قررت
إسرائيل رسميا، تسمية العدوان الذي شنّته على قطاع
غزة في آب/ أغسطس عام 2014 "الحرب الثامنة" منذ قيامها، والأولى مع الفلسطينيين. وهو ما رآه مراقبون "خطوة استباقية" لأي ملاحقـة "قانونية" و"سياسية"، وإعفاء لقوات الاحتلال الإسرائيلي من أي "تعويضات مالية".
وعدّ الكيان الإسرائيلي الخميس الماضي رسميا، عدوانه على قطاع غزة في صيف عام 2014، وأطلق عليه "
الجرف الصامد"، الحرب الثامنة منذ قيامه، والأولى مع الفلسطينيين، بحسب وزارة الحرب الإسرائيلية.
وقال وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون، إنّ قرار تسمية العملية العسكرية بـ"الحرب" جاء بسبب طول المدة الزمنية للعملية، ونظرًا لـ"فقدان الكثير من الجنود، الذين دفعوا الثمن الأكثر ارتفاعا في قتال حماس"، كما قال.
وشنّت إسرائيل عدوانا عسكريا على قطاع غزة، في السابع من تموز/ يوليو الماضي، واستمر 51 يوما، وأسفر وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، عن استشهاد أكثر من 2170 فلسطينيا، وإصابة ما يزيد على 11 ألفا آخرين.
وأفادت بيانات رسمية إسرائيلية بمقتل 68 عسكريا وأربعة مستوطنين إسرائيليين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيليا، بينهم 740 عسكريا.
ويقول عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة (خاصة) بغزة، والخبير في الشأن الإسرائيلي، إنّ إسرائيل دأبت، خلال معاركها ضد الفلسطينيين في القطاع والضفة على تسمية المعركة بـ"العملية العسكرية".
وأضاف أبو عامر أن إسرائيل تستخدم مصطلح "العملية العسكرية"، الدال على ما هو أقل من حرب وأكثر من غارة واجتياح، في تسميتها لأي عدوان تشنّه ضد الفلسطينيين، غير أنّها "أطلقت مصطلح الحرب على العدوان الأخير على قطاع غزة، لأكثر من سبب واستحقاق".
وقال أبو عامر: "أولا: العدوان الأخير على قطاع غزة، كان الأطول في تاريخ مواجهات إسرائيل، سواء ضد الفلسطينيين أم ضد العرب. فطول المدة (51 يوما)، دفعها لإطلاق هذه التسمية، إضافة لعدد قتلاها، فهو مقارنة بالمواجهات السابقة يعد رقما كبيرا".
وأطلقت إسرائيل على العملية العسكرية الأخيرة على قطاع غزة اسم "الجرف الصامد"، في حين أطلقت عليه حركة حماس وفصائل فلسطينية "
العصف المأكول".
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، شنّت إسرائيل عدوانا عسكريا على قطاع غزة، انتهى في 18 كانون الثاني/ يناير 2009، وأطلقت عليه اسم عملية "الرصاص المصبوب"، فيما أطلقت عليه حركة حماس "حرب الفرقان".
وفي 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، شنت إسرائيل عدوانا ثانيا على قطاع غزة، أسمته "عامود السحاب"، فيما أسمته حركة حماس "حجارة السجيل"، ودام ثمانية أيام.
ورأى أبو عامر، أن إسرائيل من وراء إطلاقها مصطلح "الحرب" على "عدوانها الأخير" ضد قطاع غزة، ترمي إلى تحقيق "أهداف غير معلنة، تشمل في مقدمتها البعد القانوني والسياسي، واستباق أي ملاحقة لإسرائيل وإجبارها على دفع تعويضات مالية أو قانونية جراء حجم ما ارتكبته من جرائم".
واستدرك بأن هذه التسمية "جاءت ردا على انضمام فلسطين إلى المحكمة
الجنائية الدولية، فتسمية العدوان حربا تعطي لإسرائيل هامش المناورة، والتنصل من أي تعويضات".
وطلب الفلسطينيون رسميا من الأمم المتحدة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن لهم أن يلاحقوا قادة إسرائيليين بتهمة ارتكاب "جرائم حرب".
وبعد يومين من توقيع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، قدم السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور، رسالة رسمية بهذا الشأن في مقر المنظمة الدولية في نيويورك.
وهذا الطلب يفترض أن يدرسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على أن يبلغ الدول الأعضاء في المحكمة خلال مهلة مدتها 60 يوما.
يذكر أن مهمة المحكمة الجنائية الدولية التي مقرها في لاهاي، هي ملاحقة منفذي إبادة وجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب.
والانضمام إلى المحكمة، يمكن أن يتيح للفلسطينيين ملاحقة مسؤولين إسرائيليين أمام القضاء الدولي، بسبب دورهم في حروب مختلفة، مثل حرب غزة صيف 2014، أو السلوك كطرف محتل.
ويرى "أنطوان شلّحت" الخبير في الشأن الإسرائيلي أن "تسمية العدوان، بـ(الحرب الثامنة) منذ قيام إسرائيل، و(الأولى مع الفلسطينيين)، هدفه قانوني وسياسي".
وأضاف شلّحت أنّ "إسرائيل عدّت عدوانها الأخير حربا، كي تصنّف قطاع غزة كيانا معاديا، أي أنّها قاتلت جيشا. وهو ما يعني إعفاء الجيش الإسرائيلي من أي تعويضات مالية وقانونية".
وأضاف أن "إسرائيل لم يرق لها انضمام السلطة إلى محكمة الجنايات الدولية، الأمر الذي يسمح لمنظمات حقوقية محلية ودولية، وحتى أفراد، بمقاضاتها. واستباقا لذلك، فهي تريد الالتفاف على أي خطوة من شأنها أن تدينها".
وهو ما عدّه طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية الصادرة من مدينة رام الله بالضفة الغربية، إشارة واضحة من إسرائيل لتكريس نظرتها إلى قطاع غزة أنه كيان منفصل.
وأضاف عوكل أن إسرائيل، تحاول تكريس وضع قانوني من خلال هذه التسمية.
وقال إن "إسرائيل باتت تنظر إلى غزة ككيان منفصل آخر، وكأنها دولة مجاورة لها جيشها. وبالتالي فهي لا تنظر إليها كجزء محتل، بل كمنطقة مستقلة، وأن من حقها استخدام كل الأسلحة الفتاكة ضدها وضد سكانها".
وتريد إسرائيل، إلى جانب الهدف السياسي المتمثل في إظهارها بأنها دولة غير معتدية، أن تحقق هدفا قانونيا يتيح لها، وفق عوكل، محاكمة قادة قوى المقاومة الفلسطينية.
وأضاف أن "تسميتها العدوان حربا، هو للتهرب من أي استحقاق مالي أو قانوني، بل إنها - على العكس - تريد هي محاكمة من تعتبرهم معتدين".
واعترفت إسرائيل منذ بدء احتلالها لأراضي فلسطين في عام 1948، بشن ثماني حروب، هي: الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وحرب العدوان الثلاثي عام 1956، وحرب حزيران عام 1967، وحرب الاستنزاف مع مصر (1969- 1970)، بالإضافة إلى حرب "يوم الغفران" في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 مع سوريا ومصر، وحرب لبنان الأولى عام 1982، وحرب لبنان الثانية عام 2006.
واليوم، تطلق إسرائيل على العدوان على قطاع غزة عام 2014 "الحرب الثامنة"، على أنها أول مواجهة مع الفلسطينيين يعترف بها جيش الاحتلال الإسرائيلي كحرب، بعكس عمليتي "الرصاص المصبوب" في نهاية 2008 ومطلع 2009 و"عمود السحاب" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.