شهدت العاصمة الفرنسية باريس أمس الأحد، مسيرة مليونية منددة بالهجوم "الإرهابي" على الصحيفة الساخرة "شارلي إيبدو"، التي لطالما أثارت غضب المسلمين حول العالم حين أساءت للدين الإسلامي وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
شارك بالمسيرة المليونية أكثر من 40 مسؤولا سياسيا يمثل كل واحد منهم دولته.. منهم الملك والرئيس ورئيس الوزراء والوزير وحتى رئيس السلطة...كلهم شاركوا مؤكدين على ضرورة محاربة "الإرهاب" والوقوف في وجه "الإسلام المتطرف"...
المشكلة أن معظم المشاركين يمارسون أبشع أنواع الإرهاب بحق شعوبهم أو بشعوب "المنطقة"، فمنهم من يعتقل المئات بسبب "ستاتوسات على فيسبوك أو تغريدات على تويتر" أو بسبب مقال هنا أو هناك.. أو حتى بسبب "أنه ابن شهيد"...
ومنهم من ينسق أمنياً مع محتله ضد شعبه ومنهم من قتل 5000 آلاف ساجد لله. ومنهم من أيد قتل السجد الركع... ومنهم من يتحالف بصف "الصهيو-صليبية" ضد أبناء ملته أو حتى "أبناء عروبته"... ومنهم من يقتل بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار. ومنهم من قتل في حرب دامت 50 يوماً ما يزيد على 2000 وجرح أكثر من 11 ألفا.. ومنهم ومنهم.
3 أيام... 17 قتيلا ...40 مسؤولا رفيعا... 3 كيلومترات... مسيرة مليونية... ضد "الإرهاب"!
العجيب والغريب أن 17 قتيلاً سقطوا خلال 3 أيام جمعوا 40 مسؤولاً رفيعاً من كل العالم ليمشوا 3 كيلومترات في مسيرة مليونية منددة بـ “الإرهاب" وبـ "الإسلام المتشدد".
رفعوا شعار "كلنا شارلي" بمشاعر أظهرت "الأخوية الدولية" بينهم، بل وأظهرت قمة التعاطف مع "حرية التعبير" التي لا تظهر إلا عند الإساءة لكل ما هو "مقدس" عند الشعوب والحكومات كالـ (الديانات السماوية، أنبياء الله عليهم السلام، الطواغيت والإرهاب الصهيو-صليبي).
الجميل أن قتل 17 صحفياً أظهر للعالم فطرة جديدة في النفس البشرية، فطرة "حرية التعبير ضد الإرهاب والتشدد".
في باريس "كلنا شارلي" وفي دولهم "كلنا إرهابيون"
الجميل في حادثة باريس أنها كشفت عورة ساسة العالم المطبلين للحرية والمزمرين لها خارج حدود دولهم فقط... أما في دولهم فإنهم يمارسون أبشع وأقذر أنواع الإرهاب بحق الإعلام وحرية التعبير والصحافة، بل وبحق من لا يسبح بحمدهم ويخر لهم ساجداً عند مرور موكبهم...!
فبعض المشاركين (من الساسة)، إن ذكرت اسمهم "حاف" دون ذكر فخامته أو جلالته أو عظمته أو غيرها من المسميات التبجيلية الطاغوتية رماك بسجن لا يمكن حتى للسجان أن يصله وربما ينساه هو بعد يوم لكثرة مشاغله...لك الله وقتها ولا غير الله لك...
نعم في باريس دعاة حرية وفي دولهم أباء الإرهاب نفسه بل وأكثر.
القاتل والقتيل في صف واحد
من المشاهد التي لا يمكن أن يمر عنها دون ذكرها في المسيرة، وقوف رئيس سلطة رام الله (المسؤول عن الشعب الفلسطيني أمام العالم) مع الملك عبد الله (المسؤول عما أسموها السيادة على المسجد الأقصى المبارك) مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (مصدر قرارات قتل آلاف الفلسطينيين والمسؤول الأول عن الانتهاكات التي بمر بها المسجد الأقصى المبارك) ...
شكراً "شارلي"... شكراً يا من جعلت القاتل والقتيل في صف واحد، يحاربان "الإرهاب والإسلام المتطرف"، وينسيان دماء آلاف الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس والداخل... شكراً يا من جعلت صاحب السيادة يقف مع منتهك السيادة بحق قبلة المسلمين الأولى... شكراً "شارلي".
الحكومات العربية والإسلامية و"كلنا شارلي" وتغيير المسميات
من السذاجة واللعب بعقولنا أن يغير الساسة المسميات من أجل أهداف سياسية... العالم خرج اليوم من أجل هدف واضح وهو التضامن مع الصحيفة الساخرة كما يسمونها، ولرفع شعار "كلنا شارلي".. غيروها لـ "كلنا ضد الإرهاب" أو "كلنا ضد التشدد" أو أي شعار آخر... لا يهم المهم أصل الخروج.
برأيي.. من التنازل والعار أن تشارك الحكومات الإسلامية في مظاهرة تندد بالإساءة لصحيفة أساءت لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام...
طبعاً، اللوم على المغرب وتركيا مثلاً لا على مصر التي تعتقل في سجونها خيرة العلماء وقادة الحركة الإسلامية.. ولا لوم على الأردن التي تعتقل المئات في سجونها بسبب "ستاتوس فيسبوك" أو "تغريدة تويتر".. ولا لوم على
عباس وسلطته التي تنسق أمنياً ليل نهار مع الاحتلال ضد أكبر فصيل فلسطيني مقاوم (حماس).. لا لوم على هؤلاء.
اللوم كل اللوم على من يحمل مشروعاً إسلامياً للعالم ويخرج ليتضامن ضد الإساءة لصحيفة أساءت لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.
لماذا؟
من حق كل حر في العالم أن يتساءل ...لماذا اجتمع العالم على إدانة قتل 17 فرنسياً في مسيرة مليونية شارك بها قادة العالم ولم يجتمع عندما قتل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 2000 فلسطيني في غزة وجرحه لأكثر من 11 ألفا؟! لماذا أدان العالم كله قمع ما أسموها حرية التعبير في
فرنسا ولم يدينوا قمع التعبير نفسه في الدول العربية أو حتى قمع النفس البشرية بذاتها؟!
أين العالم مما يحصل في سوريا من جرائم لم تشهدها البشرية؟! لماذا كل هذا التلون والنفاق؟!!!!!