"أبو النور" هو لقبه الذي بات معظم السوريين في مدينة أنطاكية التركية يعرفونه به، لكن اسمه الحقيقي "محمد قرموز".. كان تاجرا كبيرا في مدينة حلب قبل ثلاث سنوات، قبل أن يصبح صاحب "دكانة" في أنطاكية، هذه الدكانة التي تبيع جميع المنتجات التي اعتاد السوريين استهلاكها في بلادهم، وهي ليست موجودة في البلاد الغريبة التي نزحوا إليها، ومن هنا جاءت شهرة "أبو النور" بينهم.
عندما تدخل إلى متجر "أبو النور" والذي أطلق عليه اسم "ماركت حلب الشهباء"، وإذا كنت
سوريا، ستتعرف مباشرة على مرتديلا "هنا" وحليب الأطفال "حليبنا" ومشروب "المتة" المرتبط بالسوريين في المنطقة العربية، وغيرها من العلامات التجارية التي كانت معروفة في سوريا سابقا وما زالت.
يقول "أبو النور في حديث خاص لـ"عربي21": "جئت إلى
تركيا قبل ثلاث سنوات، أي مع بداية الأحداث التي تجري في سوريا، عندما طلبت الحكومة السورية من الصناعيين تسديد القروض التي سحبوها من البنوك، ونحن لا نستطيع تسديدها؛ لأننا لا نملك السيولة المالية، وما يتوفر بين أيدينا هي المواد فقط، وفي ظل الأزمة من المستحيل تسديد هذه الديون".
يتابع: "كنت أملك مصنع تريكو يقع في المنطقة الصناعية في حلب، وسبعة متاجر تقع في منطقة الأشرفية، أما الآن فأنا لا أملك أي شيء مما ذكرت، فالمصنع في منطقة المعارضة، والمتاجر تقع في منطقة تفصل بين المعارضة والنظام"، مشيرا إلى أن سعر الآلات الموجودة في مصنعه يبلغ 52 مليون ليرة.
يبين أبو النور أن "النظام بعد أن طلب من الصناعيين إعادة القروض، وضع على اسم التجار المقترضين منع سفر، فاضطر للسفر خارج البلاد عن طريق التهريب، وهنا حجز النظام على أمواله المنقولة وغير المنقولة، وعلى ممتلكاته، وباعها بالمزاد العلني"، مشيرا إلى أن النظام استطاع بيع أرض يمتلكها، لكنه لم يستطع مصادرة المعمل؛ لأن الثوار سيطروا فيما بعد على المنطقة.
سافر "أبو النور" إلى رومانيا، وبقي فيها عدة أشهر قبل أن يذهب إلى تركيا ويخرج عائلته من حلب. ويوضح أنه لم يستسغ الحياة في أوروبا، وهو الآن يملك إقامة في رومانيا، ويستطيع السفر إلى أي بلد أوروبي، لكنه لا يريد، كما أنه اختار تركيا، وخصوصا أنطاكية الحدودية، لوجود كثافة سورية عالية فيها".
أثناء حديثنا مع أبو النور يدخل "بائع جملة" ويتفاوضان على سعر عدة منتجات، ويتخلل جدالهما عبارات مثل: "ما بتوفي معي"، "رسمالها هيك بخسر إذا بيعك أقل". وبعد رحيل بائع الجملة السوري، يقول أبو النور "جميعنا أصبحنا على هذه الحال والحمد الله".
يقول: "عندما وصلت إلى أنطاكيا بدأت ببيع الخبز السوري الذي يختلف بشكله ومواده عن الخبز التركي، وفتحت عدة بسطات لبيعه، وهنا بدأ عملي يتسع حتى استأجرت دكانا، وقررت أن يكون للمواد الغذائية السورية فقط، واتفقت مع عدة أشخاص ليحضروها لي من سرمدا وسلقين في إدلب الحدودية مع تركيا".
يوضح أبو النور: "بداية، عندما فتحت الدكان شعر جيراني الأتراك بالضيق، وقال لي أحدهم: أنتم تأكلون خبزتنا لأنني أخذت زبائنه السوريين، واشتكى للشرطة بأنني لم أدفع الضريبة بعد". ويضيف وهو يبتسم بأن جاره التركي أفاده بهذه العملية، لأن موزعي المواد الأتراك أبوا بداية بيعه "البيبسي" لأنه لم يدفع الضريبة، وعندما دفعها مُلِئَت دكانه بمنتجات مختلفة.
توسعت شهرة "أبو النور" بين السوريين في المنطقة، وأصبح لديه زبائن أتراك أيضا. ويبيّن لنا أن "السوريين في أنطاكية فقراء ودراويش"، وهو سعيد كونه بينهم ويلبي احتياجاتهم.
وحول الوضع الحالي لمصنعه ومتاجره الموجودو في حلب، يقول "أبو النور": "لا أعلم أي شيء عنها، لكنني أشعر بالحزن الكبير عندما أعلم عن آلات المعامل التي يبيعها السارقون السوريون في أنطاكية"، مشيرا إلى أن هناك أتراكا اشتروا آلات أفرانهم من سوريين، واكتشفنا فيما بعد أنها مسروقة.
ويتابع: "أتخيل فيما لو جاءني أحد السارقين ليبيعني آلة تريكو مسروقة من مصنعي في حلب، التي يبلغ سعرها 6000 دولار، سأشعر بالغضب والحزن؛ لأنني لم أحصل على هذه الأشياء بسهولة".
ويختتم بقوله: "ليس لدي أمل أن يعود الوضع كما كان، أو أن تعود ملكيتي لي، لكنني أشعر حاليا بالرضى هنا، وأحب وجودي بين أبناء بلدي".