لعل من أكثر المواقف إيلاما بالنسبة لـ"أبو محمد" العبارة التي سمعها من موزع الغاز في حي قنينيص في مدينة
اللاذقية الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، عندما قال له "روح خلِّ ولادك اللي بالجبل يعطوك غاز"، في إشارة إلى العناصر المقاتلين مع الجيش الحر في ريف اللاذقية المحرر.
يقول أبو محمد لـ"عربي21": "إن أكثر ما جلعني أشعر بالضيق هو أن موزع الغاز، ابن الحي المعارض الذي أسكن به، استطاع النظام إقناعه بالمؤامرة الكونية التي تحاك ضد
سوريا، التي طبل لها وزمر طوال الفترة الماضية دون كلل او ملل".
بدوره، قال أبو سيد، وهو شاب من اللاذقية، لـ"عربي21": "لا يمكن لنا أن نشكك بما يقوله النظام، فالخوف من السجن والتعذيب يجعل من الأرنب ذئبا مفترسا ومتوحشا (..) في حين أن المعارضين تخلوا عنا".
وبيّن أن الإفراط في استخدام القوة والعنف والإرهاب ضد المعارضين أعادنا بالذاكرة إلى ثمانينيات القرن الماضي، فلا يمكنك أن تقاوم أو تمنع صاحب السلطة من اعتقال أبوين لثلاثة أطفال صغار بسبب ورقة صغيرة (تقرير أمني) قدمها أحد القاطنين في الحي ضد هذه العائلة، في حين أصبح مصير الأطفال مجهولا".
واستطاع النظام السوري تحويل فرحة المظاهرات السلمية في بداية الثورة إلى كارثة وشؤم وتعاسة مع انتهاء السنة الثالثة للثورة، فلا يملك العجوز "أبو محمد" من أمره شيئا، فهل يمكن القول إن الثورة انتهت في الوقت الحالي بالنسبة للمعارضين القاطنين في مناطق سيطرة النظام؟ أم أن هناك مزيدا من الأمل بقرب انتهاء الأزمة لصالح النظام؟ هي أسئلة بدأت ترجح فيها الإجابة التي تقول إن النظام نجح في ضرب القاعدة الشعبية للمعارضين في أحيائهم، بحسب إحدى الناشطات في مدينة اللاذقية، فضلت عدم الكشف عن اسمها.
تقول الناشطة: "يعني مين رح يفكر بالأطفال الذين اعتقل والديهم في حال أكلوا أو شربوا؟ يعني أنا بتوقع إذا بيموتوا ماحدا رح يفكر فيهن وهذا ما جنته الثورة على الأطفال".
ويترافق هذا اليأس الذي تعيشه مدينة اللاذقية مع انتشار ظاهرة الأطفال الذين ينبشون حاويات القمامة في المدينة بحثا عن بضع لقيمات يشبعون بها جوعهم بعلم أهلهم الذين لم يعودوا يستطيعون أن يقدموا شيئا لهم، على حد وصف رجل أربعيني من حي الحرش في اللاذقية، مشيرا إلى عائلة تجاوره في المسكن. وقال إنه قدم لهذه العائلة الكثير، إلا أنه يعجز حاليا عن فعل أي شيء لهم، لأن أطفاله لهم الأحقية في ما قدم وسيقدم لأطفال جيرانه، كما يقول.
وبحسب الشابة "أ.و"، "حتى منظمة الهلال الأحمر التي تعدّ مؤسسة إنسانية، استطاع النظام أن يزرع فيها من يواليه لتذهب المساعدات لمؤيديه فقط". وأشارت "أ.و" إلى أن فتيات جامعيات تطوعن في الهلال الأحمر من كافة الأحياء المعارضة والمؤيدة للعمل لتوزيع المساعدات الإغاثية على المتضررين دون النظر الى سبب الضرر او المتسبب. لكن تبيّن أن المفاجأة تكمن في أن جميع من قبلوا بالعمل التطوعي هم حصرا من مؤيدي النظام، ويقتصر التوزيع فقط على ذويهم وأقاربهم، ولا يحصل المتضرر الحقيقي على أي شكل من أشكال المساعدة، وهذا الأخير لا يملك من أمره شيئا؛ لأنه إن اشتكى أو طالب بشيء تكون الورقة (التقرير الأمني) في طريقها إلى فروع المخابرات، التي بدورها لا تتورع عن سجن المشتكي.