قامت عملية"
الكرامة" على أربع ركائز أساسية:
- توظيف حالة الإحباط الشديد لدى الليبيين جراء التردي السياسي والأمني
- الدعاية الإعلامية المركزة والوعود بالقضاء على من وراء تردي الأوضاع وهم الإسلاميون المتشددون
- الهالة العسكرية لحفتر و"الجيش الوطني"
- الدعم المادي والمعنوي من الداخل والخارج
وبعد مرور شهر على انطلاق الحملة العسكرية وإخفاق اللواء
حفتر في تحقيق نتائج تبعث على الطمأنينة وتقترب من الوعود التي أطلقها، فإن هناك احتمالا لوصول الحملة إلى طريق مسدود وبالتالي انهيار ركائزها الأربع.
الركيزة الأساسية التي قامت عليها الركائز الأخرى هي القدرة العسكرية لحفتر و"الجيش الوطني" على القضاء على الإسلاميين وسحقهم وبالتالي السيطرة على الأوضاع المنفلتة باعتبار أن الإسلاميين هم السبب الرئيسي في تردي الوضع السياسي والأمني، وبمجرد سحقهم تستقر الأوضاع ويستتب الأمن.
يبدو أن التحديات تتعاظم أمام قدرة حفتر على إنجاز وعوده ولذلك للأسباب التالية:
- ليس لدى حفتر جيش قوي كما شاع في أوساط الرأي العام، فالمؤشرات الأولوية المتأتية من النظر للأحداث ومن المعلومات المتوفرة تدلل بأن قيادة الجيش محصورة في شخص حفتر، وحوله عدد محدود من الضباط يؤدون دورا تكميليا دعائيا، وأن العدد الفاعل من الضباط الميدانيين وضباط الصف محدود، وبالنسبة للجنود فأغلبهم متطوعون ولا خبرة لهم بالقتال، وينكسرون بشكل سريع في المواجهات.
- إن التفوق
القتالي لدى حفتر في كثافة نيران المدفعية، وتفوقه في سلاح الطيران، لكن هذا التفوق لا يحقق نتائج مرضية، ومن الملاحظ وقوع حفتر في نفس الأخطاء عبر الاستمرار في القصف غير الدقيق الذي يعود بالضرر على المدنين، والمحاولات المتكررة لاقتحام مدينة بنغازي لأجل كسر دفاعات المقاومين، حيث توحي الأخطاء بضعف القيادة وغياب الاستراتيجية العسكرية، فالنتائج دوما خسائر أكبر في صفوف أنصاره وتأثير محدود في قدرات خصومه على الصمود.
- الدعاية الإعلامية التي اتسمت بالتركيز والتأثير الممتد خلال الأيام الأولى من انطلاق عملية الكرامة تتجه إلى انحسار بسبب الصورة النمطية المتكررة والضعيفة التي يمثلها المتحدثون باسم العملية، ومع الفشل المتكرر على الأرض تتجه الدعاية الإعلامية إلى أن تكون نموذج ممجوج وباعث على الملل وسببا مباشرا في تراجع التأييد الشعبي.
- إذ لوحظ التوقع حول إنتاج خطاب إعلامي ابتهاجي يعتمد على المبالغة ولا صلة له بالواقع المرتبك للعملية العسكرية.
- في مقابل الاختلال والارتباك في معسكر حفتر يثبت المقاومون له أنهم أكثر صلابة وتماسكا، وأقدر على تحقيق نتائج من الناحية العسكرية والقتالية.
- ليس هناك مؤشرات على تغير المشهد النمطي للعملية العسكرية وإداراتها مما يعني مزيد من الإخفاق ومزيد من الخسائر في الأفراد والعتاد، وبالقطع سيكون ذلك سببا في فشل الدعاية الإعلامية، وتراجع الدعم المادي والمعنوي للحملة من كافة الأطراف، وهو ما أشرنا إليه بالطريق المسدود.
رهانات الأطراف المتقاتلة
النقطة الرئيسية التي يمكن أن يراهن عليها حفتر هي نفاد ذخيرة المقاومين، فالمعروف أن ذخيرتهم محدودة، وتحصلوا على بعض الامدادات من الهجوم على معسكر الكتيبة الـ (21)، ولكنها لا تكفي لمعركة طويلة.
ولهذا السيناريو وجه آخر، إذ ربما يكون دافعا لتغيير استراتيجية المقاومين أو تغير في قواعد اللعبة وذلك كما يلي:
- أن يبادر المقاومون بتوجيه هجوم كاسح على معاقل قوات حفتر لتسديد لضربات موجعة خصوصا لمواقع اطلاق الصواريخ وتحرك الطائرات، وثانيا للسيطرة على بعض ما يتاح من ذخائر.
- أن يتم اللجوء إلى مصادر إمداد خارج محيط بنغازي أو حتى المنطقة الشرقية، وتواجه هذا الخيار عقبات لكنه ممكن.
فرصة أكبر للتفاوض برغم استمرار القتال
في ظل التأزيم الراهن ، وقبول الطرفين الجلوس إلى طاولة التفاوض، يمكن قراءة هجوم الأحد الماضي لحفتر على معقل خصومه في "سي فرج" بأنه من باب تحسين موقعه التفاوضي.
وأمام هذا التحليل يمكن القول أن فرصة الجلوس على طاولة التفاوض باتت أكبر، وأنه سيكون مخرجا للطرفين، فحفتر ممكن أن يحقق من خلال التفاوض بعض أهدافه التي لم يحققها من خلال المعركة العسكرية، ولأن أهدافه سياسية بحتة، فهي قابلة للتحقق بكلا الوسيلتين أو بالمزج بينهما.
وبالنسبة لخصومه فيمكن أن يكون التفاوض مخرج لهم من العزلة التي فرضتها عليهم "الكرامة"الناجمة عن حالة الرفض الممتدة شرقا وجنوبا وغربا.
أما الرأي العام ومن خلفة النخبة فينبغي أن يدركوا مآلات القتال وخطره المتعدد الابعاد، ويأتي في المقدمة إفشال الانتخابات البرلمانية في المنطقة الشرقية التي يفصلنا عنها أسبوع واحد تقريبا.