تغيرات ملحوظة في المعادلة الإقليمية يمكن أن يكون لها أثرها على الواقع المأزوم في
ليبيا. وفد من المؤتمر الوطني العام زار أبوظبي، ووزير خارجية حكومة طبرق يستقبل في الدوحة، في تطور سريع وكبير يرى البعض أنه في سياق التفاهمات
الخليجية حول التطورات التي تشهدها المنطقة العربية خاصة دول الربيع العربي، بينما هي في اعتقادي ضمن ترتيبات دولية للتعامل مع الملف الليبي من خلال دائرة توجيه واحدة، اللاعب الرئيسي فيها هم الأطراف الرئيسية الغربية.
التفاهمات الخليجية في حال القبول كونها منتجاً خليجياً، يمكن أن تقتصر على الملف
المصري فحسب، ولكن عندما يدخل الملف الليبي ضمن إجراءات التسوية فيمكن أن يُفسر ذلك بدخول مباشر وضاغط من الغرب على الخط.
وحتى في حال قصر التفاهمات حول مصر، فإن أثر ذلك سيكون ظاهراً على الملف الليبي، إذ لا يمكن أن تستمر مصر في دعمها لعملية الكرامة دون الدعم المادي الإماراتي، أيضاً فإن التخلي عن مساندة المشير عبدالفتاح السيسي لا بد سيدفع الأخير لتغيير سياسته الداخلية الراهنة، بل لا يستبعد البعض أن يكون هناك ضغوط لتنحية السيسي دون تغيير في دور المنظومة العسكرية والأمنية في قيادة البلاد.
فتصريح المستشار السياسي لمحمد بن زايد، عبدالله عبدالخالق، حول عودة الدولة البوليسية في مصر وانتقاده للعنف الذي تورط فيه النظام المصري الحالي، فيه إشارة إلى تغيير في السياسة الإمارتية بل وربما إشارة إلى رغبة بعض الأطراف المؤثرة في المعادلة الإقليمية، الإطاحة بالسيسي واستخلافه بشخصية تحافظ على منجر 3 يوليو، على أن يدفع الخليفة باتجاه احتواء الأزمة الراهنة سياسياً، حيث لا يمكن أن يقوم السيسي بهذا الدور وهو المسؤول عن قرار فض الاعتصامات بالقوة في رابعة والنهضة.
السؤال هنا: ما هي بواعث وأهداف ونتائج التطورات الإقليمية على الأزمة الليبية، وذلك في حال تأكد أن التغير في مواقف الأطراف الإقليمية المتورطة في الشأن الليبي ثابت ولا يسمح بالمناورة؟
لقد سبق وأشرنا بأن حل الأزمة الليبية لم يعد بأيدي الليبيين، ولأجل احتواء الأزمة من الأطراف الغربية هناك حاجة إلى:
- التوافق دولياً على مقاربة لاحتواء الصراع والتمهيد للاستقرار.
- تحييد الأطراف الإقليمية التي تورطت في إذكاء الصراع، بل ربما تكون متورطة في فرضه.
ولقد تضمنت بيانات الخمس الكبار (الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا) في أكتوبر وديسمبر، مما يشير إلى توافق على ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، تكون لها كامل الصلاحيات التسييرية، إلى أن يتم الاستفتاء على الدستور والدخول في مرحلة الاستقرار السياسي عبر انتخابات برلمانية ورئاسية دائمة.
ولأن الخمس الكبار يرعون - من خلف الأمم المتحدة - الحوار وحريصون على أن يسفر عن نتائج إيجابية، فهم يدركون أنه لن يكون للحوار معنى ولا أثر ما لم تفكك أهم عوامل التأزيم، عبر تحييد الأطراف الإقليمية التي تتدخل مباشرة في الشأن الليبي.
في هذا السياق يمكن قراءة التحول في مواقف الدول الخليجية (السعودية، الإمارات،
قطر)، وضمن هذا الإطار يمكن أن تُفهم، مع التنبيه أن هناك عوامل مساعدة مهمة هيأت الظروف لخضوع دول الخليج لضغوط الأطراف الدولية، منها حجم الفظائع التي وقعت في مصر وليبيا، ومنها الدعاية القوية خاصة ضد السعودية والإمارات واتهامهما بالسعي لإفشال الربيع العربي، ومنها أيضاً انهيار أسعار النفط الذي لابد أنه سيكون له أثره في مراجعة سياسة الانفاق.
ولأن عملية الكرامة تعتمد بشكل كبير على الدعم الإماراتي المصري، فيمكن أن يعزى ارتباك عملياتها العسكرية في شرق البلاد وغربها إلى التطورات المشار إليها، دون أن نلغي أثر التصدع في معسكر الكرامة والبرلمان جراء الخلفات حول المسار السياسي والعسكري، وفي القلب من ذلك مسألة تشكيل المجلس العسكري الأعلى بقيادة خليفة حفتر، الذي واجه معارضة شديدة من أهم كتلتين برلمانيتين هما التحالف والفيدراليون.