لم تعد الحملة الأمنية التي تفرضها قوات النظام على العاصمة السورية تضيق على سكانها "الأحياء" فحسب، فبعد القيود المفروضة على جميع نشاطات وتحركات الناس في دمشق تأخذ القبضة الأمنية منحى جديدا تفرض عبره معاملات وشروطا قاسية للسماح بدفن الموتى الأمر الذي بات يشكل إرباكا للمدنيين ويزيد من آلامهم وجعا.
"ما ارتاح منهم حتى الميت!"، قالها "أبو مصعب" أحد أهالي مدينة دمشق، معبرا عن حنقه الشديد من المعاملات الأمنية الكثيرة الواجب إجراؤها للسماح لأهل المتوفى بدفن فقيدهم، حيث أوضح في حديث خاص أنه في ظل القبضة الأمنية المفروضة على دمشق فرض النظام السوري عدة شروط للسماح بدفن الميت في مقابر المدينة باختلاف أحيائها خوفا من دفن قتلى "الإرهابيين" أو "الفارين" من أبناء دمشق.
أكد مصعب لـ"عربي 21"، أن معاملات
الوفاة باتت تتطلب موافقة من أفرع النظام الأمنية، مبينا أنه اضطر للذهاب لفرع الأمن العسكري الشهير بـ 215 في دمشق لأخذ "
تصريح" للسماح له بدفن والدته في مقبرة الحي. وأضاف: "تبقى مهمة استخراج التصريح هي الأصعب عند عائلة الفقيد وسط مخاوف الاعتقال التعسفي. خصوصا وأن الذاهب لاستخراج التصريحهو كمن يذهب إلى وكر النظام بقدميه".
وقال: "خضعت لاستجواب شبه كامل لاستخرج تصريح الوفاة حيث تم سؤالي عن كيفية وفاتها مطالبين بالتقرير الطبي للتأكد، كما أنه تم السؤال عنها وعن العائلة وعن مكان الصلاة عليها وعن مجلس العزاء ومكانه للرجال والنساء".
من جهة أخرى، بين "أحمد" أحد الناشطين العاملين في دمشق في حديث لـ"عربي 21" أن "أغلب حالات الوفاة تمنع الصلاة عليهم في المساجد خوفا من التجمعات (إلا من رحم ربي)، حيث يحدد الأمن المكان الذي يكون غالبا فسحة في الحي أو بالقرب من منزل العائلة. وفي حال السماح لأهل الفقيد بالصلاة عليه في المسجد تقوم قوات الأمن بتحديد المسجد والساعة وتطلب منهم عددا تقريبيا للمشيعين فارضة عددا محددا للمسموح لهم بالدخول للمقبرة"، مؤكدا حضور وفد أمني مسلح في المقبرة "للإشراف على
الدفن".
ومما يزيد من استياء الأهالي تحديد النظام لأوقات محددة لاستخراج التصريح حيث يتوجب استخراجه من أحد الفروع الأمنية قبل الساعة الثانية ظهرا، وإلا يؤجل الدفن لليوم التالي.
ويضيف أبو مصعب متهكما: "بدهم يحددوا للناس وقت الموت كمان!"، مشيرا إلى معاناة الكثير من الأهالي في إجراء المعاملات اللازمة في أوقات الدوام المحدد للسماح بالدفن، مردفا بأنه "في حين يبذل أهل المتوفى قصارى جهدهم لاستعطاف السلطات للسماح بالصلاة عليه في المسجد أو الخروج في موكب تشيع بسيط تفرض قوات النظام على أصحاب المحلات إغلاقها عند تشيع أحد قتلى جنود النظام أو الميليشيات الداعمة له وخاصة الشيعية المنتشرة بشكل كثيف في أحياء دمشق القديمة.. حيث يخرج موكب علني كبير تترافق معه رشقات من الرصاص لحين الوصول لمكان الدفن".
من جهة أخرى، دفع التضييق الأمني الشديد السكان في بعض أحياء دمشق التي تعرف بحاضنتها الشعبية المؤيدة للثورة لافتتاح مقابر غير نظامية تنشأ على "أرض وقف" في أغلب الأحيان. حيث أوضح "أحمد" أن الأمر قد بدأ مع تطوع كثير من شباب العاصمة في صفوف الجيش الحر في ريف دمشق، ما دفع الأهالي لإنشاء مقبرة في أرض وقف لأهالي الحي لدفن شهدائهم من الحر بعيدا عن المساءلات الأمنية عن كيفية الوفاة وخوفا من اعتقال ذويه في حين معرفة أنه أحد جنود الحر.
ويضيف "أحمد" أنه بعد تزايد التشديد الأمني لجأ الكثيرون لدفن موتاهم في هذه المقابر لتجنب المعاملات الأمنية من جهة ولغلاء القبور وقلتها من جهة أخرى، مؤكدا تردد الكثير من الأخبار عن استغلال النظام لتوسع المقبرة لفرض سيطرته عليها وعن قيامه بدفن العديد من الجثث مجهولة الهوية فيها باعتبارها مقابر غير نظامية.