قضايا وآراء

عندما تصبح باريس أقرب من غزة

محمد الأحمر
1300x600
1300x600
لعلي لست ضليعا في الجغرافيا وتحديد الاتجاهات والمسافات ولكن ما أستطيع أن أؤكده أن قطاع غزة هو جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو لا يبعد كثيرا عن الضفة الغربية أو أراضي السلطة الفلسطينية كما يحلو للبعض تسميتها. تلك السلطة التي يتزعمها رئيس ما فتئ يكرر أنه رئيس لكل الفلسطينيين، ولإثبات ذلك سعى جاهدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية تخدم الفلسطينيين جميعا، كان من أبرز إنجازاتها الاستمرار في التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي كرد على مقتل أحد وزرائها أمام مرأى ومسمع من العالم كله (زياد أبو عين)، ناهيك عن استمرار الملاحقات والاعتقالات في حق كوادر حركة حماس وبقية الفصائل التي تعتبر شريكة في الحكومة المزعومة خوفا من اندلاع انتفاضة جديدة.

وبما أننا نتحدث عن الجغرافيا فيبدو أن الجغرافيا السياسية لا تخضع لنفس قوانين الجغرافيا الطبيعية. فالأولى تقرب المسافات وتغير الاتجاهات، بل وتخلق واقعا جديدا تفرضه المصالح والتحالفات، ولعل المشهد المهيب الذي رأيناه اليوم في "مسيرة الجمهورية" بالعاصمة الفرنسية باريس خير دليل على تأثيرات تلك الجغرافيا السياسية. فاجتماع ما يزيد على خمسين مسؤولا ورئيس دولة ليشاركوا في مظاهرة منددة بالإرهاب والعنف وداعمة لحرية التعبير ،مهما طال هذا التعبير من رموز دينية أو سياسية أو اجتماعية على اعتباره حقا تحفظه كل الأنظمة والدساتير الحديثة.. يؤكد هذا المشهد تكاتف وتوحد العالم في التصدي لما يسمى الإرهاب الذي بات الشغل الشاغل لكل حكومات العالم بل وأصبحت مكافحته على رأس سلم أولويات هذه الدول، متقدما على مكافحة الفقر والأمية والأوبئة وحاصدا الرصيد الأكبر في ميزانياتها السنوية.

بعيدا عن المناسبة التي جعلت هذا الكم من قادة العالم يجتمعون في مكان واحد، وهي حادثة الاعتداء على الصحيفة الأسبوعية الساخرة (تشارلي إيبدو)، وبغض النظر عن خلفيات الحادث ومن كان وراءه وما سيحمل من تبعات، إلا أن ما استرعى انتباهي هو وجود عدد من القادة والمسؤولين العرب الذين قلما ما نسمع منهم تنديدا أو شجبا لما يحصل في منطقتنا من حروب ومجازر وإرهاب يومي مستمر أدى لسقوط مئات الألوف من الضحايا في هذه الحروب التي تدار بمباركة وبدعم من أولئك الذين ذهبوا ليشاركوهم حزنهم ويدافعو معهم عن حرية التعبير المزعومة.

 وللمفارقة فإن كثيرا من هؤلاء القادة والمسؤولين يقبع في سجونهم كثير من المفكرين والمبدعين لمجرد نقده لقرار حكومي أو تسليط الضوء على قصور في أداء مؤسسة من المؤسسات عبر نشر تغريدة أو منشور على أحد وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر مقال صحفي أو حتى رسم كاريكاتوري، ولا يوجد بينهم من يمارس الإرهاب بشكل مباشر كرئيس الوزراء الإسرائيلي.

الأسئلة المشروعة لكل مواطن عربي غيور على قضايا أمته هي: لماذا لم نر مثل هذه المسيرات المليونية تنديدا بالحروب المتلاحقة على قطاع غزة وبالقتل المتواصل في سوريا وقبله في العراق؟ ولماذا لم نر تعاطفا وتواجدا لهؤلاء الزعماء والقادة في أرض الحدث كما رأيناهم اليوم في باريس؟ ولماذا لم نر شعارا مشابها لذلك الشعار (أنا تشارلي) الذي رفع اليوم في باريس عندما اغتيل رسام الكاريكاتير الفلسطيني (ناجي العلي) مبتكر شخصية حنظلة والذي اغتالته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في العام 1987 في العاصمة البريطانية لندن، بالتواطؤ مع بعض الحكومات الغربية والعربية أيضا؟ ألم يكن ذلك إرهابا واغتيالا لحرية التعبير؟

وإذا كان التاريخ لم ينصف ناجي العلي، فلسان حال كل عربي وشعاره اليوم وهو يشاهد مسيرة باريس (أنا ناجي) وهو صاحب المقولة المشهورة "الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة".. نعم فالثورات وحدها هي التي ترسم الجغرافيا.
التعليقات (0)