قالت شخصيات ليبية، بينهم نواب بالبرلمان الحالي والسابق ومنتمون للتيار الإسلامي، إن قوات "فجر
ليبيا" أحبطت "مؤامرة" لإعادة نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى المشهد السياسي في البلاد، داعين دول العالم إلى الاعتراف بشرعية "
المؤتمر الوطني العام"، البرلمان المؤقت السابق، إلى حين إجراء انتخابات برلمانية جديدة.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقد في إسطنبول، اليوم الخميس، وقدمت فيه تلك الشخصيات رؤيتها للأوضاع في ليبيا، التي تشهد ترديا في الأوضاع الأمنية، وسط انقسام سياسي حاد.
لكن هذه الرؤيا، يخالفها أعضاء مجلس النواب (البرلمان الحالي) المجتمعون في مدينة طبرق أقصى الشرق، وحكومة عبدالله الثني المنبثقة عنه، ويحظيان باعتراف دولي واسع، حيث يؤكدان أنهما يمثلان الشعب الليبي، ويعتبران في المقابل قوات
فجر ليبيا "ميلشيات إرهابية"، والمؤتمر الوطني وحكومة عمر الحاسي المنبثقة عنه "مؤسستين خارجتين عن الشرعية".
ودعت الشخصيات، خلال المؤتمر دول العالم وعلى رأسها تركيا، إلى الاعتراف بقرار المحكمة الدستورية، منتقدين دولا لم يسموها بأنها "تدعو لدولة المؤسسات في الوقت الذي تتباطأ في التعاطي مع قرار مؤسسة وطنية ليبية" في إشارة إلى قرار المحكمة العليا في طرابلس الصادر في السادس من الشهر الجاري، ببطلان انتخابات مجلس النواب التي جرت في حزيران/ يونيو الماضي، وهو ما فسره قانونيون بأنه يترتب عليه حل المجلس.
وقال محمد إبراهيم دراط، النائب بمجلس النواب إن "المؤتمر الوطني العام (الذي عاود عقد جلساته مؤخرا) هو الجهة الشرعية في البلاد، ولا يمكن أن يقبل أي قرار بتدخل خارجي، حيث سيواجه ذلك بقوة وعزيمة الثوار".
وأضاف أن "ثوار 17 شباط/ فبراير (أسقطت حكم الرئيس السابق معمر القذافي)، لم يعلنوا الحرب من قبل، وأن كل ما حدث هو دفاع عن البلاد والثورة، وأنهم طرحوا الحوار (الليبي - الليبي)، دون رعاية أممية منحازة، يتفق فيها الليبيون على مبادئ وأسس تحمي السلطة من أي محاولات انقلابية"، لافتا إلى أن "التقاء مصالح الميليشيات في الغرب والشرق في البلاد هو الذي جمعهم، حيث كان هناك نزاع في السابق بين هذه الكتائب".
وفي السياق ذاته، قال دراط، إن "ثورة 17 فبراير من عام 2011 قضت على رأس النظام فقط، فيما اختفى بقية أركانه ليعودوا إلى المشهد لتشكيل النظام القديم، عن طريق تسليح بعض القوات مثل الصواعق والقعقاع في المنطقة الغربية، وفي المنطقة الشرقية كان يسلح ما يسمى بالصاعقة".
وأضاف أن "الأموال الليبية بدلا من صرفها على التنمية، على يد حكومة علي زيدان (رئيس الوزراء السابق)، وإعادة بناء البلاد بشكل جيد، استغلت في دعم هذه الكتائب ودعمها بالسلاح، ثم بدأ العمل في الانقلاب على الثورة، وإعادة حكم الفرد من جديد، وما تبعه من إعلان المدعو خليفة
حفتر، وهو مجرم سابق ومطلوب للعدالة، إثر انقلابه على المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت السابق) ومؤسسات الدولة بدعوى القضاء على الإرهاب؛ لأنه مصطلح يلقى رواجا عالميا".
وأوضح أن "الثوار عندما شعروا بأبعاد هذه المؤامرة، تم التحرك لإرجاع الأمور لوضعها الطبيعي، وإرجاع الشرعية والثورة والديمقراطية في وضعها الصحيح، وحدثت المواجهات في طرابلس لإبعاد الكتائب التي كانت تنوي السيطرة على البلاد، وكذلك في بنغازي والمنطقة الشرقية، حيث إن هذه الكتائب تتكون من الكتائب ذاتها التي كان يحارب بها (الرئيس السابق معمر) القذافي الشعب الليبي عام 2011".
وفي السياق ذاته، انتقد دراط "تدخلات المجتمع الدولي (في ليبيا) التي كانت مربكة، وليس في صالح الدولة الليبية، خاصة في ردات الفعل على قرار المحكمة العليا" في طرابلس، معتبرا أن عدم الاعتراف بهذا القرار يعني أن هذه الدول "لا تعترف بمؤسسات الدولة والشرعية".
وطالب "كل الدول الصديقة بأن تعترف بالشرعية، وبشكل خاص تركيا التي تريد أن تكون مع الشعب الليبي".
وكان مجلس النواب المنعقد في طبرق رفض قرار المحكمة العليا في طرابلس الذي أبطل الانتخابات التي أفضت عنه، معتبرا أن القرار "صدر تحت تهديد السلاح".
من جانبه، قال سامي الساعدي، عضو مجلس الأمناء في هيئة علماء ليبيا (رابطة مستقلة لعلماء مسلمين عارضت القذافي)، إن "عملية فجر ليبيا كانت هامة من أجل حماية مؤسسات الدولة بعد ثورة البلاد، وهي ليست حركة إرهابية كما تحاول بعد الأوساط الدولية تسويقها، وقبل فجر ليبيا كانت الميليشيات، التي طردت خارج العاصمة، تنفذ عمليات متطرفة ضد أعلى سلطة، وهو المؤتمر الوطني العام، عندما أمهلوه ساعات لتسليم السلطة، وإلا سيكون هدفا لعملياتهم، لكن قوة الثوار الحقيقية هي من وقفت في وجه هذه المحاولة الفاشلة"، على حد وصفه.
وأوضح خلال المؤتمر أن "هذه الميليشيات هاجمت المؤتمر وهو يعقد إحدى جلساته، وأصابت عددا من أعضائه، كذلك قامت بخطف 22 موظفا، إلى جانب الممارسات اليومية، وأهل طرابلس شاهدوها من خطف وسرقة سيارات، وخطف البشر بقوة السلاح، وبعد عمليات التطهير شهدت العاصمة هدوءا وتوفرا في الخدمات".
واعتبر أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر "استخدم حجة الإرهاب للحصول على داعمين في العالم، حيث شهدت مدينة بنغازي اغتيالات طالت علماء وناشطين وسياسيين وصحفيين".
وشدد الساعدي على أن "المطلوب من الدول الصديقة دعم قوى الإنصاف والحق والثورة في ليبيا، والضغط على الدول المتدخلة، وممارسة كافة الضغوط والوسائل المشروعة من دعم الانقلابيين وإيصال الأسلحة لهم، لقتال قوى الثورة الحقيقية".
ودعا إلى "التعامل مع المؤتمر الوطني العام، باعتباره الجهة الشرعية التي عادت لها، إلى حين إجراء الانتخابات، وانبثاق برلمان جديد، والتعاون مع حكومة الإنقاذ، وإعادة السفراء والبعثات الدبلوماسية التي غادرت، وإقامة الشراكات الاقتصادية".
وخلال المؤتمر أيضا، قال عمر عبد العزيز بوشاح، من مدينة البيضاء، وعضو المؤتمر الوطني العام، إنهم "يعانون من تعتيم إعلامي مما حدث في ليبيا، حيث إنه في كل دول الربيع حصلت ثورات مضادة، والشعب التركي يعرف ما حصل لأنه واجه أمورا مماثلة، واستطاع من خلال نضاله المستمر أن يحقق الديمقراطية والعدالة، ويبني دولة تعددية ومؤسسات وتنمية".
وأضاف: "في ليبيا يحاولون استنساخ تجربة مصر، لكن وعي الليبيين لم يسمح لهم بذلك واستطاعوا إفشالها، فهناك دول (لم يحددها) تحاول إطفاء شمعة الحرية في ليبيا، ولم يلق الليبيون دعما من أجل بناء الحرية".
من جانبه، قال عضو مجلس وحكماء ليبيا وأحد مشايخ طرابلس، محمد عبد الله البوسيفي، إن "ثورة 17 فبراير مطلب جميع الشعب الليبي، وحاول الثوار بداية العمل بكل ما بوسعهم لمنع الأزمة للوصول إلى السلاح، وذلك بشكل سلمي، وحوار الأطراف، لكنها لم تفضي إلى نتيجة، لذا كان لا بد من أن تولد فجر ليبيا لمرحلة التحرير الثانية، ولتصحيح مسار الثورة".
وشدد أنه "مع فجر ليبيا انكشف الستار عن مؤيدي الثورة ومعاديها في الخارج، وأصبحت البلاد تعاني من تدخل سافر، وكيل بمكيالين لمبعوث الأمم المتحدة برناردينيو ليون، وتغليب طرف على الآخر".
وتعاني ليبيا صراعاً مسلحًا دموياً في أكثر من مدينة، لاسيما طرابلس وبنغازي، بين كتائب مسلحة تتقاتل لبسط السيطرة، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلاميين ازدادت حدته مؤخراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منهما مؤسساته الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق، والذي تم حله مؤخرا من قبل المحكمة الدستورية العليا، وحكومة عبد الله الثني المنبثقة عنه، وكلاهما معترف به على نحو واسع من قبل المجتمع الدولي.
أما الجناح الثاني للسلطة، فيضم، المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته مؤخرا)، ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش جاد الله العبيدي (الذي أقاله مجلس النواب).
ويتهم الإسلاميون في لبيبا، فريق برلمان طبرق بدعم عملية "الكرامة" التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ أيار/ مايو الماضي، ضد تنظيم "أنصار الشريعة" الجهادي وكتائب إسلامية تابعة لرئاسة أركان الجيش، ويقول إنها تسعى إلى "تطهير ليبيا من المتطرفين".
بينما يرفض فريق المؤتمر الوطني عملية الكرامة، ويعتبرها "محاولة انقلاب عسكرية على السلطة"، ويدعم العملية العسكرية المسماة "فجر ليبيا" في طرابلس والتي تقودها منذ 13 تموز/ يوليو الماضي "قوات حفظ أمن واستقرار ليبيا"، المشكلة من عدد من "ثوار مصراتة"، وثوار طرابلس، وبينها كتائب إسلامية معارضة لحفتر في العاصمة.