كتب هشام ملحم: الانهيار التدريجي للدولة
العراقية أثار جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة حول من "خسر" العراق، وهو سؤال يطرح باستمرار بعد كل كارثة مماثلة. من خسر فيتنام؟ من خسر
إيران؟ وكأن الولايات المتحدة كانت تملك هذه الدول أصلا كي تخسرها لاحقاً. من المشاهد التي تبعث على الغثيان، عودة مهندسي غزو العراق الى شاشات التلفزيون وصفحات الرأي ليوجهوا الانتقادات الى إدارة أوباما، وليسدوا النصيحة المجانية (والمتغطرسة دوماً) من غير ان يصاحب ذلك حتى شعور عابر بالخجل، وكأن مشروعهم الخيالي لإعادة تكوين بلاد ما بين النهرين على صورة الديموقراطية الجيفرسونية لم ينته بهزيمة تاريخية. عادوا، وأعادوا إلينا كابوس التقويمات المطلقة وصلفها. ديك تشيني، وإليوت إبرامز، وحتى بول بريمير، الذي ربما لم يكن يعرف موقع العراق على الخريطة قبل ان يعيّنه جورج بوش مندوباً سامياً في بغداد.
أي مراقب محايد لاحتضار العراق يوافق على ان جذور ما يحصل الآن عميقة وتعود الى قرار بوش غزو العراق، وان المسؤولين عن الفجيعة الراهنة كثيرون من عراقيين وغيرهم. سياسات بوش في العراق المحتل كانت عبارة عن سلسلة من الاخطاء والخطايا بينها مباركة إنشاء نظام سياسي مبني على المحاصصة المذهبية والأتنية.
ويمكن القول إن بداية هذا الفصل الطويل من الانهيار العراقي تعود الى الدعم غير المشروط لادارة بوش لحكومة نوري المالكي، حتى عندما بدأ المالكي باسم "قانون اجتثاث البعث" حملة على الساسة السنّة من الذين كانوا يعترضون على سياساته التمييزية بمن فيهم ساسة معتدلون وغير مدفوعين بمذهبية نافرة، فسجن بعضهم وقتل آخرين أو تسبب بهربهم وذلك دونما انتقادات أميركية فعالة.
الرئيس أوباما واصل هذه السياسة الكارثية عندما أيد انتهاك الدستور العراقي ووافق على تأليف المالكي حكومته الثانية على رغم ان كتلة إياد علاوي فازت بغالبية ضئيلة في 2010. ونعلم الآن ان أوباما والمالكي، وكل لأسبابه، لم يعملا بصدق لاتفاق يبقي قوة أميركية محدودة للتدريب والاستخبارات، الأمر الذي فسر عن حق بأن أوباما يريد وضع العراق وراءه.
وعوض ان ينتقد أوباما السياسات المذهبية للمالكي، كان يمتدح مسيرته الديموقراطية وحكومته الشاملة لمختلف الأطياف. المسؤولون في السفارة الأميركية في بغداد، ومحللون حذّروا من أن المالكي يقود العراق الى كارثة، وأحدهم قال إن العراق في طريقه الى التفكك. وقبل زيارة المالكي الى واشنطن في 2013، حذّر ستة أعضاء في مجلس الشيوخ من ان المالكي يدفع السنّة الى أحضان "القاعدة". لا نظلم أوباما إذا قلنا إنه يتحمّل جزءاً مهماً من مسؤولية دفع سنّة العراق، الى إحضان "داعش" هذه المرة.
(النهار اللبنانية)