن الرئيس هادي لديه الإرادة الكافية للدفاع عن هيبة الرئاسة وصلاحيات الرئيس حتى وهو ينخرط مع أطراف محلية وإقليمية في لعبة التمكين للمليشيا الحوثية المسلحة.
لم يسبق لليمن أن وضع في مأزق كهذا، أسوأ مافيه أنه يدار من أطراف حاقدة وموتورة وأخرى متوجسة من
الإسلام السياسي، والجميع يرى في هذا البلد مسرحا سهلا وقليل الكلفة للمواجهة وفق ما تقضي بذلك لعبة المصالح الإقليمية والدولية، بالنظر إلى وجود مأجورين محليين يبيعون أثمن ما في هذا البلد وما لا يجب أن يباع بسعر زهيد للأسف الشديد.